الثلاثاء 30 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أبو حامد الغزالي محيي علوم الدين

12 سبتمبر 2008 00:47
يكاد يكون الإمام أبو حامد محمد بن محمد الغزالي، هو المجدد القائم بدون منازع على رأس المائة الخامسة في التاريخ الإسلامي، والملقب بحق بـ ''حجة الإسلام'' ولم يكن للشافعية في عصره مثله، كما ذهب لذلك الشيخ يوسف القرضاوي في كتابه·· ''الإمام الغزالي بين مادحيه وناقديه''· ويعتبر من أهم الشخصيات التي أثرت في تاريخ الفكر الديني كله من خلال مؤلفاته وفي مقدمتها ''إحياء علوم الدين''، فقد ساد على علماء عصره، وتحديداً أولئك الذين كان يرجى فيهم التجديد أمثال: أبو الحسن علي محمد الدامغاني شيخ الحنفية، وأبو بكر محمد بن الوليد الطرطوشي شيخ المالكية في الأندلس، وشيخ الحنابلة أبو الوفا علي بن عقيل البغدادي الفقيه· ويذكر القرضاوي أن ابا حامد العزالي تلقى العلم عن إمام الحرمين الجويني، وصار من الأعيان في زمانه، وكان يحتج به، اجتمع به الوزير نظام الملك فولاه تدريس النظامية في بغداد، ثم إنه ترك جميع ذلك وسلك طريق الفقر والزهد وقصد الحج، ووصل إلى دمشق وذكر الدروس بالزاوية الغربية من الجامع الكبير وهي التي تعرف بزاوية الغزالي· وصنف العديد من المصنفات في كل فن من الفنون، وحج وعاد إلى نيسابور فانقطع إلى الله عز وجل وسلك طريق العبادة والجهاد ضد ما ساد عصره من بدع وخرافات· وقد قال أبو الفرج بن الجوزي·· ''لما دخل الغزالي بغداد قوّموا ملابسه ومتعلقاته بقرابة 500 دينار·· ولما تزهد وسافر وعاد إليها قوموها بقرابة 15 قيراطاً فقط، وكان لا يأكل إلا من أجرة النسخ''· وقد كان الغزالي نتاج عصره - كما يقول القرضاوي - فقد كانت الحياة الفكرية في العصر الذي شهد بزوغ نجم الغزالي مضطربة وقلقة جداً، وموزعة بين المحافظين من علماء الدين القانعين بالقرآن والحديث النبوي وأعمال السلف الصالح· والعصريين الذين لا يرون ضيراً في الاقتباس من المذاهب الفلسفية والعقلانية بقصد توسيع مجال الفهم الديني· والمعتزلة الآخذين عن الفلسفة اليونانية ومنطق أرسطو· والفرق الباطنية الذين رأوا للنصوص الدينية تفسيراً باطنياً لا يدركه إلا الصفوة من العلماء وخواص الناس· والظاهرية التي لا تعترف إلا بالتفسير الحرفي لهذه النصوص· والصوفية التي تؤمن بأن معرفة الله عز وجل تتأتى لطالب الحقيقة بواسطة نور داخلي يشع فيه، لا بواسطة العقل أو باتباع السُنّة· كل هذه الفئات كانت تتجاذب الفكر الإسلامي في زمن الغزالي وتسعى للهيمنة على غيرها من المدارس الفكرية الأخرى· كتب يقول·· ''ولم أزل منذ راهقت إلى الآن وقد أناف السنّ علي الخمسين، أقتحم لُجّة هذا البحر العميق، وأستكشف أسرار مذهب كل طائفة: لا أغادر باطنياً إلا وأحب أن أطلع على بطانته، ولا ظاهرياً إلا وأريد أن أعلم حاصل ظهارته، ولا فلسفياً إلا وأقصد الوقوف على كُنه فلسفته، ولا متكلماً إلا وأجتهد في الاطلاع على غاية كلامه ومجادلته، ولا صوفياً إلا وأحرص على العثور على سر صوفيته، ولا زنديقاً إلا وأتجسس وراءه للتنبّه لأسباب جرأته وزندقته· وكان التعطش إلى إدراك حقائق الأمور دأبي وديدني من ريعان عمري''·· وفي موضع آخر يقول·· ''طلبت العلم لغير الله فأبى العلم إلا أن يكون لله''· وكان رضي الله عنه يقر الفلاسفة على أخذهم بالمنطق الإغريقي، ولا سيما القياس المنطقي عند أرسطو، بل وراح يبرر استخدام المنطق في علوم الدين والشرع·· غير أنه خالفهم في اعتقادهم أن بإمكان العقل أن يصل بشكل مستقل إلى الحقائق الدينية· وأكد على أهمية القرآن والسُنّة في الكشف لنا عن تلك العوالم وماهيتها· وكان الغزالي يحترم السُنّة وظاهر الشريعة، غير أنه رأى أن علماء الدين وبالأخص المحافظين منهم يهتمون بالظاهر وبالأمور الثانوية أكثر مما يهتمون بالباطن والأمور الجوهرية· وكان يرفع من شأن الصوفية وتجاربها الروحية·· ويقول مع أصحابها·· ''رب إن كنت أعبدك خوفاً من جهنم فألقني في جهنم· وإن كنت أعبدك طمعاً في الجنة فاحرمني من الجنة·· وأما إذا كنت أعبدك لذاتك فلا تمنع عني جمالك الأسمى''· غير أنه كان في ذلك الوقت شديد النقد لغلاة الصوفية القائلين بنظرية الحلول والاتحاد بالله· واستطاع الغزالي أن يجعل من السُنّة ومن الفلسفة ومن الصوفية نظاماً واحداً منسجماً، وأن يقنع قطاعاً كبيراً من علماء الدين بالرضا عن الصوفية وعن منهج الفلاسفة في التفكير المنطقي المنظم، وأن يعيد الصوفية إلى الانصياع لظاهر الشريعة، وأن يكبح جماع الفلاسفة في ركونهم المطلق إلى العقل· فضلاً عن تطوير الفقه ذاته من خلال إدخال الأفكار الصوفية والفلسفية إليه· ويعتبر ''إحياء علوم الدين'' أهم كتبه، وقد قيل إنه لو أتلفت جميع الكتب التي ألفت عن الإسلام وسلم منها هذا الكتاب فقط لاستعاض الناس به عن فقدها، ولذا سمي الجامع لعلوم الدين·· ويليه في الأهمية كتابه ''المنقذ من الضلال'' الذي سجل فيه سيرته الذاتية، ويصف ما لقيه في رحلته الروحية من القلق النفسي والاضطراب الفكري قبل أن يصل إلى الإيمان التام واليقين· وإلى مفهوم عن الدين باعتباره حياة روحية وأعمالاً صالحة، وليس مجرد طقوس وشعائر وعبادات شكلية فحسب·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©