الثلاثاء 30 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

غادة الشيخ: النفس البشرية سرداب تصعب إضاءته

غادة الشيخ: النفس البشرية سرداب تصعب إضاءته
9 أكتوبر 2010 20:32
كثرت في الآونة الأخيرة الشكوى من الزوج العصبي، وبحكم عملي استشارية أسرية، تمر علي حالات وصلت إلى حافة الطلاق من كثرة انفعالات الزوج وعصبيته على أتفه الأمور مما جعل من جو المنزل مكاناً لا تجد الزوجة أو الأولاد زاوية للراحة في ظل الأب المتوتر المشحون دائماً بحجة أن العمل مشاكله كثيرة.. فالرجل في ذروة عصبيته قد يفقد السيطرة ويقوم بتطليق زوجته في أقل من ثانية، ونجد أن منزلا قد هدم وأسرة تم تشريدها بلا سبب، وبعد ذلك يبدأ الندم بعد فوات الأوان، وأذكر حالة من الحالات حيث أتت زوجة تشتكي من أن زوجها قد طلقها مؤخرا في لحظه غضب، هذا الزوج يثور لأتفه الأسباب، وذكرت أن محاولات للصلح بينهم جارية، ولكنها خائفة من الرجوع إليه مرة أخرى، وهناك حالات تعصف بالأسرة وتدفع بها إلى حافة الهاوية، وهناك بعض المؤشرات لغضب الزوج، حيث نجد أنه أن ملامحه بدأت تتغير، ثم نبرة الصوت ونظرات العين حتى الإيماءات بالأيدي، وقد يتطور الأمر لاستخدام الأيدي والضرب، ومن هنا لابد للزوجة من أن تدرك أن الزوج بدأ يخرج عن سيطرته على نفسه، وأن تتدارك الوضع ولا تزيد الأمر سوءاً، هذا ما تقوله، وتؤكد عليه، الدكتورة غادة الشيخ، استشارية اجتماعية وأسرية بمركز التميز، حيث تتحدث عن الزوج الغاضب وسماته، وطرق علاجه ومسببات ذلك. تقول غادة الشيخ: الزوجة هي أول الناس الذين يملكون حل شيفرات الزوج، وعليها أن تعلم متى وكيف تتعامل معه، لذلك لابد أن تتجنب أن تثيره أو تقحمه في مشاكل بمجرد دخوله إلي المنزل أو لا توفر له الراحة، فعلى الزوجة الذكية عند اندلاع موجه الغضب، العمل على تهدئة الجو حتى تمر العاصفة بسلام ثم تجلس وتتحدث مع زوجها بهدوء ومودة فلحظات الهدوء هي أنسب وقت لكي تتواصلي مع زوجك. فالرجل بداخله طفل فخاطبي الطفل الذي بداخله واجعليه يهدأ ليلبي كل مطالبك وهو راض، وهمسة في أذن كل زوجة تعاني من عصبية زوجها لابد من امتلاك 3 مهارات فإذا استغللتها امتلكت راحة البال وهي: ماذا أقول؟ وكيف أقول؟ ومتي أقول؟ فهذه المهارات الثلاث سوف تجنبك الكثير والكثير من المشاحنات والصدمات التي تعصف بالحياة الزوجية، وتتحدث غادة عن المسببات التي تفرز زوجا غاضبا . وتقول: كما يقول أغلب المطورين والاختصاصيين النفسيين إن الغضب نزعة بعيدا أن تكون ناتجة عن وراثة جينية، بل تبقى تركيبة نفسية مكتسبة يفرزها العقل الباطن. النفس البشرية تتابع غادة الشيخ في شرح النفس البشرية: أعمل في هذا المجال لمدة فاقت 21، وأقول دائما أنه يصعب الغوص في النفس البشرية لعمقها، وأشبهها بالسرداب الذي مهما أضأناه يظل مظلما ولا نرى في هذا الضوء إلا بصيصا في مكان ما من زواياه، وبالتالي فأصعب شيء هو علاج النفس البشرية، ومهما حاولنا فك رموزها وشيفراتها تظل عصية على إدراك كل شيء فيها، ومن خلال حديثنا مع أي إنسان فإننا نكاد ندرك أو نكتشف أن ما يظهر ماهو إلا القشور فقط. وتضيف غادة في نفس السياق: إن العلم أدرك حقائق كثيرة اليوم عن النفس البشرية، إذ تأكد أن المخلفات النفسية وتركيبتها تبدأ عندما يكون الجنين في بطن أمه، وأسوق لكم قصة فتاة تبلغ من العمر 18 سنة، كرهها لأبيها لفت انتباه المقربين لها، رغم أن والدها لم يتسبب لها في أي ضرر ظاهري، حتى أنها لا تدرك هي نفسها السبب، هذه الفتاة عرضت نفسها للعلاج، وتم علاجها بخط الزمن، اكتشف المختصون أنها وهي جنين في بطن أمها تعرضت والدتها لضرب من زوجها على بطنها في ناحية وجه الجنين نفسها، وهكذا ظلت تخزن ذلك في العقل الباطن، فأي شيء يتعرض له الجنين من صراخ وانفعالات الأم تنقل وتؤثر مباشرة في عمق تكوين النفس البشرية. هكذا تتخزن الأشياء في العقل الباطن وتنعكس على واقعنا كلما استدعى الأمر ذلك، فالعقل الباطن يشبه الغرفة التي تحتوي على أشياء قديمة قد ننساها مع مرور الوقت، وحين نرجع لها نكتشف أشياء أنساها لنا الزمن، هكذا هو الطفل فإنه يخزن أشياء لا يمكن أن نتصورها، وتضيف غادة: هذه قصة واقعية أخرى حصلت معي تعبر عن تخزين العقل الباطن لأشياء تؤثر على مسيرة الفرد في حياته كلها، هكذا ولدت ابني الصغير الذي كان بينه وبين أخوه فارق عمري 13 سنة، وهو اليوم يبلغ من العمر 4 سنوات، كانت لولادته ظروف خاصة، حيث بعدما ظهر للدنيا لم أره إلا بعد أربع ساعات، وحين جاءت به الممرضة إلى حضني، لم أكد أرى ملامحه حتى أخذته من جديد، ظلت روحي وروحه متعلقتين ببعض، أخذوه إلى الحاضنة لأنه كان يعاني من هبوط في السكري، ظل على أثر ذلك في الحاضنة مدة 3 أيام، وفي كل مرة أذهب لأرضعه، لا يرضع أبدا، وبعد ذلك أصبح لا يريد مفارقتي أبدا، وإلى اليوم يجب أن ينام بقربي، وآخذه بنفسي للمدرسة وحضرت أول يومه فيها، أحدثه دائما على أنني أحبه، وأنني لن أفارقه أبدا، أحاول أن أمحو هذه الذكرى السيئة من عقله الباطني. العصبية مكتسبة تتحدث غادة عن الغضب فتقول: أكد معظم العلماء أن صفة الغضب ليست موروثة، بل هي صفة مكتسبة، كما أنها يمكن أن تكون صفة يكتسبها الشخص الذي ينحدر من عائلة توصف بالعصبية، أو بها أناس عصبيون، وهناك مكتسبات من الصغر، فالطفل يولد بذكاء فطري خارق، لكن يبدأ بالتراجع بعد السن السادسة، هذا الذكاء يجعل بعض الأطفال يدركون أن أهلهم يلبون رغباتهم في كل الظروف، وطلباتهم مستجابة. ويصبح الطفل يستعمل بعض الوسائل لتلبية رغباته كالبكاء والعصبية، هذه السمات ترافق الطفل، خاصة إذا تم تدعيمها بترديد الأهل على مسامع الطفل أنه عصبي حينها تغرس هذه الكلمة في عقله الباطن، وإحساسه بأنه نجم البيت يجعله يزيد من حدة هذه العصبية، هذه كلها معطيات تجعل الصغير يشب على العصبية، ويمكن تغيير هذا السلوك أو استدراكه بالقول له إنك طفل هادئ، طفل عاقل، لأن إيحاء الكلمة يعالج، والإيجابية في الحديث تغير السلوك، ونحقق بذلك ردة فعل عكسية ونرسخ هذه السمة في شخصية الطفل. الاعتراف بداية العلاج غالبا ما تحجم الناس عن الاعتراف بذكر عيوبها، فتظل تعاني، بل تتخبط في نفس المشكلة مدى الحياة، لكن بداية العلاج هو بداية البوح للنفس وللاختصاصيين بما تعاني منه هذه النفس من مشاكل، هكذا تقول غادة الشيخ أن بداية العلاج هو اعتراف الفرد بأنه يعاني مشاكل، وتضيف في هذا الإطار: حين نستقبل أحدهم عندنا في المركز، ويعترف مثلاً أنه زوج عصبي وغاضب فهنا تبدأ المشكلة في الحل، هنا نحاول ما أفسده الدهر، بحيث يستدعي ذلك جلسات كثيرة حتى نستطيع الوصول لعمقه، ويجب أن تتحقق الإرادة في زائرنا والرغبة في العلاج، هذا الأمر يجعله يستجيب بسرعة، وقد يدوم ذلك شهراً أو شهرين حسب استجابته. وتضيف غادة أن النظرة للاختصاصيين النفسيين قد تغيرت منذ سنة 2003، هكذا تقول: بمجرد أن انتشر مفهوم التنمية البشرية ومراكز تطوير الذات بمطلع 2003 تغير منظور الناس لهذا المجال النفسي، وبدأوا يدركون أن العلاج هو عبارة عن برامج وجلسات وليس عقاقير وأدوية أو أمراض نفسية، وكانت خطوة في صالح النفس البشرية وفي اتجاه إصلاح بعض المشاكل الاجتماعية، أما الحالات التي نستقبلها فيما يخص الزوج الغاضب، فنجد مثلا زوجاً عانى من قسوة الأب، ويعيد ممارسة نفس السلطة التي مورست عليه في الصغر في بيته ومع أولاده، وبالتالي يعيد استهلاك ما تلقاه في صباه الأول، دون أن يعي ذلك ويدركه. علاج الغضب تقترح غادة الشيخ في هذه السطور طرق علاج تراها مجدية جدا في بعض حالات غضب الزوج، ومنها تذكر: أول نقطة يجب أن يقوم بها الغاضب حين يتعرض لبعض المواقف التي تغضبه هو تمرين الاسترخاء، أي أن يسترخي ويتنفس تنفسا عميقا، وهناك طريقة صحيحة وهي أن يأخذ نفسا عميقا ويأخذ كمية أوكسجين، ويلفظ ثاني أوكسجين الكربون لأن هذا الأخير يعمل على أكسدة الدم، والظلام الذي يسود العين خلال الغضب يجعل الزوج غير قادر في التحكم في أعصابه، وحسب التجربة فإن كثيرا من حالات الطلاق تقع عندما يكون الزوج غاضبا، ويجب أن يكون الغاضب في حالة استرخاء وجالسا في وضعية مريحة ويجب أن يستغرق الشهيق مدة 5 ثوان والزفير يجب أن تكون مدته أطول على أن يعيد هذه العملية أكثر من 4 مرات متتالية بشرط أن لا يكون ضغطه منخفضا، بحيث يجب التقليل من عدد التمرين في هذه الحالة. بعد هذه العملية يجب أن يغمض الغاضب عينيه، لأن إغماض العين ينزل موجة الدماغ إلى موجة ألفا، وهي موجة الهدوء والاسترخاء، وهكذا وهو في وضعية مريحة يجب أن يحدث نفسه ويعطيها إيحاءات إيجابية من قبيل أنت تفكر قبل أن تتصرف، أنت إنسان هادئ، أنت إنسان متحكم في أعصابه، وغيره من الأشياء الإيجابية.. ويجب أن يدوم التمرين نصف ساعة، ويجب أن يكون ذلك تحت إضاءة خافتة، ويجب أن يتكرر ذلك حتى تصير سمة من سماته، ويلحظ المتمرن التغيير بمرور الوقت وحسب رغبته وإرادته في التغيير.
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©