الثلاثاء 30 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

وقـفة بين عامين

وقـفة بين عامين
11 ديسمبر 2009 02:27
نعيش في هذه الأيام نهاية عام ميلادي، كما نعيش آخر أيام العام الهجري، ونستعد لاستقبال عام جديد، وهكذا تمر الشهور بعد الشهور، فعلينا أن نأخذ العبرة من مرور الأيام والشهور والأعوام، كما قال الشاعر: إذا عاش الفتـــــى ستـــــين عامـــــــــــاً فنصف العمـــــر تمحقــــه الليالي ونصف النصف يذهب ليس يــــــدري لغفلتـــــه يمينــــــــــــاً مع شمـــــال وباقي العمـــــر آمــــــــال وحـــــــــــــرص وشغــــــــل بالمكــاسب والعيــــال فما أحوجنا في مستهل كل عام، وحين تطوي عجلة الزمن، عاماً كاملاً من حياتنا، تقتطعه من أعمارنا، وتقرب به آجالنا، ما أحوجنا لأن نقف قليلاً على مفترق الطرق، لنحاسب أنفسنا على الماضي، ولنستعرض ما قدمناه، فنستدرك ما فات، ونتوب من العثرات، ونحمد الله عز وجل على ما وفقنا إليه من صالح الأعمال، ثم نعقد العزم على أن نواجه العام الجديد، بقلوب مؤمنة، ونيات صادقة، ورغبة أكيدة في فعل الخير، واتباع الحق، وطاعة الله وتقواه. إننا في هذه الوقفة ونحن نودع عاماً، ونستقبل عاماً جديداً يجب أن نتدارك ما فاتنا، وأن يحاسب الواحد منا نفسه قبل أن يُحاسَب، كما قال سبحانه: ?{?وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا* اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا?}?(سورة الإسراء الآيتان (13-14)، وقوله عز وجل: ?{?وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ?}? (سورة الأنبياء الآية (47)، حيث إننا سنسأل يوم القيامة عن كل شيء، لقول الرسول – صلى الله عليه وسلم -: (لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع: عن عمره فيم أفناه، وعن شبابه فيم أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن علمه ماذا عمل به) (أخرجه الطبراني). وجدير بنا ونحن نستقبل عاماً جديداً، ونودع عاماً قد انقضى بخيره وشره، لندعو الله عز وجل أن يجعل هذا العام خيراً من سلفه، وأن يجعل خلفه خيراً منه، فما من يوم يبزغ فجره، ويسطع ضوؤه إلا ويناديك يا ابن آدم، أنا يوم جديد وعلى عملك شهيد فاغتنم مني بعمل الصالحات فإني لا أعود إلى يوم القيامة، وما من ليل يُرخى سدوله، وينشر سكونه إلا ويناديك يا ابن آدم أنا ليل جديد وعلى عملك شهيد فتزود مني بطاعة الرحمن وطلب الغفران فإني لا أعود إلى يوم القيامة. إن عمر الإنسان قصير، وإن حياته أثمن من أن تضيع فيما لا ينفع، وإن الواجبات أكثر من الأوقات، لقول الرسول – صلى الله عليه وسلم -: (أعمار أمتي بين الستين والسبعين والقليل من يتجاوز)، فعلينا أن نعمر أوقات حياتنا بالباقيات الصالحات من الأقوال والأفعال، فتعاقب الزمن يفرض علينا الحرص على الوقت وأن يأخذ الإنسان من دنياه لآخرته، ومن حياته قبل موته، فظروف المستقبل ليست ملكاً لأحد، وأمرها إلى الله تعالى، لذا ينبغي اغتنام الفرصة التي بين أيدينا لقول الرسول – صلى الله عليه وسلم: (اغتنم خمساً قبل خمسٍ: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك) (أخرجه الحاكم). إن الإنسان في معترك الحياة، عرضة للخطأ والزلل، إذ العصمة ليست إلا للأنبياء، فإذا وجدت نفسك طائعاً لله عز وجل، مستجيباً لأوامره، مجتنباً لنواهيه، فاحمد الله على توفيقه لك ?{?الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ?}? (سورة الأعراف الآية (43)، وإذا وجدت نفسك مقصراً، وقد أبعدك الشيطان عن طريق الحق، فاعلم أن الله قد جعل لك من المعاصي فرجاً ومخرجاً، بالإسراع إلى التوبة والندم لقوله سبحانه وتعالى: ?{?إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا?}? (سورة الفرقان الآية (70)، ولقوله صلى الله عليه وسلم: (كل ابن آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون) (أخرجه الترمذي وابن ماجه). ليس بين العصاة، وبين رحمة الله أن تصل إليهم، إلا أن يستجيبوا لنداء الرحمن الرحيم حيث يقول تعالى: ?{?قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ?}? (سورة الزمر الآية (53)، فقد ذكر الإمام الغزالي في كتابه الإحياء أن أحد الصالحين رأى رجلاً لا ينقطع عن المعاصي، وقد غمره الله بنعيم ظاهر، وقد تعجب الناس من أمره، فقال لهم الرجل الصالح: (لا تعجبوا من أمره، رب كريم وعبد لئيم!). فسمع الرجل العاصي هذا الكلام، فتأثر وبكى، وطلب من الرجل الصالح أن يدعو له بقبول توبته، وغفران ذنبه فقال له: يا هذا أين أنت من فضل الله تعالى في قوله: ?{?إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ?}? (سورة هود الآية (90) إن الدنيا مزرعة الآخرة، ونحن لم نخلق إلا للعمل الصالح والعبادة الحقة كما قال الله تعالى: ?{?وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ?}? (سورة الذاريات الآية)، لذلك نرى أن الرسول - عليه الصلاة والسلام - قد استغل كل لحظة من حياته في طاعة الله، وعلم أصحابه ذلك، فما مضى قرن من الزمان حتى رأينا دولاً عديدة ومساحات شاسعة من قارات العالم قد سطع عليها نور الإسلام، ودخل أهلها في دين الله أفواجا بفضل الله أولاً، ثم بجهدهم وعملهم وإخلاصهم. إن الأمم تستغل وقتها أحسن الاستغلال في الخير وفي المخترعات العلمية التي تعود بالخير على أبناء البشرية، وفي سبيل النهوض بحياة الأمم والشعوب. إن أجدادنا استغلوا أعمارهم في الخير، فكانوا العلماء النابغين الأفذاذ الذين طأطأ لهم الشرق والغرب احتراماً في شتى المجالات فكان منهم الفارابي، والرازي، وابن سينا، وابن الهيثم، والخوارزمي، والكندي وغيرهم كثير، بينما نرى الأمة العربية والإسلامية اليوم في ذيل البشرية في العالم الثالث. إن الفرد مطالب باستغلال الوقت في طاعة الله، فالصلوات موزعة على خمسة أوقات، والصوم والحج والزكاة مقسمة على أشهر السنة، ونحن مسؤولون عن أعمارنا فلماذا نضيعها سدى هكذا؟! كم من إخواننا يقضون أوقاتهم في اللهو، والمقاهي، ولعبة النرد، والغيبة، والنميمة، ومشاهدة الأفلام الهابطة والمسلسلات الهدامة، أما آن لهم أن يتوبوا إلى رشدهم وأن يعودوا إلى طريق الصواب. إنك إن طالبت أحدهم بالصلاة، قال: غداً أبلغ من الكبر عتيا، وأتوب وأصلي، ونسي قوله تعالى: ?{?وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا?}? (سورة لقمان الآية (34). لذلك فإننا مطالبون أفراداً وجماعات، ومؤسسات، ودولاً أن نتقي الله في أعمارنا، ?{?وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ?}? (سورة الأعراف الآية(34) كما وعلينا أن نعلن الصلح مع الله، وأن نكثر من أفعال الخير، وننأى بأنفسنا وأهلينا ومجتمعنا عن طريق الشر، عسى أن تدركنا رحمة الله ?{?إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ?}? (سورة الرعد الآية (11). وما دمنا لا ندري متى سنموت فيجب علينا طاعة الله وتنفيذ أوامره ورد الحقوق لأصحابها من قبل أن يأتي يوم لابيع فيه ولا خلال. وأقول في الختام: ونحن نقف على أبواب عام جديد لنتضرع إلى الله سبحانه وتعالى أن يجمع شمل أمتنا العربية والإسلامية، ويوحد كلمتها، وأن يؤلف بين قلوب أبنائها، كما ونسأله سبحانه وتعالى أن يكون العام الجديد عام خير وبركة على البشرية جمعاء إنه سميع قريب. الشيخ الدكتور يوسف جمعة سلامة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©