الثلاثاء 30 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ذهبُ غانا... يجذب الصينيين

15 يناير 2013 21:52
زان رايس غانـا قبل فورة التنقيب عن الذهب التي ظهرت في غانا، لم يكن أحد يهتم بزيارة المناطق الوسطى من البلاد الذي تحفها الأشجار والأحراش الخضراء، لكن قبل عامين فقط وصل عشرة صينيين إلى قرية “مباتاسي” ومعهم وسيط غاني يملك رخصة التنقيب عن الذهب في المنطقة، وما هي إلى شهور قليلة حتى بدأت القرية الصغيرة والمعزولة تضج بالشاحنات الكبيرة والجرافات التي تفسح الطريق أمام المنقبين وتقتلع أشجار الكاكاو التي يعتمد عليها الأهالي لتتحول الغابة إلى مساحة كبيرة من الوحل في ظل غياب الأشجار. وبحلول شهر أكتوبر من العام الماضي كان عدد الصينيين الذين يعيشون في مخيمات مؤقتة قد فاق المئة رجل وامرأة، حسب زعيم القرية “نانا أجيا أوسو”، حيث لجأ البعض منهم إلى حمل أسلحة لحماية أنفسهم والدفاع عن الأرض التي ينقبون فيها عن الذهب. أما أهالي القرية الذين منوا النفس بالاستفادة من التنقيب على الذهب في أراضيهم دون أن يحصلوا على شيء، فقد بدأوا يشعرون بالغضب، هذا الغضب امتد أيضاً إلى السلطات الغانية التي تحركت مؤخراً ضد معسكر الصينيين، ورحلت عدداً كبيراً منهم، لا سيما الذين يعملون بطريقة غير شرعية بسبب الإغراء الذي مارسه عليهم الذهب وفرص الاغتناء السريع التي ينطوي عليها. وعن هذا الموضوع يقول “أوسو” زعيم القرية:”لقد جاءت ست شاحنات محملة بالجنود وقاموا بمطاردة الصينيين الذين يعيشون في المعسكر وأخذوا العديد منهم إلى العاصمة”، لكن عندما حاول بعض العمال الصينيين الهرب إلى الغابة والاختفاء عن الأنظار تعرض فتى يبلغ من العمر 16 عاماً إلى إطلاق النار ليسقط صريعاً، الأمر الذي تسبب في احتجاج نادر من السفارة الصينية في العاصمة الغانية أكرا التي تكتفي عادة بالترويج للعلاقات الوثيقة بين البلدين والتجارة المتنامية بينهما، والتي تجاوزت 2.3 مليار دولار في النصف الأول من عام 2012، مسجلا ارتفاعاً بنسبة 72 في المئة مقارنة بالفترة نفسها من سنة 2011. بيد أن مقتل الفتى الصيني ألقى الضوء في الحقيقة على المشاكل الاجتماعية والبيئة المتنامية للمشاريع الصغيرة التي تستثمر في التنقيب على الذهب بغانا بعدما أصبحت ثاني أكبر منتج للمعدن الثمين في أفريقيا. فلعقود طويلة كانت حقول التنقيب عن الذهب في غانا ساحة يعمل فيها عشرات الآلاف من الأهالي الذين كانوا يكدون في الأنفاق وتحت الأرض لضمان لقمة العيش، وغالباً ما يتم ذلك بطريقة غير شرعية على أرض تابعة لشركات التنقيب الكبرى، لكن مع ارتفاع أسعار الذهب عالمياً ووصوله إلى سعر 1650 دولاراً خلال أربع سنوات بدأ قطاع التنقيب يجذب العمال الصينيين والمعدات الثقيلة التي يجلبونها معهم، الأمر الذي أثر جذرياً على مشاريع التنقيب الصغيرة وحولها إلى مشاريع متوسطة. ولمعرفة حجم التطور في هذا المجال، يمكن القول إن حصة المشاريع الصغيرة في إنتاج الذهب في غانا قفزت من 25 في المئة خلال عام 2010 إلى 30 في المئة في السنة التالية، وذلك حسب الإحصاءات التي يوفرها توني أوبين، المدير التنفيذي لغرفة المناجم في غانا، ويتوقع أن يرتفع إنتاج البلد من الذهب خلال السنوات المقبلة مع انخراط مكثف لأصحاب المشاريع الصغيرة، وهو ما يوضحه أوبين قائلاً “اليوم دخلت على القطاع المعدات الثقيلة مثل الجرافات الصينية التي تستخدم في التنقيب عن النفط”. ويضيف “أوبين” أن الآلاف من الصينيين يعملون حالياً في قطاع التنقيب في غانا، ومع أن القانون لا يسمح سوى للمواطنين بالحصول على تراخيص التنقيب، إلا أن الأجانب يتوافرون على المعدات الضرورية. لكن انخراط الصينيين في عملية التنقيب لا يقتصر فقط على تزويد أصحاب رخص البحث عن الذهب من الأهالي بالمعدات الضرورية، بل يمتد حسب “ستيف ماتيو”، مدير مركز التنمية الاجتماعية المندمجة في العاصمة أكرا إلى ذهاب الغانيين أنفسهم إلى الصين بحثاً عن شركاء لهم، قائلاً : “هم يبحثون عن أناس يملكون المال بحيث يكتفون بإطلاعهم على رخصة التنقيب ثم يحثونهم على المجيء إلى غانا والاستثمار في القطاع المربح، والعديد من الصينيين الذين ينتهي بهم المطاف هنا يعتقدون أنهم يستطيعون التنقيب عن الذهب مباشرة”. وعندما قدمت الأفواج الأولى لعمال المناجم الصينيين إلى قرية “مباتاسي” جلس الشريك الغاني مع زعيم القرية، وتم الاتفاق على أنهم مقابل التنقيب في أراضي القرية سيصلحون الأرض بعد الانتهاء، وأن الأهالي سيستفيدون، وفي المرحلة الأولى أبدى زعيم القرية موافقته بعدما حصل على بعض المال مقابل استغلال الأرض التي كان يزرع فيها الكاكاو. لكن ما حصل أن تأهيل الأرض لم يحدث قط، وظلت وعود الرخاء والازدهار بالنسبة للأهالي مجرد سراب بعيد، لذا وحتى قبل تدخل السلطات قام أهالي القرية بطرد الشريك الغاني الذي جاء بالعمال الصينيين لأنه أخل بجميع وعوده. وفي تعليقه على ما جرى في القرية أكد “يو جاي”، المدير السياسي للسفارة الصينية في أكرا، أن حكومته “تريد التعاون مع غانا لحل مشاكل العمال الصينيين غير الشرعيين”، لكنه أيضاً أدان الهجوم الذي شنته السلطات الغانية على معسكر العمال ومقتل فتى صيني يبلغ من العمر 16 سنة، بيد أنه رغم مطالبة السفارة بتقديم تعويضات لمقتل الفتى، إلا أنه من غير المرجح أن تذهب بعيداً في ذلك حتى لا تضع العلاقات الاقتصادية الوثيقة مع البلد على المحك. ففي عام 2010 قدمت الصين قرضاً لغانا بقيمة ثلاثة مليارات دولار، ووقعت معها عدداً من الاتفاقيات في مجال النفط مع استفادة الشركات الصينية بأغلب عقود الاستغلال، لذا لا يُتوقع أن يتسبب التوتر الحالي في تهديد تلك المشاريع المربحة بالنسبة للصين. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©