الثلاثاء 30 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ترامب.. الضرائب والمواطنة

17 أكتوبر 2016 10:46
إما أن يكون المرء دافع ضرائب أو مواطناً. إذا كان من دافعي الضرائب فإن دوره في البلاد يحدده وضعه القانوني والاقتصادي. وهويته الأساسية تتمثل في أنه فرد. ويكون من حقه تماماً أن يقوم بكل شيء يستطيعه قانوناً لرعاية مصالحه الذاتية. وفي إطار هذا المنطق فمما لا بأس به أبداً احتمال أن دونالد ترامب لم يدفع ضرائب دخل ولو لفترة طويلة من الزمن. وكما قال ترامب نفسه وحلفاؤه إنه لم يخرق قانوناً. وإنه قد استفاد فقط من ميزة الخصومات بالطريقة نفسها التي ينتهز بها باقي الأشخاص ميزة الخفض في الرهون العقارية أو أي خصومات أخرى. وكل ما في الأمر أن لديه خصومات أكبر يستطيع أن يستفيد منها. وكما جادل ترامب ومستشاروه، فمن الممارسات الطبيعية في مجتمعنا الأميركي أن ندفع أقل قدر ممكن من الضرائب. وهناك صناعات كبيرة تساعد الناس على فعل هذا. فلا خطأ هنا. والمشكلة في عقلية دافع الضرائب أن الحال ينتهي به إلى خدمة مصالحه الفردية في المدى القصير، ولكنه يعكر صفو السعادة المطلوبة على المدى الطويل. والأمة الصحيحة ليست مجرد كتلة من الوحدات الفردية الذرية القانونية والاقتصادية. الأمة شبكة من الأخذ والعطاء. والمرء يعطي عمله وصاحب العمل يعطيه. والمرء يعطي حكومته وحكومته تعطيه. وإذا أدار المرء كل شيء حول مصالحه الذاتية ينتهي الحال بنا إلى تمزيق شبكة الأخذ والعطاء. فالجيران لن يثقوا في بعضهم بعضاً. والأفراد لن يثقوا في مؤسساتهم ولن يثقوا بالتأكيد في حكوماتهم. وكل شيء غير محظور صراحة يمكن أن يصبح مباحاً. وكل فرد يتحول إلى شخص شكاك وتبريري وتنافسي. وهذه بالضبط هو عقلية الذرات التي تتلف أميركا. وقبل سنوات، عبر ديفيد فورست عن هذا بطريقة لطيفة قائلًا: «أعلم أن الأمر قد يبدو رجعياً. ولكننا نشعر به جميعاً. لقد غيرنا الطريقة التي نفكر بها في أنفسنا كمواطنين. إننا لا نفكر في أنفسنا كمواطنين بالمعنى القديم بأن نكون جزءاً من شيء أكبر وأهم حتماً وعلينا مسؤوليات جادة تجاهه. إننا نفكر في أنفسنا كمواطنين بمعنى أن نكون مستفيدين، ونحن ندرك بالفعل حقوقنا كمواطنين أميركيين ومسؤوليات الأمة تجاهنا، ونحرص على حصولنا على جزء من الكعكة الأميركية». لكن عقلية المواطنة القديمة مختلفة عن هذا. والأمر يبدأ بوهج الحب الدافئ للبلاد. ويستمر مع شعور بالعرفان الجميل بأن مؤسسي هذه البلاد على رغم كل مثالبهم استطاعوا بناء هيكل حكومة أكثر قدرة على التكيف والصمود من أي شيء آخر يمكننا أن نصنعه اليوم. ويتمتع المواطن بتوقير جميل لكل الهبات التي تحققت مع مرور الوقت، وشعور جميل أيضاً بالتقدير تجاه البلاد على نحو يتنافى مع النكران والصلف. ومن كل هذه المشاعر الجميلة يأتي الشعور بالجمال المشترك الذي يتجاوز الجمال الفردي. وهو ذلك الإحساس بمدى الروعة التي يفترض أن يكون المجتمع عليها. وهذا يعني أن الرغبة الاقتصادية لادخار المال من الضرائب تنافس رغبة أكبر في أن يكون المرء جزءاً من عالم أفضل. وفي مجتمع جميل يأخذ كلٌّ نصيبه. وبعض الأشياء التي تقوم بها الحكومة هي من الصالح العام الذي لا خلاف عليه مثل حمايتنا من الأعداء، والحفاظ على صحة وكرامة كبار السن والضعفاء. وهذه الأمور يتعين علينا أن ندفع لها من أموالنا، وفي المجتمعات التي نعجب بها الجميع يقدم المساعدة. وفي مجتمع جميل، يمارس الجميع نوعاً من سلوك النظافة الاجتماعية. وهناك بعض الأمور التي قد تكون غير ممنوعة ولكنها مثيرة للاشمئزاز وفاسدة. وفي مجتمع جميل يتنكر الناس لهذه الأمور الفاسدة والمفسدة. وقانون الضرائب أرض خصبة للفساد ولذا لا يستغلونه. ونظام اليانصيب يفقر الفقراء، ولذا لا يساهمون باللعب فيه كي لا يجعلوه مقبولًا. وفي مجتمع جميل، يشعر الجميع أيضاً بالامتياز ولكن الغني يشعر بتميز خاص. إن الغني يعرف أنه قد حصل على أكثر مما يستحق، وهذا بالفعل لا يضر كثيراً طالما سعي لأن يكون مستحقاً لما حصل عليه. والمواطنون لا يضحون بدوافع من نبل قلوبهم فحسب، بل ينخرطون في العمل العام لمصلحة إثراء أنفسهم أيضاً. فإذا مارسوا السياسة، أصبحوا محنكين، وإذا خدموا في الجيش يتعلمون الشجاعة. والمواطنة العامة هي طريق إلى النمو الشخصي. ويمكنك القول إن عدم دفع ملياردير ضرائب أمر لا بأس به وقانوني. ولكن حينها يتعين عليك تبني عقلية تغلق إجمالًا جزءاً من قلبك ومعظم مشاعرك الأخلاقية. وهذه العقلية منفصلة تماماً عن عقلية القواسم المشتركة والمواطنة. وهي ذات آثار جانبية، فقد تحقق الثروة ولكنها تبتعد بنا عن السعادة. * كاتب أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©