الأربعاء 1 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

صوتي الداخلي

صوتي الداخلي
26 يوليو 2014 00:15
بين الجَلَبة التي تغزو المسامع، والصخب المنبعث من ذبذباتٍ وتردداتٍ تجتاح العالم، يكاد يغيب صوت؛ صوت غامض، رقراق وبراق، هادئ وصارم، صوت يأتي من الداخل، من أحراش قصية، أحراش عالقةٍ بين نمرة الشهوة الشرهة، وجبال المثل العليا، صوت يفضح الذات ويعرّيها، هو صمت الحكمة. كلّما عصفت بي ثرثرات الأحداث، أقف أمام مرآة خلوتي، أركّز على بؤبؤ انعكاسي؛ لأستجلب ذلك الكائن الحكيم الرابض في قرارة النفس، أناديه؛ فيسألني: من أنت؟ ماذا تريد؟ وماذا بك يُراد؟. أضطرب  لسؤالاته، وأمتلئ بالحيرة، أشعر لحظتئذٍ بضياع فادح، ثم أتوسل إليه ليرشدني إليّ؛ فيوحي لي بقطيع من الكلمات الغامضة، والإيقاع المتوحش؛ حتى أدخل فيما يشبه غيبوبة التنزّل، وحين أصحو، أرى ذاتي قد تكثفت على الورق، وتقمّصها الحبر. . . ها قد وُلدتْ قصيدة. إنّ صوتي الداخلي هو الشعر، وأنا أبداً أتبعه، أتبعه إلى ما وراء المعنى. 2 بعد أن تستمع إليها، إلى أين تذهب الأغنية؟ - ربما تذوب في قهوتك الصباحية لتدغدغ دمك. . - ربما تفتح لك مصراعا للحزن، ومصراعا للأمل. . - ربما توقظ فكرة نائمة في جرة رأسك. . - ربما تعود من حيث أتت حاملة معها شيئا من روحك. . الأغنية تأتي إليك وتذهب بك، لا يهمّ إلى أين. . فقط  اجعلها تأخذك، اجعلها تأخذك وإيّاك أن تأخذ منها غير الموسيقا. . فالموسيقا- وحدها- لا تكذب. . الموسيقا لا تكذب. . الموسيقا لا تكذب. 3 «أقف أمام المرآة عارياً تماماً» أم «يقف أمام المرآة عارياً تماماً»؟ هذا سيعتمد على الصورة التي تريد للقارئ أن يرسمها في ذهنه أو (يرسمها ذهنُه)، فقد يخيّلها له كيف ما يُحب، أو كما يبتذل، فيرى جسده أو يرى جسداً آخر (وربما لا يكون مصاباً أصلاً بعقدة الحب أو الابتذال). وهل تحتاج العبارة التي ستختارها إلى «تماماً»؟ ألا تكفي «عارياً» فحسب لرسم الصورة؟ لكنك من جهة أخرى إن تركتها أعني لم تبتر كلمة «تماماً» من جسد العبارة ستضاعف العري، أليس هذا ما تريد؟ ثمّ إنّ قولك. . . (هو ليس مقولاً بل مكتوباً)، طيّب، ثمّ إنّ عبارة. . . (ولا تقل لي جملة، بل عبارة، ولا تسألني لماذا أو سأجيبك/ أردّ عليك: اخترت «عبارة» اعتباطاً، أليست العشوائية جزءاً منّا، ومن اللغة (التي هي منّا)، هي اعتباطية مهما احتلنا أو تحايلنا بالمعاني والدلالات لنميّز أو نفرّق بين لفظ ولفظ، ولو أنك أجملت المعنى وجمّلته لصار «جملة» بيد أنك تعبّر عن معنى عابر وتلك «عبارة». ثمّ إنّ عبارة «أقف أمام المرآة. . . » تجعلك تركّز على انعكاسك/ صورتك في المرآة، وتكون أنت الرائي. أمّا «يقف أمام المرآة. . . » تجعل اللقطة/ اللوحة/ المشهد أوسع، حيث ترى جسد ضمير الغائب واقفاً أمام مرآةٍ تعكس صورته، فهو والمرآة يصبحان في مجال بصرك. «أقفُ أمام المرآة عارياً تماماً، أشاهد تفاصيل جسدي» لماذا عليك أن تختار الفعل «أشاهد» من حزمة الأفعال التي تتزاحم عليك: «أتأمل»، «ألمح»، «أبصر»، «أراقب»، «أنظر إلى»، «أحدّق في». . . ؟ نعم، عليك أن تنتقي فعلك بحذر لكي لا تخلط بين الأفعال البصرية وبصيرة الأفعال، فقد ينظر من لا يرى، وقد يُبصر من لا عين له. (ولا يجعلك حمقك تظنّ أنّ «من لا عين له» قد يبصر بالعين الأخرى، إنّما يبصر بالعين الأخرى «من ليس له عين»، لا «من لا عين له» وشتّان بينهما) وإذا ذهبت نفسك إلى: زجاج المرآة، وطين الجسد، وجارحة العين، طفا المعنى، وذهب جفاء. . . ِ   *شاعر من سلطنة عمان
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©