الثلاثاء 30 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الشاعر السفير عبد العزيز خوجة: الشعر عالمي الأخير

14 يناير 2006
بيروت - حسام العشي:
الوطن، الرجولة، الطفولة، المرأة، الكون عناوين ومفاهيم مشتعلة في صدر الشاعر والسفير عبد العزيز خوجة الذي خط لفنه الأدبي مسلكاً يحمل توقيعه، متنقلاً فيه بين محطتي القلق والاطمئنان· هو سفير للمملكة العربية السعودية في لبنان، وشاعر سفير للكلمة التي تعكس كل هذه الهواجس التي تقلق الذات، وهذا حوار معه:
بين ديبلوماسية الكلمة وديبلوماسية السياسة، هل هناك رابط؟
انا اهرب من ديبلوماسية السياسة الى اشتعال الكلمة، فالشعر عندي هو الفضاء الذي اتنفسه، أهرب اليه من جميع همومي لاعيشها فيه واتفاعل معها ايضاً· ان الشاعر هو الانسان بكل ما فيه من تجارب سواء في العمل الديبلوماسي او في اي عمل آخر وهو مزيج من هذه التجارب الانسانية التي تؤثر عليه من هنا او هناك، ولكن الشعر هو العالم الأخير الذي يلجأ اليه الشاعر، فيه يحرق بخوره أي نفسه فيحاول ان يترجم ما يحرقه الى كلمة قد يستنشقها او يسمع بها كل من في هذا الكون·
لماذا يبدو الشاعر وكأنه في مواجهة مع الذات؟
الشاعر في لحظات مجاهدة دائمة مع النفس ومع الكلمات ومع التجربة المنصهرة في اعماقه في اللاشعور، هذه التجربة المستمرة اللاهثة المتجددة المتطورة هي هذا الشاعر، ان المسألة ليست نكران وجوده وعمله وانسانيته، وانما محاولة ترجمة المستطاع بين ما تفاعل في اعماقه وبين شعوره او مخزونه·
الشاعر أولاً
أي الألقاب تفضل لنفسك؟
أنا شاعر طبعاً··· الشعر يطغى على كل شيء·
لماذا هذا اللقب أحب إلى قلبك من لقب السفير؟
لأني ولدت شاعراً، اما في السياسة فقد تعلمت وعملت حتى نلتُ هذه الثقة الكريمة، كذلك الأمر على صعيد علم الكيمياء فقد حصلت بالدراسة على شهادة الدكتوراه ولكني لم أولد كيميائيا·
كيف خرق الشعر الأرقام السرية لحقيبتك الديبلوماسية؟
ان تجربتي الديبلوماسية والسياسية هي مصدر اثراء لتجربتي في الحياة والشعر الذي يحتاج دائماً الى تنميته بالالتقاء مع الآخرين والتفاعل معهم، فهذه طبيعة الانسان كونه ابن هذا التراب والارض فالشاعر لا يستطيع التخلي عن اصله وطبيعته التي عليه ان يعيشها ولا يمكنه ان يكون في معزل بعيد او في برج عاجي بل هو جزء من هذا المجتمع الصاخب·
أين ترى الاستفادة من تلك الحقيبة في شعرك؟
الاستفادة من المصادر المعرفية خاصة اثناء فترة اقامتي في بلاد لم اذهب اليها من قبل، حيث التقيت بحضارتها وثقافتها وشعرائها ولو لم اكن سفيراً في تلك البلاد لما تسنى لي الاطلاع الكافي على مختلف الثقافات، لقد استفدت من عملي كسفير في تركيا وروسيا والمغرب والآن استفيد من عملي في لبنان، ولا يمكنني القول غير ذلك والا اكون ناكراً للجميل، فقد اتيحت لي الكثير من الفرص من خلال لقاءاتي بشعراء وادباء واطلاعي على كتب جديدة وتاريخ وفكر جديدين وكل هذا اغناني كشاعر·
متى يصير الشعر مادة للحوار؟
الشعر جماله في ابهامه والقارئ يتلقاه بحسب فهمه، ولا بد لأي شاعر من ان يكون له تميزه الخاص به والا اصبح متكرراً لصدى اي شعر آخر، وانا لا اريد ذلك بل اريد ان اكون الشاعر عبد العزيز خوجة المتميز بفضائه الخاص به، لا انافس احداً ولا اتفرد بالساحة لوحدي· الآن عندما يقرأ الناس قصائدي يعرفون مباشرة انها لي هذا لا يعني اني افضل او أسوأ او اقل او اكثر وانما الناقد هو الذي يحكم عل ما يقرأه، فالمكان يستوعب الجميع كما الكون فيه الكواكب والبحار والمحيطات والنهر الكبير والجدول الرقراق والاشجار الصغيرة والاشجار الباسقة وكلها عناصر تشكل جماله، كذلك فضاء الشعراء الجميل بتنوّعه ولكن المهم ان يبقى الانسان نفسه مثلما خلقه الله سبحانه وتعالى وانا واحد من هذه المخلوقات الذي لا يريد ان يشبه احداً·
بين متناقضين
عن ماذا تبحث في داخلك؟
لا ادري فكلما اصل الى محطة ما ابحث عن أخرى اكبر من سابقتها، أرى انني في رحلة دائمة احن فيها الى شيء لا احسّه، فأنا في حالة بحث عن حقيقة ما، عن شيء ضائع·
لعله شاطئ الامان او واحة معرفية، مع اني والحمد الله حياتي جيدة الى حد كبير ولكن الانسان في داخلي يبحث عن الغيبيات·
الا تقلق من هذه الغيبيات؟
انا في حالة قلق مستمرة ولكن ايماني بالله يربّت داخلي وقلبي بنوع من الحنان كما تربّت يد الأم على طفلها الصغير ولا اعرف مصدر هذا القلق او حتى لماذا انا قلق فهذه طبيعتي مزيج من الاطمئنان الايماني والقلق الفني·
هناك تناقض بين القلق والاطمئنان، كيف ربطت بينهما؟
هذا هو الفن، وهذه هي مشكلتي ولن ابحث عن حل لها· فالحياة مليئة بالمتناقضات، ولعل الله قد خلق الانسان قلقاً كي يبحث عن الاطمئنان، انه تناقض داخلي مرير غير مرئي، علماً انني سعيد بهذه الحالة التنقلية بينهما·
وحدة داخلية
هل من مشارك في تلك الرحلة، أم أنك وحيد فيها؟
دون شك انني وحيد من الداخل ولكن الايمان عوّض هذه الوحدة، مع العلم ان علاقاتي بالآخرين جميلة جداً واحب الانسان كثيراً، فعلاقتي معه متميزة لانني اعرف جماله، لقد اعطاني الله قدرة معرفة مكامن الجمال في الطبيعة والانسان الذي اتعامل معه وفقاً لجانبه الايجابي، كما املك مقدرة على معرفة مصدر العطاء والعبقرية فيه، الأمر الذي جعلني امد جسوراً كثيرة من الثقة بيني وبينه ذلك لاني لا ابصر الا الطيبة او الحسن المُودع فيه اضافة الى ان البحث عن الشمعة المضيئة في داخله متعة اتلذذ بها وقد اكتسبت ذلك من خلال تعليمي في الجامعة، اما العيوب فكلنا عيوب ولا احب النظر الى مساوئ احد فقد يُسخّرهم الله لرؤية مساوئي كما ان الرسول صلى الله عليه وسلم علّمنا ان نستر عورات الآخرين ولا نطلع عليها وهذا من صميم تربيتنا·
يبدو أنك متسامح مع الآخرين؟
جداً، ربما اذا سامحت المخطئين معي يسامحني الله سبحانه وتعالى على خطأ ما قد ارتكبته، فهذه الدنيا الى زوال ورحلتنا فيها قد تقصر او تطول ولكنها حتماً ستنتهي، من اجل ذلك انظر الى كل الايجابيات في هذا الكون وانا سعيد بذلك، اضف الى انني لا اخسر ان تعاملت بحسن نية ورجولة مع الناس بل سأكسب·
حتى الآن، في اي قصيدة ترى انك اظهرت كل المساحات العميقة في داخلك؟
قصيدة زاسفار الرؤياس هي جزء من حقيقتي وقد تركت لنفسي فيها الحرية في الكتابة بدون رقيب·
لحظة إلهام
متى تكتب الشعر؟
عندما يريد الشعر كتابته، هي لحظة مبهمة عذبة وجميلة ولكنها مضنية ومع ذلك احب العيش فيها لانني ارحل الى عالم آخر مختلف بجماله، تأتي فجأة فأدخل فيها وتنتهي فجأة فأخرج منها، وعلى الشاعر ان يعيشها فور ورودها لأنها ان ذهبت لن تعود، فهي لحظة الهام او اتصالات مع عالمه الخاص فيكون الشعر كأجهزة الاستقبال تلتقط الايونات السابحة لتتفاعل مع ايونات نفسه الداخلية، يهضمها ثم يخرجها شعراً وابداعاً·
ماذا يترجم لك الشعر؟
يترجم معاناتي حينما أكتب، الشعر الحقيقي عملية صعبة جداً لأنه حالة ابداعية لا بدّ ان تتعب فيها كي يأتي عملك جميلاً·
ما سر الانسجام والتآلف العميق بينك وبين الشعر؟
البراءة الشرسة، الصدق، الفراغ الذي أبحث عنه في مساحاتي الداخلية كل هذه الاشياء مجتمعة تشكل سر هذا الانسجام اضافة الى علاقتي بكل ما هو بعيد وغامض·
قهرستان والحلم
زقهرستانس تسميتك للوطن العربي، من هو قاهره اليوم، وما رأيك في القوة المواجهة لهذا القهر؟
الحرية الضائعة التي لم تُنل بعد، ان الانسان دونها عبد لا يستطيع التفكير او حتى أن يكون مواطناً صالحاً منتجاً معطاءً حراً، فالحرية هي الاوكسجين للزهر كي ينبت وهي روح الحياة· ان الوطن العربي مقهور بحكم الظروف التي مرت عليه مما جعلته غير قادر على اللحاق بالركب الحضاري، نحن في منطقتنا الكبيرة العظيمة استطعنا ان نشارك في فترات كثيرة من التاريخ بهذا المخزون الثقافي الذي امتزج مع ثقافات أخرى وكوّن هذا الزخم الحضاري الانساني الكبير، فحرام في هذا الموكب الجديد للثقافة ان لا نكون من صناعه وان لا نشارك فيه·
أشعر بحزن لأن أبناء هذه الأمة الذين أسسوا أعظم الحضارات الانسانية أصبحوا الآن في منأى بعيد جداً عن هذا الركب الذي يسير بسرعة هائلة، لذلك علينا ان نجد طريقاً او منفذاً لنعانقه متسلحين بالمفهوم الحقيقي لقيمنا الأصلية· ان حضارتنا ذات قيمة كبيرة جداً وفي يوم من الأيام كانت ذات قيمة وقوة معاً، الآن ذهبت القوة وبقيت القيمة، لذا علينا ان نجعل من هذه الحضارة العظيمة التي نملكها نوراً يضيء للبشرية مرة أخرى·
مكة والطفولة
بين بيئة مكة وبيئة لبنان فرق شاسع، كيف ألغيت هذه الفروقات في شعرك؟ وكيف تعايشت مع البيئتين؟
مكة هي بيئتي، هي القاعدة الراسخة التي بنيت ذاتي فيها، نشأت وتعلّمت فيها، مكة بالنسبة لي لها وضعها الخاص فهي مهبط الوحي ومكان تاريخي، فيها أقدم بيت لله تعالى، أثّرت فيّ كما تأثّرت بنشأتي حول الحرم· اما البيئات الأخرى التي دخلت اليها فهي ايضاً محطات جميلة جداً في حياتي، تعلمت منها الكثير الا أنني تعايشت رغم كل هذه البيئات المختلفة مع الانسان فيها والذي هو نفسه في كل الأمكنة ولكن الفارق هو ثقافته الخاصة به·
أي البيئات أحب الى قلب عبد العزيز خوجة؟
شيء طبيعي ان يرتط الانسان بجذوره ويحب بيئته، فاللبناني وان أحبّ بلداً آخر الا انه مرتبط بـ لبنان وكذلك السعودي فهذا أمر طبيعي· مكة هي أمي ووالدي وأهلي وبيتي الذي نشأت فيه والأزقة التي سرت فيها وتنشقت فيها أنفاسي الأولى· انا لا أفضل بيئة عن بيئة وانما المملكة ككل هي حياتي، هي وطني الذي أنتمي اليه، أعتز به، أحبه، أدافع عنه وأغار عليه·
ثمة علاقة خاصة بين الشعراء العرب ولبنان؟
الدنيا كلها في لبنان، لقد خصّ الله هذا البلد بميزات كبيرة جداً، اذ جعل كل الكون في هذه المساحة الصغيرة، كل الجمال وضعه الله في لبنان حتى الانسان فيه يظهر عليه هذا التنوع الجمالي·
القارئ لقصائدك يدرك تماماً فهمك لعمق المرأة، كيف تسنّى لك الغوص فيها؟
لا تصدق هذا الكلام، فأنا لا أعرف المرأة ولا أعرف الغوص فيها ولا أعرف شيئاً عنها، انما كل ما كتبته عبارة عن أحاسيس أو محاولات كتابية عن المرأة ولكنّي لا أدعي معرفتها·
هل تستخدم ديبلوماسية الحب مع المرأة؟
انا رجل عفوي، طبيعي جداً وبسيط جداً، أتكلم ببساطتي وعفويتي الخاصة فقط·
اذا طُلب منك التصنيف، فتحت أيّ عنوان تدرج اسمك؟
فقط الشاعر عبد العزيز خوجة·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©