الثلاثاء 30 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

إدارة الاختلاف وشجاعة الحوار

24 يوليو 2010 22:22
أشعل الخلاف الأخير حول "أسطول الحرية" الذي كان يحمل إلى غزة معونة إنسانية، جدلاً ملتهباً في كل موقع يتبادل فيه الناس الآراء، على شبكة الإنترنت وخارجها، إلا أن أكثر ما يسترعي فيه الانتباه ليس فقط العنف الذي حدث على متن سفن الأسطول، وإنما كذلك الموقف الذي يتخذه الناس في كافة أنحاء العالم حيال الصراع العربي - الإسرائيلي. وقد خضت في أعقاب هذا الحدث حوارات مع العديد من أصدقائي على "الفيسبوك" Facebook ممن هم على طرفي النزاع، ولسوء الحظ أن الأمر المشترك الوحيد الذي لاحظته في هذه الحوارات كان رفض الاعتراف بوجهات النظر الأخرى، جملة وتفصيلاً، حيث ينتقي أفراد كل طرف حقائق معينة فقط تدعم وجهات نظرهم ومنظورهم للأمور، ويتجاهلون تماماً جميع الأمور الأخرى. وعلى سبيل المثال، فقد أكّد من يساندون الفلسطينيين حقائق مثل أن الأسطول كان في المياه الدولية، وأن من كانوا على متن السفن هم نشطاء، وعمال إغاثة إنسانية. ومن ناحية أخرى أشار من يساندون الإسرائيليين إلى شريط فيديو يزعمون أنه يُظهِر الجنود الإسرائيليين وهم يتعرضون للضرب من قبل ناشطي أسطول الإغاثة لدى هبوطهم على متن إحدى سفنه. وبدلاً من الإصغاء لما لدى الطرف الثاني ليقوله، يفترض أفراد كلا الطرفين أنهم يعرفون ما يفكر فيه الطرف الآخر سلفاً، ولذا فإنهم لا يستثمرون أي جهد في الإصغاء أو الانخراط في حوار بناء معه. وعندما لا يكون في إمكاننا إدارة نقاشات متحضرة بحيث نصغي للآخرين ونعيد النظر في أفكارنا، فإننا نضيع بذلك فرصة ثمينة هي ما يسعى اليه عادة أي حوار جاد وبناء. وهذا أمر اعترف به، للمفارقة، أصدقائي الذين ناقشت معهم قضية أسطول سفن الإغاثة. بل إن بعضهم قال إننا لا نستطيع تحقيق شيء بمجرد الحوار أصلاً "بينما يتعرض الناس للمجاعة في قطاع غزة" أو "عندما يشكّل الفلسطينيون خطراً على أمن إسرائيل"! وإذن فقد "حان وقت العمل وليس وقت الكلام"، وهذا موقف وخطاب شائع في حالات النزاع، وليس غريباً أن يجعل أي نزاع أكثر تفاقماً. ومن المؤكد أن أرملة في غزة مهمومة بكيفية الحفاظ على أطفالها بأمان وسلام لن تفكر في إقناع الجنود الإسرائيليين بالجلوس على طاولة وخوض حوار بنّاء معهم. وبالمثل، يقول الطرف الآخر، لا يستطيع جندي إسرائيلي صدرت له الأوامر بالهبوط على سفينة أن يفكّر بالطلب من ركابها أن يتفاهموا. وحتى لو افترضنا أن الناس الذين يعيشون في قلب النزاع وتحت ضغوطه قد لا يملكون ترف الانخراط في حوار، فليس معنى ذلك أن الناس الآخرين، المنتشرين في كافة أنحاء المعمورة، لا يستطيعون المساهمة بشكل إيجابي في تشجيع التفاهم والحوار. والحال أن خوض الحوار يتطلب شجاعة أكثر من شنّ الحرب. لأنه قد يأخذك إلى ذلك المكان غير المريح حيث تتوجب عليك مساءلة فرضياتك الخاصة، وبدلاً من التكلم نيابة عن الآخرين وفق أحكام مسبقة، يتعين عليك أن تصغي لما يقولونه، وأن تأخذه بعين الاعتبار وأن تطرح وجهات نظرك الخاصة بأسلوب قادر على التعامل مع سوء الفهم الذي ربما يظهر لديهم. ومن الشائع أحياناً بين الناس في حالات التواصل العارض أن يتجنبوا الحديث عن السياسة والدين خوفاً من إهانة الآخرين أو فقدان صداقتهم. ولكن في حالات الانخراط في حوار ملتزم يتم تشجيع التفاهم، وإظهار التسامح وتفهم وجهات نظر الآخرين. وإذا لم يتمكن، الأفراد العاديون، من مواجهة أصدقائهم ومعارفهم، وتشجيع الحوار فيما بينهم، فما الذي يجعلنا نفكّر بإمكانية جلوس السياسيين على طاولة التفاهم مع غرمائهم؟ حيدر الموسوي- مدوّن وكاتب ينشر بترتيب مع خدمة "كومون جراوند"
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©