الثلاثاء 30 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

رواق «المغرب في أبوظبي».. منتج حضاري يدوي الصنع

رواق «المغرب في أبوظبي».. منتج حضاري يدوي الصنع
29 ديسمبر 2016 20:43
لكبيرة التونسي (أبوظبي) المغرب من الدول العربية، التي حافظت على تراثها الفني الثري، الذي يتغذى أساساً على الرافد الثقافي الأندلسي، لذا بقي المغرب لأكثر من ستة قرون معقل الفن المعماري الأندلسي، ونتيجة تنوع الحضارات فيه، وامتزاجها بالحضارة الإسلامية واحتكاكها بالحضارات السائدة في أوروبا خرجت بمزيج فريد من نوعه سواء من حيث الزخرفة، أو الألوان والخطوط. وهذا ما عكسه تصميم معرض «المغرب في أبوظبي»، الذي اختتمت فعالياته مؤخراً في العاصمة، من ثراء ثقافي، تجلى بحضور نحو 300 صانع تقليدي، شاركوا في تصميم وبناء الصرح المعماري، الذي احتضن المعرض، والذي أنجز على مساحة 3500 متر مربع. تنوع متكامل يظهر في الفن المعماري المغربي التنوع والتكامل في الألوان المستمدة من بيئة المغرب الغنية بألوانها، وهذا ما شكله رواق «المغرب في أبوظبي» هذا العام، الذي أتاح فرصة لزواره للسفر إلى المملكة وسبر أغوار تراثها الثقافي الغني بمفرداته، ليشكل هذا الرواق كنزاً ثميناً تبلورت ملامحه على مر العصور لتشكل حضارة متفردة وغنية تحكي سحر الزمن الغابر وقصة الفخامة المترفة، بحيث يخال للزائر أنه في أحد البيوت المغربية الرحبة. ويدلف الزائر إلى الرواق عابراً البوابة الضخمة المكونة من خشب العرعار الفواح، ليجد نفسه أمام ساحة فسيحة تحتضنها الأقواس والساريات العاليات والستائر المطرزة الفخمة، التي تتوزع على أربع زوايا صممت وفرشت بعناية تتناوب عليه الفرق الموسيقية، التي تصدح بالموشحات والأغاني الأصيلة. ويقول المهندس المعماري سعيد برادة، مصمم رواق «المغرب في أبوظبي»: «اخترنا هذه السنة أن يكون الرواق منفتحاً مضاءً، بحيث يظهر أناقة ورقي التراث المغربي الأصيل والفن المعماري الإسلامي بالمغرب، البلد الذي أوجد لغة معمارية فريدة، مستنبطاً الفكرة من البيت المغربي الأصيل الفسيح مفتوح السقف، سامحاً لأشعة الشمس بالنفاذ إلى زواياه، بحيث تجتمع كل مكونات وجمال العمارة كأيقونة يتكامل فيها الثقافي بالاجتماعي وفن العمارة»، مضيفاً: «جاء الرواق على شكل البيت، الذي كان يصمم خصيصاً للمرأة المغربية ليوفر كل احتياجاتها، ويتكون من حلقة في الوسط بأربع زوايا منفتحة على باقي الجهات عبر أقواس من الخشب والجبس متكئة على أعمدة رخامية بيضاء في تناسق جميل، بينما تتدلى من السقف ثريات لتلعب دور الشمس، حيث كان البيت التقليدي الكبير مفتوحاً من السقف أو ما يسمى بالحلقة». قيمة ثقافية ويوضح أن الرواق، الذي شكل الإطار العام الذي احتوى المعرض جاء يشع بياضاً، مشيراً إلى أن أرضيته تشكلت من مليون و250 ألف قطعة فسيفساء بيضاء مطعمة باللون الأزرق، بينما جاءت الستائر ناصعة البياض مع تطريز أنيق في الحواشي باللون الأزرق، ليبرز جمال الفن التراثي المغربي، وتكوّن من باحة محورية محاطة بأقواس رخامية عالية، بينما أضفى الأثاث المعروض بالزوايا جاذبية أكبر، بحيث تمثل هذه الأماكن قيمة معنوية لدى المرأة المغربية، فهناك يحلو لها استضافة صديقاتها ليرتشفن الشاي المنعنع على أنغام الموسيقا ومقاسمة الآراء حول اختيار نوع القفطان وشكله الذي سترتديه، بحيث كانت تأتي الخياطة للبيت لتختار النساء ما يريدن لباسه في البيت والمناسبات، ولهذا حضرت الفرق الموسيقية وعروض الأزياء لتكتمل الصورة. ويضيف: «الانفتاح على باقي الأجنحة التي تعرض الصناعة التقليدية، والقفطان والطبخ، فصممت لتبين المهارات والفنون التي أسهمت في تشكيل هذا الرواق، بحيث جاء الرواق ليبرز القيمة الثقافية للمجتمع واختزال جانب من الحياة اليومية لأهله». ولم يكن سهلاً تصميم الرواق، نظراً لاتساع المساحة، وجمعُ عديد من الفنون والحرف في مكان واحد، لكن الأمر كان أسهل من الدورة الأولى، بحيث لعبت الخبرة دوراً أساسياً في تجاوز بعض التحديات، ويقول برادة: «الرواق له خصوصية تبدأ من خلف البوابة الكبيرة المكونة من خشب العرعار المحفور وهي بوابة السنة الماضية نفسها، لتصبح علامة من علامات المعرض، وتجاور هذه البوابة أعمدة الرخام البيضاء، التي وصل عددها في الرواق 72 سارية من المرمر، وهو مستوحى من جامعة القيروان، أول جامعة في العالم، بحيث تتكون أرضيتها وأسوارها من الرخام الأبيض الذي يعكس أشعة الشمس طوال النهار. بينما تشكل ثريات النحاس، التي يبلغ وزنها طنين ونصف الطن، ويبلغ طولها 5 أمتار، جوهرة لتضفي على الرواق بهاء، ولا تكتمل الصورة إلا بالزليج البلدي (الفسيفساء)، الذي يتميز بصغر حجمه ويركب قطعة قطعة، وجاء هو الآخر ناصع البياض مع رسمات في الوسط من الفسيفساء الأزرق. متطلبات دقيقة تفضي الحلقة الوسطى للرواق إلى معارض الحرف التقليدية، التي شكلت الصرح المعماري نفسه، لتشكل متحفاً مفتوحاً أمام الزوار بعروضها المباشرة. وعن طريقة تصميمها داخل أروقة صغيرة، يقول المهندس المعماري سعيد برادة، مصمم رواق «المغرب في أبوظبي» إن الهدف من ذلك هو إبراز هذه الحرف في إطار تفاعلي. ويضيف أن الفنون المستعملة في المعرض كلها مشغولة يدوياً ولم تدخل صناعات الآلة في تشكيلها، مؤكداً أنها تعد من الفنون القديمة والأصيلة التي تناقلتها الأجيال، وهي تتطلب الكثير من قوة الملاحظة، والتأمل، والدقة، والحكمة، والإلمام بالحسابات الرياضية والهندسة، والإلمام أيضاً بالزخرفة، وفنيات الحفر والتشكيل، ومعرفة خصائص هذه المواد من حيث الاستعمال، والتشكيل. ويشير إلى أن المتعامل مع هذه المواد يجب أن يملك القدرة على تنسيق الأشكال الهندسية الدائرية، والأشكال ذات الزوايا المنفرجة والحادة، والأشكال التي تجمعهما. احتياجات المرأة يوضح المهندس المعماري سعيد برادة، مصمم رواق «المغرب في أبوظبي» أنه من العادات الهندسية القديمة أن البيت المغربي التقليدي لا يسقف، ليجمع بين الشمس والسماء والماء والخضرة والموسيقا، خاصة أن المرأة المغربية لم تكن تخرج للعمل أو لقضاء احتياجاتها بنفسها، لذا روعي في تصميم البيت أن يوفر لها كل شيء داخل البيت في ترف واضح، من موسيقا وجلسات سمر نسائية، ومطابخ، وفنون، بحيث كانت تبرع في فن التطريز والحياكة ونقش الحناء، لافتاً إلى أن البيوت التقليدية في المغرب منذ قدم الزمن صممت على شرف المرأة، وتمتد على مساحة واسعة وتتضمن كل ما تحتاجه سيدة البيت من ترفيه، بحيث تشتمل على نوافير المياه والحدائق والورود والجلسات والباحات والشمس والهواء.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©