حوض جورجيا ··· أعجوبة بحرية

ارتبط البحر منذ قديم الزمان بكثير من الأساطير، وفي كل أنواع الأدب التي وصلت إلينا من الحضارات القديمة، ارتبط البحر بالكائنات البحرية العملاقة التي تأكل البحارة، وجبال المغناطيس التي تدمر سفنهم، والحوريات التي تسلب عقول أقوى الرجال ولا تردهم إلى أهلهم وأوطناهم· ومن المؤكد أن البحر وما تحت سطحه كثيراً ما استغرق مخيلة الإنسان· وفي العصر الحديث، كتب الروائي الفرنسي العبقري ''جول فيرن'' روايته ''عشرون ألف فرسخ تحت سطح البحر'' والتي تخيل فيها وجود سفينة يمكنها السير تحت سطح الماء لمسافات سحيقة (الغواصة)· والتي لم تخل أيضاً من كائنات الأعماق المخيفة والقاتلة· وبصرف النظر عن كون الرواية من أروع ما كتب في الخيال العلمي، إلا أن العلوم الحديثة أشعرتنا بالطمأنينة تجاه البحر، وما لبث الإنسان بعدما توصل إلى الوسيلة أن استحدث هواية الغوص، وأول ما يحذرك منه مدرب الغوص هو: تابع مؤشر الأوكسجين ولا تأخذك روعة المشاهد تحت سطح الماء، لأن كثيرين من المحترفين أخذهم جمال البحر وانتبهوا على نفاد الأوكسجين وماتوا قبل أن يتمكنوا من الصعود إلى السطح· بعيداً عن كل هذا، يمكن الاستمتاع بروعة الأعماق بدون أي قلق من الوحوش الأسطورية أو من نفاد الأوكسجين، فهناك حوض للكائنات البحرية يغني عن كل هذا، وهو حوض السمك الشهير بـ''حوض جورجيا'' في الولايات المتحدة الأميركية والذي يعتبره البعض الأكبر من نوعه في العالم، سواء من حيث عدد الكائنات البحرية الموجودة فيه أو كمية الماء· وهو فعلاً شديد الثراء في عدد المخلوقات البحرية التي يضمها بين جدرانه، وهو من الضخامة بحيث يحتوي على مصاعد وكراسي متحركة للمعوقين وأرضيات تسير بالزائرين ومقهى وقاعة طعام كبيرة، إلى جانب أماكن للاستراحة وخدمات أخرى عديدة· في الواقع، يعد الحوض أداة رائعة لمشاهدة حياة الكائنات البحرية، ولكن عندما نضعها في هذا المكان فإن هناك 3 أشياء يجب الاستمرار في المحافظة عليها بدون خلل، وهي الماء وفلترته والطعام، سواء كان الحوض يحتوي على جالون أو 10 ملايين جالون من الماء (حوالي 33 ألف متر مكعب) كما في ''حوض جورجيا''! ويضم ''حوض جورجيا'' أكثر من 100 ألف كائن بحري تنتمي إلى 500 جنس و16 فصيلة، وتعاون على إثراء تنوعه بالكائنات الحية ثلاث جامعات أميركية واثنان من البرامج الخاصة بالحفاظ على الكائنات المهددة بالانقراض· وينقسم الحوض إلى خمسة أحواض رئيسية تتفرع من حوض مركزي، والأحواض الخمسة هي: ''رحالة المحيط''، و''بعثة المياه الباردة''، و''مستكشف جورجيا''، و''كشافة النهر''، و''القائد الاستوائي''· ويمكن اعتبار هذه الأحواض الضخمة معارض فنية حية للكائنات البحرية، ويمثل كل حوض لوحة لمجموعة مختلفة ومتجانسة من الكائنات· ويحتوي ''رحالة المحيط''، أكبر الأحواض الخمسة، على ثلاثة أرباع المياه الموجودة في ''حوض جورجيا''(6 ملايين جالون من المياه)، وتبلغ مساحته 236 قدماً في الطول و126 عرضاً وبعمق 33 قدماً· ويمنح هذا الحوض رحلة خرافية ومشاهد حية لا توجد في مكان آخر في العالم· فعلى عمق 100 قدم تحت سطح الحوض يستطيع الزوار إما أن يقفوا ويلتقطوا صوراً، لكثير من الكائنات البحرية، لن تتكرر في أي مكان آخر في العالم، أو الوقوف على أرضية متحركة تسير بهم خلال هذا المشهد الرائع· وما قد يشغل بال أي شخص، خصوصاً هواة تربية الأسماك، هو الكيفية التي تتم بها فلترة كل هذا الكم من المياه، لأنه من المؤكد أن تنقية ملايين الجالونات على مدار الساعة ليس عملاً سهلاً، ويتكون نظام فلترة ''حوض جورجيا'' من 218 مضخة و141 فلتراً عملاقاً و70 جهازاً لكشط البروتينات التي تتبقى من مخلفات الطعام، ويقوم هذا النظام بتحريك 261 ألف جالون من المياه في الدقيقة! لكي تحس الكائنات البحرية أنها في المحيط طوال الوقت، ولكي لا تركد المياه فتوفر بيئة مناسبة لنمو البكتريا· وهناك أيضاً عوامل بيئية أخرى يجب أخذها في الاعتبار في الأحواض الضخمة، وهي الحفاظ على درجة الحرارة بددقة متناهية، لأن بعض الحيوانات البحرية مثل القندس تصعد إلى سطح الماء وتتعرض للهواء· ويتحكم في نظام التهوية والتدفئة في ''حوض جورجيا'' نظام يستطيع اتخاذ 9 آلاف قرار في الثانية، أو تعديل درجة حرارة 10 آلاف جالون كل ثانية، ويراقب هذا النظام درجة الحرارة باستمرار ويضبطها طبقاً للمتغيرات للتأكد من أن كل الحيوانات والأسماك تشعر بالراحة· ومن المؤكد أن إطعام هذا العدد الهائل من الكائنات البحرية أكثر من صعوبة نثر بعض الطعام كما يحدث في الحوض المنزلي، ولذا فهناك طاقم يقوم بإعداد الطعام في مطبخ معد خصيصاً لهذا الغرض، وبه إمكانية لتخزين 26 ألف طن من الطعام· وجزء من مهمة طاقم التغذية هو إعداد الطعام بدقة والذي تختلف مكوناته ونوعيته بشدة من فصيلة لأخرى ومن نوع لآخر· وهناك خبراء يطعمون الكائنات البحرية يومياً، لأنه طالما يتم إطعامها وخاصة الضارية منها بانتظام فلن تتغذى على بعضها البعض· في النهاية، يدير هذا الحوض الضخم 200 عامل و1000 متطوع يذهبون للعمل يومياً للعناية بهذا العدد القليل من الكائنات مقارنة بما بوجد في المحيط· وتبرعت لبناء هذا الحوض مؤسسة ''هوم ديبوت'' وتكلف بعد الانتهاء من بنائه 250 مليون دولار، وتبلغ مساحته الإجمالية 81 ألف متر مربع· وقام صاحب المؤسسة بيرنارد ماركوس بزيارة 56 حوضاً كبيراً في 13 دولة في أنحاء العالم للوصول إلى أفضل تصميم للحوض الذي يريد بناءه وتقديمه هدية لمدينة ''أتلانتا'' عاصمة ولاية جورجيا· وتحول ''حوض جورجيا'' إلى شركة لا تهدف للربح، وسارعت للتبرع لها كبريات الشركات الأميركية، افتتح الحوض في 23 نوفمبر 2005 للجمهور· وفاق عدد زائري الحوض توقعات المتبرعين الذين بنوه لأهداف تعليمية، ووصل إلى مليون زائر في الأول من مارس 2006 بعد 4 أشهر من افتتاحه، ووصل إلى5 ملايين زائر في مايو 2007.