الثلاثاء 30 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

رحلة البحث عن كنوز الأنكا

رحلة البحث عن كنوز الأنكا
5 يناير 2008 01:36
أذكر جيداً تلك الليلة، عدتُ فيها إلى الميناء عصراً ولم أجد مكاناً شاغراً في الباخرة التي ستقلُّني إلى مدينة (ليما)، حيث سأركب منها طائرة تعيدني إلى الوطن· لم أجد مكاناً شاغراً في الباخرة، وحاولتُ جاهداً أن أجد من يبيعني تذكرة سفره حتى لو اضطرني ذلك للعودة إلى مركز البلدة رديفاً على ظهر درَّاجة نارية بحثاً عن صرّاف آلي يقرضني المال علَّني أغري أحداً بالتخلِّي عن تذكرته فيبيعها لي، وليس مهماً في أي درجة، المهم عندي أن أصعد على متن الباخرة، أغادر هذه البلدة البائسة· لم تفلح محاولاتي؛ لا مع المسافرين؛ ولا مع بائعي التَّذاكر، بل ولا حتى مع البحارة والعاملين على متن الباخرة، فقط تذكرة واحدة هي ما احتاجُ إليه حتى ولو كانت بأضعاف السِّعر· انتظار جلستُ على رصيف الميناء بانتظار الباخرة التالية التي قد تصل في صباح اليوم التالي، لم يكن أمامي أي حل آخر سوى الانتظار، وهنا لابد أن تكون صبوراً في الانتظار فالوقت لا يهم كثيراً، لا يهم إن كان عندكَ مواعيد أو عندك حجز على طائرة تحتاج للحاق بها، لا تملك سوى الانتظار· مظهري بائس، لا يختلف كثيراً عن بقية الجالسين على هذا الرصيف، من باعة متجوِّلين وحمَّالين وأطفال بؤساء جاءوا مع أهاليهم وفقراء بانتظار حسنة من المسافرين وعابري السبيل، ولا يأتي إلى هذا المكان سياح أو أجانب كثيرون، لكن الحياة في الموانئ تكون ميسورة مقارنة بالقرى المنتشرة في الغابات والمرتفعات· نصحني أحدهم بأن أحجز غرفة للمبيت قبل أن تمتلئ هي الأخرى بالمسافرين الذين عليهم قضاء الليلة في هذه البلدة البائسة· ودلَّني على نُزل لا يبعدُ كثيراً عن رصيف الميناء ناصحاً بأنه من الأفضل المبيت هنا، فلا شيء يمكن أن تجده في مركز البلدة ولا تجده هنا، لكنكَّ هنا ستوفر قيمة انتقالك من وإلى المركز· وهكذا وجدتُ سيدة عجوزاً تدير نزلاً صغيراً مكوَّناً من ثلاث أو أربع غرف في الطابق العلوي من منزلها الذي قسمته فجعلت من الطابق الأرضي مطعماً شعبياً يطل بواجهته الواسعة على الشارع، وخصصت قسماً آخر لسكنها هي وزوجها والطابق العلوي جعلته برسم الإيجار لعابري السبيل والمسافرين من الميناء الذي لا يبعد عن نزلها سوى عدة أمتار·· ربما كانت الساعة السادسة مساء عندما صعدتُ إلى الغرفة لاستكشفها فوجدت سريراً متنقلاً في الشرفة المطلة على الشارع الرئيسي، رميت بجسدي المنهك عليه، وغرقت في نوم عميق في الهواء الطلق أيقظني منه في وقت ما صوت موسيقى صاخبة كان يحدثها حفل ارتجالي في الشارع وفي المطعم في الطابق الأرضي·· لم أعر الموسيقى الصاخبة أي اهتمام، ولم أعدل في نومتي الهانئة على السرير العاري إلا من قماشة كتانية خضراء هي جسده· لم أعرف سبب الموسيقى لكن الناس هنا يحتفلون كل ليلة ويعزفون ويرقصون السامبا واللمبادا، إنهم يعيشون حياة سعيدة خالية من الهموم حتى لو كان الفقر يحاصرهم وينهكهم ركضهم اليومي وتسابقهم على كسب القوت اليومي· الناس هنا يسترزقون من وراء أعمالهم في الميناء أو تقديم خدماتهم للمسافرين أو بيع بعض المنتجات أو الأغذية المعدة في المنزل للمسافرين الجائعين الذي قضوا يومهم في السَّفر من مناطقهم البعيدة إلى هذا الميناء الصغير نسبياً· أسئلة اسم الميناء لم يعن لي شيئاً كثيراً، ولم أتذكره فقد كنت حانقاً ومرهقاً من الطريق الذي كنت أسافر فيه طوال الصباح، خمس أو ست ساعات قضيتها ذلك الصباح في حافلة صغيرة بائسة تراصى فيها الركاب لتقطع كل هذه الغابات وكل هذه الجبال والمرتفعات لتصل إلى هذا الميناء البائس، لكنها البوابة الوحيدة إلى العالم الخارجي، ماذا أتى بي إلى هنا حيث لم يسمع أحد من قبل بعربي أو غريب؟ ماذا يمكن أن اثبت لنفسي أو ماذا يمكن أن استكشف؟ أعرف أنني لن أعثر على كنوز حضارة الأنكا ولا جيرانهم الأزتيك بل إنني لم أتمكن حتى من الوصول من هنا إلى شعوب نهر الأمازون· عندما أوقف الشرطي حافلتنا الصغيرة المكتظة بالركاب في نقطة التفتيش وطلب جواز سفري، كنت أنا الشخص الغريب الوحيد في هذا المكان، بقية الركاب من المواطنين البسطاء، سألني إن كنت أميركياً على الرغم من أن جواز سفري بيده، ذلك أنه فتح على صفحة أُلصقت بها تأشيرة الدخول إلى الولايات المتحدة الأميركية، وطبعاً حار من أين أكون فلم يسمع قط بدولة الإمارات العربية المتحدة، ولم ألمه فهو يقضي طوال يومه في هذه النقطة وفي هذه الغابة التي تحيط بها غابات ومرتفعات أخرى·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©