الثلاثاء 30 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

خالد أمين: علينا الخروج من الجلد الميت

خالد أمين: علينا الخروج من الجلد الميت
22 يناير 2014 21:25
المتعة الجمالية التي يحملها حوار مع الأكاديمي والباحث والمسرحي الدكتور خالد قاسم أمين تبدأ ولا تنتهي.. ثمة إغواءات معرفية تمارس سلطتها عليك، تأخذك أكثر إلى أعماقه، تسحبك إلى حقول من العطاء الفكري المتنوع، والمتنور أيضاً... لكن المتعة الإنسانية التي تتحصل عليها من لحظات مجالسته هي الأبهى، فالرجل رغم غنائه وثرائه الفكري يحمل ميراثاً من الثراء الإنساني يظهر في ثنايا حديثه كلها. وفي هذا الحوار الذي خصّ به “الاتحاد الثقافي”، في أول مرة يتحدث فيها إلى صحيفة إماراتية، كما قال، يفتح ضيفنا فضاءات الكلام والبوح الجميل، على كل ما يؤرق وجدان المثقف العربي. فضلاً عن إشكالات البحث في المسرح وفن الفرجة، والنقد، ومضمون ورقته البحثية الموسومة بـ “المسرح والهويات الهاربة.. نحو تمثيل أفضل لأشكال المثاقفة المسرحية” التي قدمها في الملتقى الفكري المصاحب لمهرجان المسرح العربي الذي اختتم مؤخراً، وعلى هامشه جرى هذا الحوار: الحديث مع الدكتور خالد أمين رئيس المركز الدّولي لدراسات الفرجة بالمغرب، حديث شائك، ومتشعب وذو شجون، فلا تعرف من أين تبدأ معه. في الجانب الأكاديمي، هو أستاذ التعليم العالي بكلية الآداب والعلوم الإنسانية التابعة لجامعة عبدالمالك السعدي بتطوان، تخصص أدب مقارن ودراسات الفرجة. وعلى صعيد ثقافة المسرح، هو مؤسس ورئيس المركز الدولي لدراسات الفرجة، وعضو الهيئة العلمية للمعهد الدولي لتناسج ثقافات الأداء التابع لجامعة برلين بألمانيا، وعضو المكتب التنفيذي للفيدرالية الدولية للبحث المسرحي، وله في هذا المجال مجموعة كبيرة من الكتب والدراسات والبحوث، كما يعتبر من أنشط الباحثين في المسرح والدراما في العالم، وقدّم أبحاثا ومحاضرات في كبريات الجامعات والمنتديات الأوروبية، ويعود له الفضل في نقل المسرح المغربي المعاصر إلى العالم الأنكلوسكسوني، من خلال تراجم ومنشورات ومشاركات في مناظرات علمية في مختلف أنحاء العالم. وعلى الصعيد الثقافي والإنساني، فهو يملك ثقافة واسعة، على صعيد المشهد الثقافي العربي والدولي، كما أنه يتمتع بشخصية خلاّقة، وتواضع جمّ، يدفعك إلى فضول زائد كي تستخرج منه كل المعلومات التي تفيد القارئ أولا، والتي تعكس صورة نموذجية عن إخلاص المثقف العربي الحقيقي للثقافة الجادة الملتزمة، ثقافة الحوار الشفّاف، لا ثقافة الصدام، كما يرى الدكتور خالد، بل ويطالب بشدّة أن نتخلى عن الخطاب الصدامي في ثقافتنا العربية، وأن نتجه إلى الآخر بروح القبول والمعايشة والتعايش والتفاهم، ضمن ما يمكن تسميته بـ (حوار الحضارات – الثقافات)... ولذلك كان المهرجان فاتحة الكلام. متفرّد.. غير مسيّس ? ما هي الصورة التي تشكّلت لديك عن مهرجان المسرح العربي في نسخته السادسة في الشارقة؟ ?? في الواقع أن هذا المهرجان مناسبة للتأمل في قضايا وأسئلة كثيرة، فهو في المنظور ملتقى ثقافي سنوي، متميز، تلتئم فيه التجارب المسرحية والنقدية العربية، ليشكل مناسبة وفيرة الحظ للتلاقح الثقافي الغائب، ويحقق حوار التجارب بين رجالات وخبراء المسرح في الوطن العربي. أنا سعيد جدا بوجودي في هذه النسخة بالذات من الحدث، كرئيس للجنة التحكيم، وضيف مشارك في الملتقى الفكري – المسرح والهويات الثقافية. ولا أخفي عليك أنني في العادة مقلّ في حضوري للمهرجانات والاحتفاليات الثقافية والمسرحية، نظرا لانشغالي الدائم، فوقتي محدود جدا، لكنني أعلم تماما خاصية هذا المهرجان وتفرّده عن بقية المهرجانات العربية، إن لم يكن أهمها، فهو أولًا يستقطب عروضاً مسرحية قوية وجادّة، على مستوى الفكر والمضمون وتكنيكات المسرح المعاصر، مثل مسرحية (ريتشارد الثالث – تونس) التي حصدت جائزة صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي لأفضل عرض مسرحي عربي لعام 2013، كما أن هذا المهرجان مناسبة مهمة للباحث المسرحي للاطلاع على الجديد في الساحة الثقافية والمسرحية العربية، وبطبيعة الحال الاقتراب أكثر من الحراك المسرحي العربي من المحيط إلى الخليج، ومناسبة لحضور النقد المسرحي العلمي الموضوعي، وحوار التجارب، والبحث في هوية المسرح العربي وإشكالياته، ودراسة القضايا النقدية العالقة، باختصار هو تظاهرة فكرية (غير مسيسة)، ومناسبة لتأمل موقع المسرح الإماراتي من المسرح العربي، ضمن السياق العالمي. هويات هاربة ? شاركتم في الملتقى الفكري بدراسة فارقة، لفتت إليها أنظار الباحثين والنقاد، ركّزت فيها على المسرح والهويات الهاربة، لماذا مثل هذا العنوان؟ ?? قد تبدو عبارة الهويات الهاربة صادمة للبعض، ولكن حينما نمعن النظر في مفهوم الهوية نجدها تفتقد إلى مركز ثابت رغم إصرارها المستمر على التشبث بالحضور، بالإضافة إلى تموقعها في فضاء تخومي بيني، يراوح عموما بين الأنا والآخر، وما الهوية إلا نموذج مثالي للأشكال الهاربة والمهاجرة والسريعة التحول وغير المستقرة على حال. والمسرح بدوره يعتبر من أكثر الفنون المقاومة لمنطق المتجانس والمطلق، ذلك أن المسرح منذ نشأته الإغريقية الأولى، وإلى الآن وهو في ثورة أشكال مستمرة، وعلى الرغم من وهم الحدود، فإن أبا الفنون يتطور تاريخيا من خلال التّبني المحاكاتي والتبادلات الثقافية بين مختلف الشعوب. لقد ركزت في دراستي على مفهوم (الأنا والآخر)، حيث لا وجود بطبيعة الحال للأنا بمعزل عن الآخر، والمسرح نفسه هو بؤرة لهذا المفهوم، في ذات الوقت هو ثورة مستمرة للأشكال المسرحية، وينبغي أن نفهم أنّه لا يوجد نظرية مسرح ثابتة وساكنة، فكل شيء فيه مبني على استيعاب نظريات مسرح سابقة، وإذا أردنا تجاوزها، فلا بد لنا من حوار إنساني بين الأنا والآخر. تناولت في دراستي نقطة خطيرة: رحلة الغرب نحو الشرق، بما يمكن تسميته بـ(مسرح المثاقفة) وغالبا ما يستعمل مفهوم المثاقفة للدلالة على التفاعل بين ثقافات مختلفة في التأثير والتأثر، وأوضحت أن المسرح الغربي بدأ يعيش حالة من (العقم) وكان عليه أن يفتح نوافذه على الشرق، أو قل تجارب في اتجاه الشرق، وكان ما طرحته في هذا الصدد تحت عنوان (لقاء الغرب بالشرق: من أجل بناء حداثة مسرحية غربية). لقد برزت الحاجة للمثاقفة المسرحية في المسرح الغربي خلال النصف الثاني من القرن العشرين، ليس بهدف الانفتاح على الثقافات الفرجوية الأخرى، ولكن لتجاوز حالة العقم التي عمّت مجموعة من المسارح الأوروبية، وكذلك لحل مشاكل أضحت كاملة في تخوم التقاليد المسرحية الغربية، وبخاصة مركزيتها المنكفئة على ذاتها لسنين عدّة ضمن قوالب فنية تقليدية لم تعد تؤثر في جزء مهم من الجمهور، فخلال الفترة الممتدة بين 1954 – 1965، وهي واسطة العقد بين لحظتين فاصلتين من التاريخ المعاصر لأوروبا – الأولى مشحونة بالاحتقان الناتج عن مخلّفات الحرب العالمية الثانية. والثانية هي أحداث مايو 1967، أصبحت باريس مركزا ثقافيا كونيا، يستقطب أبرز الفرق المسرحية الدولية ضمن المهرجان الدولي للمسرح الذي كان ينظمه آمون جوليان، بمسرح ساره برنار (تطور سنة 1957 ليصبح مهرجان مسرح الأمم تحت إشراف اليونسكو). لقد اعتمدت فلسفة المهرجان فكرة مصالحة الشعوب من خلال المسرح، والانفتاح على ثقافة الآخر، ولغات العالم، في وقت كانت فيه أوروبا منقسمة على نفسها، وتوصلت في النهاية إلى أن أهم إنجازات المسرح الغربي المعاصر خرجت من معطف الرحلة الشرقية، ويقر بذلك أحد دعاة مسرح المثاقفة الباحث الفرنسي باتريس بافيس، وقال في هذا الخصوص: “إذا كان هناك ثمة خطاب يجب أن نسعى لتجاوزه، فهو التمركز الأوروبي المنكفئ، الذي يجعل من أوروبا حصناً منيعاً ضد أي شكل من أشكال المثاقفة مع آخرها)، لقد كان استشراف آفاق المثاقفة خارج مدار المركزية الأوروبية رهان إستراتيجي لحل مشاكل المسرح المعاصر. جدير بالتأكيد بعد هذا التقديم، أن عددا من المسرحيين الغربيين انجذب نحو الشرق خلال القرن العشرين. في هذا السياق يلاحظ ثمة نزوع متزايد لعدة مسارح من ثقافات مختلفة ومتنوعة لتبني عناصر فرجوية تنتمي لثقافات مسرحية أخرى، وبخاصة من المسرح الشرقي. من أمثلة ذلك وليام باتلر، والفرنسي جاك كوبو، ذهبا إلى فضاءات (مسرح النّو) الياباني لاقتراح دراماتورجيا جديدة، كما ذهب جوردون كريك إلى الأقنعة الأفريقية، واستلهم ماكس راينهارت، مسار الورد الذي يربط الخشبة بالجمهور في الزاوية اليمنى من المسرح، في تقليد (مسرح الكابوكي) الياباني، وذلك في محاولته لإعادة النظر في الترتيب المسرحي البرجوازي قبل تلميذه الألماني برتولد بريخت، الذي تأثر هو الآخر بدوره بجماليات الأداء الشرقية. البحث في الذاكرة ? بصفتك رئيساً للمركز الدولي لدراسات الفرجة، ومديرا لمؤتمر طنجة الدولي.. وبعد أن ساهمتم في إرساء جملة من التقاليد الثقافية والعلمية والمسرحية.. ما هو مشروعك المسرحي؟ ?? إذا تحدثت لك عن المركز الدولي لدراسات الفرجة، فأقول أولاً: لقد بدأنا في الاشتغال على مفهوم الفرجة منذ عام 1998م، وكانت هناك مجموعة بحث تابعة لجامعة عبدالملك السعدي بتطوان، نظمت ندوات وطنية ودولية حول مواضيع مختلفة منها: الفرجة والتنوع الثقافي، الفرجة بين المسرح والأنتروبولوجيا، المسرح المغربي بين التنظير والمهنة، المرتجلة في المسرح، ثم الفرجة الخاصية بالموقع (فرجة لصيقة بمكان العرض – هوية المكان في فن الفرجة) بمعنى من الممكن أن تقدم عرضك الفرجوي في ساحة، متحف، مقهى شعبي. كنا في الواقع في هذا السياق نبحث عن أمكنة الذاكرة، ووجدنا ضالتنا في أمكنة مثل المتاحف، أبواب مدن عتيقة، مآثر رومانية، وقد حققنا من خلال هذا الشكل الفرجوي أن جعلنا الجمهور يتنقل مع صيغة الفرجة، فدّمنا من خلال نشاطات المركز، فرجات مفتوحة، فضاءات مفتوحة. هنا سنوغرافيا متفجّرة، لا تعتمد منطق الفصل بين مكان العرض والجمهور، بمعنى أدق حققنا مفهوم العرض الفرجوي القائم على منهج (مسرحة المسرح)، أو مفهوم هدم الجدار الرابع، وأقول إن هذا المفهوم مرتبط أساسا بـ (فنون المدينة) وانفتاح الفرجات على باقي فنون المدينة. وهنا لتسمح لي بأن أضع تصحيحا، أعارض فيه أن مفهوم هدم الجدار الرابع عائد إلى المخرج الألماني برتولد بريخت كما يزعم النقاد، وكما تم ترسيخه في أذهان النقاد والبحثين العرب. هناك أثر تغريبي عند بريخت، الذي يطلب التقمص، من الممثل للشخصية، ثم ينفصل عنها أحيانا. الممثل جزء من سلسلة عامة، هناك تقنيات، وعليك أن تستوعبها وتطورها وفق مفهوم الفرجة التي تقدمها للناس. الفرجة الخاصة بالموقع، لا يوجد فيها مفهوم الجدار الرابع حتى نهدمه، فيها أشياء كثيرة مثل: سينوغرافيا، حالة مكانية لصيقة بذاكرة المكان، ولنضرب مثالاً على ذلك: لو عرضنا فرجتنا في متحف، وهو مكان أثري، ولا بد هنا أن يتوافق الموضوع مع صيغة المكان، وهذا المكان بمحتوياته شاهد على ذاكرة المدينة وتاريخها، وهنا عليك تصميم الفرجة والكوريغرافية داخل هذا الفضاء، ليصبح المكان – المتحف جزءا رئيسا من العرض الفرجوي، ونحدد هنا أن الفرجوي الخاصة بالموقع، لو نفذت خارج منصة هذا المكان تفقد قيمتها وجمالياتها وغرضها الفني والفكري. وفي ختام الحديث عن جزئية المركز الدولي لدراسات الفرجة، ينبغي التوضيح أنه (جمعية مواطنة) خاضعة للقانون المنظم للجمعيات بالمغرب، وقد حملت على عاتقها مجموعة من المهام لأجل النهوض بدراسات الفرجة، والمركز بقدر ما هو منفتح على جميع الحساسيات والأصوات المغربية والعربية والدولية، فهو لا يدّعي تمثيل الباحثين والنقاد المغاربة أو العرب، بل يمثل فقط أعضاءه الفاعلين، والمركز أيضاً هو فضاء علمي أكاديمي مستقل، استطاع في ظرف قياسي أن يتناول القضايا الفكرية والثقافية الراهنة لعالمنا المعاصر. لقد فاقت منشوراته الأربعين، ناهيك عن ندوته الدولية، التي يؤمها كبار الخبراء والمتخصصين من مختلف أرجاء العالم، كما يشيّد جسورا قوية للحوار الجاد بين مختلف الثقافات، ناهيك عن كونه أسس لتقاليد علمية جديدة في المشهد الثقافي والعلمي والأكاديمي المغربي، تقاليد تقوم على العمل المنظم والهادف والمبني على استراتيجية محكمة وواضحة المعالم. ? وماذا بخصوص منجزات مؤتمر طنجة الدولي الذي يعقد سنويا في شهر مايو من كل عام؟ ?? في هذا المؤتمر عروض مسرحية وأدائية، لكن الأساس فيه ورقة علمية مهمة وستركز هذا العام على فنون (الدراماتورجية البديلة)، وسيشارك في هذه النسخة نحو 80 باحثا وأكاديميا ومتخصصا في المسرح من العالم، وسيتضمن المؤتمر محاضرات رئيسية وترجمات فورية. وأذكر لك أسماء بعض المشاركين الذين أكدوا مشاركتهم في مؤتمر طنجة: باتريس بانيس (فرنسا) وإريكا فيشر (ألمانيا) وهي مديرة المعهد الدولي لتناسج ثقافات العرض بجامعة برلين، كما ستكون معنا كريستل فايلور، أستاذة بجامعة برلين، وهي متخصصة في فن الدراماتورجي (رجل المسرح) ويشارك في المؤتمر فيليب زارلي، متخصص في مسرح الكاتاكالي الهندي. بالطبع، سيكون هناك مساحة طيبة للنقد المسرحي، وإعداد الدراسات قصد النشر في المجلات المحكمة، والكتب، وستشرف على هذا الجانب الفيدرالية الدولية للبحث المسرحي لفائدة الباحثين الجدد في مجالات المسرح المختلفة، أما أهم خصوصية في هذا المؤتمر، فيكمن في تخصيص جلسة للباحثين الشباب، حيث ستتاح لهم الفرصة لتقديم ورقة دقيقة تشتمل على عدة محاور، لقد أصبحت مسالة مؤتمر طنجة للفنون المشهدية، ضرورية، ونحن الآن على مشارف الدورة التاسعة، وابتداء من الدورة العاشرة سيتحول المؤتمر إلى مؤسسة مستقلة، مع إمكانية الاحتفاظ بالشراكات القائمة، لقد أصبحت مسألة مؤسسة هذه التظاهرة المغربية العالمية أمر ضروريا وملحا، سنمضي في مسيرتنا البحثية، وطموحنا الرئيس هو السعي نحو المساهمة في خلق ثقافة مسرحية جادة، لتنظيم الندوة الدولية ضمن فعاليات وبرنامج المؤتمر. إلى أين؟ ? بعد كل هذه الجهود والمشاريع سواء من خلال المركز أو مؤتمر طنجة المرتقب في مايو من العام الجاري أين أنتم ذاهبون، وفي أي اتجاه سائرون؟ ?? بدأنا الاشتغال بروية وتخطيط متقن على محتويات (فن الفرجة)، لكن هاجسنا الأول يتمثل في (فن الحوار - شرق غرب) وفي مدينة طنجة تحديدا، هذه المدينة السياحية الثقافية، ذات البحرين، وهي جغرافيا كموقع بين أفريقيا وأوروبا، تعتبر أفضل مكان للحوار الخلاّق، وحوار الثقافة مع الآخر، مدينة تحتويك، تفهمك، وتفتح لك الفضاء الجميل كي تعبّر بصدق، ومنها بدأنا الفرجة، ومنها أصدرت كتاب بعنوان (الهجنة في المسرح المغربي)، وفيه بحثت في أنجع السبل للمصالحة مع وجدان الفرجة المغربي، انطلاقا من هذا الحوار بين الأنا والآخر، ومن أمثلة التطبيقيات في هذا المجال، دراسة تجربة الكاتب عبدالكريم برشيد (مؤسس الاحتفالية في المسرح المغربي)، والمخرج الطيب الصديقي الذي برز في المغرب كصاحب منهج مسرحي متقدم، بعد أن عمل ورشات تدريبية في فرنسا، مع جان فيلار، مؤسس المسرح الشعبي، ومهرجان أفيينو، وتجربة الصديقي تلخص مسارات المسرح المغربي، لأنه استوعب بجدّية التقنيات الغربية، وفي ذات الوقت انفتح على فنون الفرجات الشعبية والتراثية، فأبدع مسرحا مغربيا عربيا منفتحا على رحابة وتفكير الآخر، لقد حقق أفضل الأعمال للمسرح المغربي، منها على سبيل المثال لا الحصر: سيدي عبدالرحمن مجدوب، ومقامات بديع الزمان الهمذاني الـ 52، واختار منها عشر مقامات، وأحداث ترجع إلى العهد العباسي، وتمت صياغتها مسرحيا بشكل مسرحي يشهد على انتقال فرجة الحلقة ومسرح البساط من أجواء التراث الشعبي إلى خشبة المسرح المعاصر، ونعتقد أن هذا الفن المبدع في تنويعات المسرح المغربي، وعديد المحاولات الناجحة كتابة وإخراجا وتقنيات، يسجل قمة الحوار بين الأنا والآخر، وهو ما نطمح أن يتحقق في كل أشكال ومعالجات المسرح العربي الذي يتأرجح بين الشكل العربي وهيمنة الشكل الأوروبي. مفترق طرق ? ما أهم إشكالية يعاني منها المسرح العربي؟ ?? الآن وبعد الحراك الشعبي في الشارع العربي، أعتقد أن المسرح العربي راهنا يواجه التحديات أكثر من ذي قبل. أصبح في وضع لا يحسد عليه، وفي مفترق طرق ومنعرجات خطيرة، على المسرحيين العرب طرح أسئلة كثيرة أهمها: ما هي علاقة مسرحهم بالحراك الشعبي الدائر في الشارع العربي؟ والإجابة محددة بأن هذه العلاقة ما زالت ملتبسة، ومن الطبيعي في هذه الحالة أن يكون المسرح ملتبسا وحائرا ومهزوزا، لأنه في قلب الحراك الشعبي، ربما قد نشاهد مستقبلا أعمالا فارقة، عميقة جدا، حول المرحلة، علينا ونحن نكتب للمسرح أن نضع في اعتباراتنا أننا سقطنا في فخ الشعارات البراقة، وربما تكون مسرحية (حلم بلاستيك – نص وإخراج شادي الدالي – مصر) من أفضل العروض المسرحية في المهرجان التي ناقشت جانب المسرح والثورة. علينا القول أيضاً أنه في مسرحنا العربي هناك دائما التباس حينما نتحدث عن الثورة في مصر، لقد أصبح هناك سياسة في المسرح، يجب علينا ألا ننتصر لمواقف أو جهات معينة، المسرح بطبعه سياسي، لكنه ليس متشدداً ولا متعصباً، إنه الفكر، وهذا مشاع للجميع. في السياق أقول: علينا أن نفكر في هذا السؤال مليا: كيف ندخل إلى الكونية في عالم سريع التحول، عالم معولم من كل الجهات وبخاصة عالم الثقافة والفن، كيف نتجاوز الانكفاء الذاتي، فأنت أمام مقولات (تأورب مطلق) من جهة، أو (الاغتراب في الماضي) من جهة ثانية. هاتان نزعتان فيهما نوع من الأصولية والراديكالية التي لا تخدم رسالة وفن المسرح، ولا هويته. في الواقع هناك فجوة ما بين القديم والحداثي في التعبير، علينا كمسرحيين عرب أن ننفتح على العالم، لأننا جزء منه. حداثتنا يجب أن تكون في ثقافتنا ما بعد الاستعمار، لذا علينا عدم الارتكاز على ثقافة ماضوية، ولا الانكفاء، لأن إنكار الثقافة الغربية لا يشكل بحد ذاته ثقافة، والرقص المسعور حول التراث المفقود، كما يذكرنا المفكر المغربي (عبدالله العروي) لن يجعله ينبعث من رماده. تصحيح لا بد منه ? إذن.. من الذي كتب تاريخ المسرح؟ ?? الذي كتب تاريخ المسرح هو الغرب، كتبه ونحن مغيبون، كتبه في لحظة فارقة ومساحة فراغية تجاوزها أو قل تسلل منها وكتب ما أراد أن يكتبه ويصدّقه الآخرون. إزاء ذلك المطلوب أن نتواجد وأن يكون لنا حضور كوني، ولا نكتف بذلك بل علينا أن نصحح السرد الأحادي الذي ابتدعه الغرب، وأراده أن يكون سردا كونياً لصالحه، ولكل الأزمنة، وهذا في تقديري غير صحيح وغير حضاري أمام التحول الهائل الذي يشهده العالم اليوم على كل المستويات، وبخاصة المستوى الثقافي.. في السياق ندعو المفكرين وخبراء المسرح العرب إلى قراءة أهم الموسوعات المسرحية الغربية، سنجد أنها تدّعي أن الإسلام هو سبب في انحسار المسرح في شمال أفريقيا وفي منطقة الشرق الأوسط في القرنين السابع والثامن الهجريين، ونسأل: لماذا كانت لدينا مسارح إغريقية ورومانية على امتداد خط أفريقيا الشمالية والشرق الأوسط؟ ولماذا يريدون تعزيز فكرة أن الدين الإسلامي قضى على المسرح؟ هنا أمامنا خطأ فادح بحق الحضارة والثقافة العربية والإسلامية، فمن يصحح هذا الخطأ؟ وكيف؟ هناك مغالطات في تاريخ المسرح العربي، علينا دائما (النّبش) في تاريخ المسرح، كي نصحح المسار، لنعد ثانية إلى كل الدراسات والوثائق والحفريات، لنعرف مسرحنا، لنعرف فنون فرجتنا، وأرى أن الفرجة أشمل من المسرح. العرب لم يعرفوا المسرح بالمعنى الدقيق للكلمة والشكل، لكنهم عرفوا عبر تاريخهم (فرجات) مثل: السامر الشعبي، الحكواتي، وغيرهما، ومن أشكالنا المسرحية التقليدية علينا إذن أن نبدأ، شريطة أن يكون خطابنا قائم على شفافية الحوار، وليس على مفردات ولغة صدامية. من أسف أن أختم هذا الحديث بالقول بأنه: لا يوجد بيننا حوار فعال، ما بيننا صدامية وثقافة لا تصل إلى حد التحولات، لهذا ما زال بيننا وبين دخول الكونية مسافات. سيرة إبداعية الدكتور خالد قاسم أمين، مواليد 15 فبراير عام 1966 بمدينة تطوان المغربية، أستاذ التعليم العالي بجامعة عبدالمالك السعدي بتطوان، حاصل على شهادة الدكتوراه في الأدب المقارن تخصص مسرح، هو مؤسس ورئيس المركز الدولي لدراسات الفرجة بمدينة طنجة، عضو الهيئة العلمية للمعهد الدولي لتناسج ثقافات الأداء التابع لجامعة برلين – ألمانيا، عضو المكتب التنفيذي للفيدرالية الدولية للبحث المسرحي، عضو لجنة تحكيم المهرجان الوطني للمسرح بمكناس سنة 2003، مدير مؤتمر طنجة لفنون المشهدية والندوة الدولية السنوية لمجموعة البحث في المسرح والدراما التابعة لجامعة عبدالمالك السعدي. له جملة من الكتب المنشورة منها: ما بعد بريخت، المسرح المغربي بين الشرق والغرب، باللغة الانجليزية، الفن المسرحي وأسطورة الأصل، مساحات الصمت – غواية المابينية في متخيلنا المسرحي، المسرح ودراسات الفرجة، كما أصدر نحو عشرة كتب بمشاركة جماعية منها: المسرح ورهاناته، مسرح ما بعد الدراما، مسارح المغرب والجزائر وتونس – التقاليد الفرجوية في المغرب الكبير.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©