الثلاثاء 30 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الشراء «بالتقسيط» يلتهم رواتب المصريين والبيع يتم بـ «كلمة شرف»

الشراء «بالتقسيط» يلتهم رواتب المصريين والبيع يتم بـ «كلمة شرف»
2 يناير 2011 21:14
غزت المجتمع المصري خلال العقد الأخير ظاهرة “التقسيط” التي تعد الحل السحري لتوفير كل ما تشتهيه الأنفس من مستلزمات الحياة سواء كان أصحابها فوق خط الفقر أو تحته بقليل، فبات من المألوف يوميا أن تسمع وتشاهد عبارات إعلانية في كل مكان من نوعية “لا تفوت الفرصة بالتقسيط المريح، كافة الأجهزة الكهربائية والسيارات” و”أقوى عروض التقسيط، نفرش شقتك من الإبرة إلى الصاروخ”، ووصل الأمر إلى درجة تقديم البنوك المصرية قروضا بتيسيرات كبيرة لشراء سيارة جديدة أو مسكن. وأكدت دار الإفتاء المصرية مشروعية الحج والعمرة بالتقسيط وكذلك الزواج بالتقسيط تيسيرا على الشباب. ضمانات مصرفية نسبة كبيرة من الأقساط يتم تحصيلها على مدار 24 أو 36 شهرا وبلا أي ضمانات مصرفية ويعتمد الكثير منها على تحرير ما يسمى الكمبيالات أو “إيصالات الأمانة” وفي بعض المناطق الشعبية يتم الاتفاق بأسلوب “الجنتلمان” أو كلمة الشرف بين البائع والمشتري، كما يسعى الطرفان لإيجاد حلول عبر الأهل والأصدقاء في حال تعثر المشتري في السداد من دون الحاجة إلى الشرطة. وللشراء بالتقسيط مواسم وفصول تنشط خلالها سلعة على حساب أخرى؛ كما يقول أحمد الشيخ، صاحب محل لبيع الأجهزة الكهربائية. ويرى أن الطلب يزداد في فصل الصيف إلى جانب الأعياد حيث تكثر الأفراح ويرغب كل عروسين في استيفاء ما يحتاجان إليه من أجهزة كهربائية. ويقول إنه كان حتى العام الماضي يرفض التقسيط ويراه تعطيلا لدورة رأس المال إلا أن تراجع حجم مبيعات المحل في ظل ارتفاع الأسعار دفعه إلى القبول بمبدأ التقسيط مع أخذ الضمانات اللازمة لتحصيل ثمن البضاعة مع هامش الربح. ويضيف “يتم ذلك بالتراضي مع الزبون الذي يوقع على شيك بإجمالي المبلغ المستحق إلى جانب إيصالات أمانة بعدد الشهور التي يتم تقسيط المبلغ فيها”. ويؤكد أنه في أوقات كثيرة يتحمل تأخر بعض الزبائن عن السداد لأكثر من شهر ويقبل طواعية بأعذار شتى تجنبا لسمعة سيئة قد تلحق به بأنه يسجن من يتأخر في السداد مما يؤدي إلى ابتعاد الزبائن عن التعامل معه. تقليد عصري كما اتخذ البعض “التقسيط” مهنة له في تقليد عصري لمهنة الدلالة التي كانت شائعة في الماضي بالأحياء الشعبية إذ تنتشر في قرى مصر ظاهرة قيام إحدى السيدات بشراء الأجهزة الكهربائية والملابس النسائية والأدوات المنزلية بالتقسيط من المتاجر الكبرى لتبيعها للمعارف والجيران بنظام التقسيط المريح الذي تضع قواعده بنفسها لضمان هامش ربح. وتقول ماجدة عثمان “بعد وفاة زوجي بعت مصوغاتي الذهبية بمبلغ خمسة آلاف جنيه هي كل رأس المال الذي بدأت العمل به في مجال الأدوات الكهربائية وملابس النساء والأطفال من داخل بيتي، حيث أدون كل ما يحتاج إليه أهل الحي من مستلزمات لا يقدرون على دفع مقدم أقساطها واشتريها من المحال الكبرى بالتقسيط على فترة زمنية اقل وأبيعها لهم على ثلاثة أعوام بهامش ربح بسيط يعينني على تربية أبنائي الخمسة”. وليد عبدربه حكايته نموذج حي لهوس المصريين بالتقسيط كوسيلة فعالة لمواجهة احتياجات الحياة، فمع تسلم وليد لراتبه الأول 600 جنيه من عمله محاسب بإحدى الشركات الخاصة، اتجه على الفور لاقتناء هاتف محمول جديد بكاميرا فيديو وجهاز كمبيوتر حديث وعدد من أطقم الملابس الفاخرة، ووقع عشرات الكمبيالات ومضى بعدها ليعيش في ضائقة مالية لا يتوقع أن تزول في المستقبل القريب إلا أنه على حد قوله “بات ينعم مثل غيره من الشباب الميسورين بمعظم مباهج الحياة”. ويقول “ليس مهما عدد الأقساط التي على سدادها، المهم أنني أعيش اللحظة واخطط فور انتهاء تلك الأقساط لأن اشتري سيارة بالتقسيط”. أمل السداد يقول شريف عبدالمقصود، مدرس تربية رياضية، “بعدما طالت فترة الخطبة ثلاث سنوات بزوجتي الحالية منال 32 سنة نتيجة تعثري في شراء مستلزمات مسكن الزوجية لجأت إلى التقسيط ولتدبير المال اللازم للسداد مطلع كل شهر اضطررت إلى العمل في فترة ما بعد الظهر، رجل أمن بإحدى الشركات حتى منتصف الليل وأعود منهكا وأنام بضع ساعات اذهب بعدها في الصباح لعملي بالمدرسة”. وبمرور الوقت بات شريف يمني نفسه باليوم الذي ينام ويصحو فيه ليجد نفسه حرا طليقا من دون أن يخشى أن يتقدم دائن بكمبيالة أو إيصال أمانة للقضاء مطالبا بسجنه بدعوى عجزه عن دفع ما عليه، الأمر الذي بات يشعره بالاختناق والرعب كلما تخيل حدوثه ومع توالي مقدرته على السداد يشعر شريف بالراحة لأنه لم يدخل السجن كزميله في العمل خالد الذي تراكمت علية أقساط الأجهزة الكهربائية والأثاث للدرجة التي عجز معها عن السداد مما دفع بالدائنين إلى مقاضاته فحكم عليه بالسجن ثلاث سنوات. وهناك تجربة رباب طه سكرتيرة بإحدى الشركات الاستثمارية التي لجأت إلى التقسيط لتحقيق حلم عمرها في شراء سيارة ترحمها من عذاب التاكسيات والتنقل في المواصلات العامة يوميا. وحسب قولها فإنها دفعت أكثر من 50 في المئة من راتبها الشهري طوال 7 سنوات مضت ويتبقى عليها ثلاث سنوات أخرى لتنتهي من جملة الأقساط الشهرية على السيارة. وتؤكد أنها صارت من مدمني التقسيط فغالبية احتياجات الحياة من أثاث وملابس تشتريها بالتقسيط.
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©