الثلاثاء 30 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

العيد في اليمن.. طقوس صامدة وتقاليد عريقة

العيد في اليمن.. طقوس صامدة وتقاليد عريقة
29 نوفمبر 2009 00:59
لايزال للعيد في اليمن طقوسه وعاداته المستلهمة من تاريخها الحضاري المترع بالجمال والأصالة، ولا تختلف التقاليد والعادات في الريف أو المدينة، فهناك مظاهر عامة صارت من علامات العيد، وتصل إلى ذروتها عشية العيد، بل وإلى الساعات الأولى من فجر اليوم الأول منه. فالأسواق تشهد ازدحاماً معتاداً، وتمتلئ المحال وأرصفة الشوارع باحتياجات العيد، وبالمشترين، والمتفرجين على حد سواء.. وتمنح الأسواق الشعبية وبائعو الأرصفة فرصاً عديدة لذوي الدخل المحدود في شراء حاجيات العيد.. كما يتخذ بائعو “مكسرات العيد” أماكنهم.. في الشوارع. والمواطن اليمني يستقبل عيد الأضحى بخصوصية وتميز، حيث يتم تجهيز “كبش العيد” والملابس الجديدة والحلويات والأطعمة الخاصة، التي تسمى “جعالة العيد”، وتختلف العادات والتقاليد من محافظة إلى أخرى، وأحياناً من منطقة إلى أخرى من حيث الاستعدادات والأفراح والمباهج بهذه المناسبة الدينية المباركة. تجهيز عشية العيد يكون رصيف الشارع في المدن الرئيسية، وخصوصاً الكبرى، قد تحول إلى معارض مفروشة بالثياب والعطورات، ومكسرات الحلوى والزبيب والفستق، والخناجر البيضاء، فيما يجد بعض الناس في سياراتهم، وبعضهم في الزوايا يعرضون اللوز اليمني، والفول السوداني، واللبان، ومعها تشكيلات من الشكولاته، كما تزدهر محال بيع ألعاب الأطفال. أما النساء وربات البيوت فينصرفن قبل العيد إلى تزيين مساكنهن وتنظيفها بعناية فائقة غير معتادة، وإظهارها بحلل جديدة تختلف هيئتها ونوعها من مسكن إلى آخر. هجرة عكسية يقول بائع الزبيب علي الخولاني: “يعد عيد الأضحى في اليمن كعيد الفطر موسم العودة إلى الريف». وبهذه العادة يمكن أن نوجز أهم الاستعدادات للعيد، حيث تغادر المدن الكبرى، خاصة العاصمة صنعاء، وقبيل حلول العيد بعدة أيام، أفواج ضخمة من سكانها، في ما يشبه الهجرة العكسية من المدن إلى الأرياف للاحتفال بالعيد بين الأهل والأقارب والأصدقاء. فالأعياد باتت السانحة الوحيدة لاستعادة شيء من دفء العلاقات الأسرية والاجتماعية التي خف وهجها في لجة مشاغل الحياة بكل تعقيداتها وتغييراتها المتسارعة. فالأعداد الضخمة التي تهجر المدن اليمنية باتجاه الريف بحثاً عن معنى وطعم مغاير للعيد لا تشكل إلا هجرة عكسية مؤقتة، هؤلاء ليسوا من سكان المدن أصلاً، لكنهم جزء من ظاهرة الهجرة الداخلية الكثيفة التي تنامت بوتائر عالية خلال العقود الثلاثة الأخيرة. هروب من الضجيج أما بائع الحلويات محسن الريمي فيقول إنَّ العيد في اليمن يمثل فرصة للخروج من ضجيج المدينة إلى الريف الهادئ، وطمعاً في حياة أفضل لأسرهم التي تركوها خلفهم، لذا يجدون في العيد مناسبة للفكاك من حياة المدينة بكل قسوتها، من خلال العودة المؤقتة إلى قراهم لينعموا بشيء من الراحة، وهم يستقبلون العيد وسط أسرهم وذويهم. وتشهد مواقف السيارات في المدن في الأسبوع الأخير من ذي الحجة ازدحاماً ملحوظاً نتيجة عودة هذه الأعداد الكبيرة من سكان المدن إلى الأرياف، ما يضطر شركات النقل لمضاعفة عدد رحلاتها المعتادة حتى تؤمن وصول هؤلاء إلى مقاصدهم في مختلف مناطق اليمن. الصلاة في الجبَّانة يبدأ العيــد في اليمــن عقب صلاة الفجر مباشرة، حيث يستعد اليمنيون بالغسل ولبس الملابس الجديدة، ويخرجون جماعات صغيرة من مختلف الأحياء يرددون الأدعية التي تشمل الصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم، وعلى أهل بيته وصحابته.. ويؤدي الجميع صلاة العيد في مكان واحد، في مسجد أو في ساحة واسعة يطلق عليها “الجبَّانة”، أو في بعض ملاعب كرة القدم وهكذا. ويفرش مكان الصلاة بمفارش بلاستيكية كبيرة تسمى “طربال”، وفوقه يضع المصلي الشال الذي يحمله على كتفه بعد أن يقلبه على ظهره. وبعد الفراغ من سماع الخطبة يقبل الأولاد والشباب على السلام على آبائهم، ثم يذهبون إلى منازلهم لنحر الأضحيات، ثمَّ ارتداء الملابس الجديدة. بعد ذلك.. ينشغل اليمنيون صباح أيام العيد في التزاور بين الأهل والأقارب والأصدقاء، وتبادل التهاني. يعقبه الذهاب إلى الحدائق العامة حيث يجد الأطفال والكبار، على السواء، متعة في الألعاب الحديثة الموجودة هناك، والتي تتميز بها المدن عن غيرها من الأماكن. تجهيز المرقة في الأعياد، تقول فاطمة التعزي: “تقل العزومات، لأنَّ كلَّ الناس يكونون قد نحروا الأضاحي، والمرأة اليمنية هي من نساء العالم الإسلامي المعدودات التي تتميز بطبخ اللحم، وبالأخص المرق الذي يحظى بمكانة خاصه وسط المائدة، فيقوم صاحب البيت نفسه، حتى ولو كان شيخ القبيلة، أو مسؤولاً كبيراً، بتقديمه بنفسه للضيوف في آنية صغيرة الحجم، مصنوعة من الخشب بطريقة يدوية يتوارثها الأبناء عن الآباء والأجداد. وتقدم آنية المرق هذه قبل تناول الطعام، وأثناء اجتماع الضيوف في الديوان في غرف الاستقبال. القات بعد الحلويات بعد تناول الحلويات تبدأ طقوس مهمة جداً، تتمثل بالجلوس لمضغ “القات”.. وهو تقليد يومي في اليمن، لكنه يكتسب أهمية خاصة، ومتعة إضافية في المناسبات؛ في مقدمتها الأعياد الدينية، وتشهد أسعار “القات” ارتفاعاً كبيراً في مثل هذه الأيام، وتقل كمية المعروض منه في أسواق المدن.. لكنه يبقي ركناً أساسياً من طقوس العيد ومتعته، لا يستغنى عنه مهما كان الثمن! صمود التقاليد ما يلاحظ على الأعياد الدينية في اليمن أنَّ معظم التقاليد صامدة أمام التغيرات التي باتت تجتاح كافة البلدان، وأصبح هناك هواية لدى الكثيرين بالتجديد في هذا الجانب، عبر اقتناء ملابس وحلي شعبية بدلاً من التسابق نحو اقتناء آخر صرعات الموضة، وكذا لا تزال أطباق العيد في المنازل اليمنية تحتفظ بأصناف الزبيب واللوز، رغم إغراق الأسواق بأنواع مختلفة من الحلويات والشوكولاته المصنعة والمستوردة.. وهي الميزة التي تكاد تجعل من العيد في اليمن متفرداً بطقوسه من خلال العودة إلى القديم، وعدم استساغة إدخال مفردات جديدة في طقوس الاحتفالات العيدية. المفرقعات دوماً بالنسبة للأطفال فإنَّ العيد يمثل لهم الحصول على العيدية من كل من دخل منازلهم من الزائرين، الأمر الذي يتيح لهم شراء أكبر كمية من اللعب، حيث ترى الشوارع مزدحمة بهم، ويحرصون على شراء الألعاب النارية بجميع أشكالها. وبعض العيدية للأطفال يتم صرفها في مراكز الألعاب الإلكترونية، أو يشترون بها ألعاباً غالبيتها نارية، وتعتبر هذه الألعاب سمة عيدية يمنية بدأت تلقى تذمراً واسعاً من الناس الذين يرون أنَّ المظهر السلبي للعيد هو استقباله بإطلاق الأعيرة النارية والمفرقعات من قبل الأطفال، والتي يؤدي بعضها إلى بتر أطرافهم واقتلاع عيونهم وتشويه أجسامهم، وقد حاولت السلطات منع هذه الظاهرة إلا أن تهريب المفرقعات يساعد على انتشارها وبقائها. ومع ذلك يبقى للعيد في اليمن نكهة خاصة برسم رائحة الفرح والطقوس الصامدة، حيث لم تستطع الرسائل القصيرة عبر الجوال اقتناع الناس بقطع الرحم، لأن ذلك مجرد تواصل مؤقت، إذ يعتبر العيد مناسبة مهمة يتواصل فيه الناس مع الأهل والأصدقاء، ورغم إجازة العيد التي تبدو قصيرة، نوعاً ما، في نظر البعض، إلا أنَّ الكل يحاول الاستفادة منها في تحقيق أكثر من هدف، وتنفيذ أكثر من مهمة
المصدر: صنعاء
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©