الثلاثاء 30 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

أسماء الفهد: «تيهٌ بحجم اشتياقي لموتٍ يبعثني حَيّا»

أسماء الفهد: «تيهٌ بحجم اشتياقي لموتٍ يبعثني حَيّا»
23 يوليو 2014 02:56
تقول الشاعرة أسماء الفهد في قصيدتها «ركام الانطفاء»: «تيهٌ بحجم اشتياقي لموتٍ، يبعثني حَيّا»، قبل أن تغادرنا في 11 نوفمبر 2011 في حادث سير أليم تاركة خلفها كتاباً شعرياً واحداً هو «ترتيل لوجه الوطن» الذي جمعت فيه أغلب قصائدها لترى النور بعد سنوات من المعاناة مع الحرف والقصيدة بكل أشكالها، والحياة بكل دروبها وشعابها وذراها ووهادها. لم تكن أسماء الفهد تنتظر كتابها، بل كانت تنتظر موتها في نفس الساعة التي أصدرت فيها مجموعتها الشعرية البكر التي جاءت لتلخص تجربتها الشعرية التي خاضتها بعشق للحرف، وخوف من الوجود وحب للوطن والأهل والقصيدة، وبهجة عابرة للزمن في الوقت الذي تتالى فيه المآسي في عالم اليوم الذي أصبح مسكوناً بروائح دم عربي قان في كثير من جغرافية المنطقة العربية التي باتت اليوم أكثر انقساماً وأقل وحدة. تحلم الشاعرة بأرض ممتدة بلا حدود، وبغناء لا يتوقف عن النشيد، لذلك تهب حرفها لهذا الامتداد علها تحقق في برور الحلم، لكن لا حياة لمن تنادي، فالصمت الجاثم بين جوانحها يدعوها إلى أن تطلق صيحة السؤال العميق: «هل أنا صمت فانتهي أو أنتم غناء يتساقط تحت غيماتي؟» وتبحث الشاعرة في قرارة نفسها عن ريح تهبها فسحة في الفضاءات الرحبة، لكن الرغبة في الرحيل كانت المهيمنة على نفسية وحالة الشاعرة، التي لم تجد صدى لرجعها، فتنشد: «ناديت من خلف قافيتي يا أسياد الشمس هل غدوتم وميضاً في سفر مجراتي كتبتُ في صحائف الوداع رغبتي ونسجتُ من خيوط الروح مشهد احتضاراتي» كأنها كانت تعد صحائفها الأخيرة قبل الرحيل، وربما كانت تستشعر ذلك في قرارة نفسها، ولذلك كانت تراتيلها الأخيرة حالة احتضار المعنى في سياق الدلالة، وانتصار الحرف في معركته مع البياض العابر لنفسها المبتهجة بالمولود الأول البكر الذي ليس قبله ولا بعده في حالة أسماء الفهد. أحبت أسماء الفهد الوطن فغنت لأجله، إذ أنشدت أجمل القصائد وهو ما تجلى في ديوانها الوحيد وفي عدد من قصائدها المنشورة هنا وهناك في الصحف، والمبثوثة في البرامج التلفزية، وهي التي وصلت إلى مراحل متقدمة من المسابقة الشعرية الأهم (شاعر المليون)، كما كان لها مشاركات مختلفة في أمسيات متعددة داخل الإمارات وخارجها: «يجيء حبك يا وطني طفلاً يفتش أروقة القصيدة ويسكن الحرفُ كأنهُ مجرات ونجم وليد» هكذا علقت بمضغة الوجود سنبلتها ومضت تزرع موتها في حقل أبياتها، وتنثر أريج قصائدها في الساحة الشعرية، إلا أنها ودعتنا يوم اشتد عودها بعد أن زرعت في الصحراء شجرة مكتوبة بأحرف بارزة على جدار الزمن الذي يتقن لعبة الإسراف في السرعة، ويمضي دون أن يستشيرنا أو يأخذ رأينا، إنها لعبة الزمن التي لا نقدر جميعاً على فك رموزها وطلاسمها، ولا نستطيع إلا أن نخر أمامها ساجدين مطيعين، فالحياة والموت أمر لا نتدخل فيه قيد أنملة ولا نحرك ساكناً أمامهما باعتبار أنهما مما يخرج من إطار فعلنا في الوجود. أحبت أسماء الفهد كل من حولها بصدق وعمق، ولم تكن تتصور يوم الحادي عشر من نوفمبر 2011، وهي تركب سيارتها في اتجاه الجامعة لتعود بابنتها من هناك، أنها ستودع الحياة وأن ذلك المشوار سيكون الأخير الذي لا عودة بعده. .
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©