الثلاثاء 30 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

الشركات الألمانية تبحث عن الأرباح في الأسواق الناشئة

الشركات الألمانية تبحث عن الأرباح في الأسواق الناشئة
24 يوليو 2011 21:06
بينما لا تزال اقتصادات دول كثيرة في أوروبا تعاني لمجابهة أزمة الديون، أخذت ألمانيا ولتغذية نموها المضطرد في استثمار أموالها وطاقاتها خارج “منطقة اليورو”. وهذا التحول على الرغم من أنه في مراحله الأولية، إلا أن له انعكاسات اقتصادية وسياسية عميقة نتيجة لتوقيته الحرج في وقت تعتمد فيه بقية الدول الأوروبية على ألمانيا لتستمر في دورها المعروف كقاطرة لاقتصاد القارة. وبدلاً من أن تركز الشركات الألمانية استثماراتها في دول مثل فرنسا وإيطاليا، تقوم بإرسال أجزاء كبيرة من أموالها لمناطق مثل بولندا وروسيا والبرازيل والصين على وجه الخصوص والتي أصبحت أكبر سوق لسيارات “فولكس فاجن” وربما قريباً “مرسيدس” وكذلك “بي أم دبليو”. وتزيد ألمانيا من روابطها الدبلوماسية بشركائها التجاريين مثل الصين، التي اصطحب رئيس وزرائها 13 وزيراً و300 مدير معه في زيارته الأخيرة لألمانيا. وحضر وفد مماثل مع الرئيس الروسي عند زيارته لحضور المشاورات السنوية بين البلدين التي أقيمت في هانوفر. وظهرت النتائج الاقتصادية لهذا التحول بالفعل في داخل أوروبا. وفي حين أصبحت ألمانيا أقل اعتماداً على أسواق منطقة اليورو، هناك بوادر تشير إلى زيادة تشددها مع شركائها القدامى مثل اليونان وإيطاليا والبرتغال مما يزيد من الضغوط التي بدأت تنهش في جسد الوحدة الأوروبية. ويقول كيفين فيذرستون الخبير في سياسة الاتحاد الأوروبي في “كلية لندن للاقتصاد”: “يعزز ذلك، التحول الذي شهدناه في السنوات الأخيرة عندما أصبحت ألمانيا أكثر تركيزاً على مصالحها الوطنية بدلاً من التضحية في سبيل بلدان أوروبية معينة. وألمانيا لم ترفع يدها بالكامل عن أوروبا لكنها تعبت بالفعل”. وتتماشى سياسات ألمانيا مع سياسات بعض الشركات التجارية مثل “فريسينوس” للرعاية الصحية في باد هامبورج بالقرب من فرانكفورت. وارتفعت مبيعات هذه الشركة في آسيا بنسبة 20% إلى 1,3 مليار يورو، مقارنة بمبيعاتها في أوروبا بنحو 6,5 مليار يورو بارتفاع قدره 8%. وذكر مارك شنيدر المدير التنفيذي للشركة أنه يتوقع استمرار هذا التوجه، مشيراً إلى محاولة الصين خلق نظام رعاية صحي عالمي لضمان حصول الصينيين على خدمات غسيل الكلى والعلاج عن طريق الحقن وهي المنتجات نفسها التي تعمل فيها “فريسينوس”. وألمانيا بطبيعة الحال لا تزال مرتبطة بقوة بمنطقة اليورو التي تمثل أكبر مصادرها التجارية. لكن تتراجع حصة غرب أوروبا في “الكعكة” الألمانية، حيث بدأت الشركات التركيز على استثمارات جديدة في أسواق أكثر انتعاشاً. ويقول مارك ليرميت الشريك في مؤسسة “إيرنست آند يونغ” الاستشارية “لست متأكداً من إمكانية وصف ألمانيا بالقاطرة لاقتصاد أوروبا بعد ذلك، لكنها محرك له”. وانخفض نصيب “منطقة اليور”و من الصادرات الألمانية السنة الماضية بنحو 41% من نسبة 43% التي كانت عليها في العام 2008، بينما ارتفع نصيب آسيا إلى 16% من واقع 12%. وارتفعت صادراتها إلى آسيا في الفترة نفسها إلى 28 مليار يورو، في حين تراجعت إلى منطقة اليورو بذات المبلغ. و”فريسينوس” هي واحدة من ضمن الشركات التي تعكس هذا التوجه. كما أن استثمار الشركات في غرب أوروبا لا يزال آخذا في الارتفاع، لكن إنفاق رأس المال والتوظيف لا يرتفع بذات وتيرة الأسواق الناشئة. وتشير بوادر أخرى إلى أن النهضة الألمانية لم تعد تساعد بقية أوروبا، كما كانت تفعل قبل سنوات قليلة. وعلى العكس، فإن بقية الدول الأوروبية خاصة في وسط القارة الجنوبي لا تزال في المؤخرة في الوقت الذي يسعى فيه الاتحاد الأوروبي للتصدي لأزمة الديون السيادية. ومثلاً تراجعت صادرات الاقتصاد الإيطالي لألمانيا. ويقول جينز سوندرجارد الاقتصادي في بنك “نوميورا” بلندن “كانت إيطاليا تقوم بصناعة العديد من السلع التي يحتاجها القطاع الصناعي في ألمانيا. لكن هاجرت الكثير من هذه الصناعات صوب شرق أوروبا أو إلى بلدان أخرى، حيث انخفاض التكاليف أو حيث تستطيع الشركات منافسة الجودة الإيطالية. وفي حقيقة الأمر، ومع قوة الاقتصاد الألماني، انخفضت الصادرات الإيطالية لألمانيا بنحو 3,2 مليار يورو في 2010، مقارنة بعام 2008”. والمكان الذي تستثمر فيه ألمانيا أموالها ضروري بالنسبة لاقتصادات دول منطقة اليورو بأكملها، حيث تشكل صادراتها ما يقارب الثلث للمنطقة. وفي حين تعاني كل من فرنسا وإيطاليا وإسبانيا عجزاً مالياً كبيراً، تملك ألمانيا فائضاً تجارياً معتبراً حتى الآن خلال العام الجاري. وبسريان اتحاد الاقتصاد الأوروبي، تستمر صادرات الشركات الألمانية لفرنسا في التفوق على الصين، حيث بلغت في العام الماضي 91 مليار يورو مقارنة بنحو 54 مليار يورو للصين. لكن تضيق هذه الفجوة بسرعة كبيرة، حيث ارتفعت الصادرات إلى الصين 44% في 2010 مقارنة بنحو 12% لفرنسا، مع توقع أن تتضاعف الصادرات الألمانية إلى الصين في غضون الخمس سنوات المقبلة. وعلاوة على ذلك، استثمرت الشركات الصناعية الألمانية وللمرة الأولى في 2009 نحو 11,6 مليار يورو في الصين، أي بزيادة قدرها 50% عن عام 2006 مقارنة بفرنسا، بالإضافة إلى إيطاليا وإسبانيا والتي تراجعت فيها الاستثمارات الألمانية الصناعية بمعدلات أكبر عن السنوات القليلة الماضية. ويظهر هذا التحول جلياً في مجمع “ترومبف” الصناعي في مدينة ديتزينجين القريبة من شتوتجارت. وكان هذا المجمع وقبل وقت قريب يعتبر جزءاً من ميتيل ستاند الشركات الهندسية متوسطة الحجم والمملوكة من قبل الأسر التي تغذي الاقتصاد الألماني. لكن تحول “ترومبف” اليوم إلى مركز قوة صناعي عالمي يضم نحو 2,000 عامل في ديتزينجين ونحو 6,000 في أنحاء مختلفة من بقية العالم. وتعد الصين من ضمن الأسباب الكثيرة التي قادت إلى تحوله من مجمع محلي صغير إلى عالمي. وكما هي الحال في معظم الصناعات الألمانية الأخرى، عوضت المبيعات إلى الصين والدول النامية الأخرى عن معدل التراجع في الصادرات إلى الأسواق التقليدية التي تأثرت بالركود الاقتصادي في 2009. ويقول ماثياس كامولور أحد أعضاء مجلس إدارة المجمع: “من المتوقع أن تصبح الصين أكبر سوق لنا في غضون ثلاث إلى خمس سنوات مقبلة”. ويُذكر أن المجمع قام بفتح مصنع له في مدينة تايكانج القريبة من شنجهاي بمساحة قدرها 15,000 متر مربع، المساحة التي نفدت خلال عامين مما اضطر المجمع إلى زيادتها بنحو 10,000 متر مربع أخرى. كما توجد شركات ألمانية عديدة في ذلك الجزء من الصين الذي أطلق عليه “سوابيا الصغيرة” في إشارة إلى أحد الأقاليم الألمانية. وتقول نيكولا ليبينجر مديرة المجمع “نحن لا نصنع بغرض التصدير إلى أوروبا أو بسبب قلة التكلفة، لكننا ننتج للسوق الصينية”. وتعتبر الصين أكبر سوق لصناعة أدوات الآليات القوية الطلب في ألمانيا. ويعكس نجاح الصادرات الألمانية إلى الأسواق الناشئة قوتها في صناعة الأشياء التي تساعد في تحديث احتياجات الاقتصاد مثل القطارات ومصانع الصلب وخطوط تجميع الإلكترونيات. ويقول هنريك ويس المدير التنفيذي لمجموعة “أس أم أس” التي تقوم ببناء وتوفير المعدات لمصانع الصلب والألمونيوم في مدينة دوسلدروف “أحدث مصانعنا في روسيا و الصين والهند حيث تراجع حضورنا في أسواق غرب أوروبا وأميركا”. وشركة “مولتيفاك” الواقعة في مدينة وولفرشويندن في جنوب ألمانيا هي مثال آخر للنمو بفضل الأسواق الناشئة. وتقوم الشركة بصناعة آليات تغليف المواد القابلة للكسر وهو نشاط تجاري يمكن الاستفادة منه فقط في البلدان التي يمكن فيها حفظ الطعام بارداً من المصنع إلى المتجر. لذا تعد الشركة مؤشراً إلى تطور توافر التيار الكهربائي والى ارتفاع دخل الفرد. وكان تحول ألمانيا نحو الأسواق النامية يسير على خطى هادئة لمدة طويلة، لكنه تسارع في أعقاب الأزمة المالية العالمية في 2009 عندما تعافت آسيا بسرعة أكثر من الدول الأوروبية وأميركا، حيث لم تتعد الأزمة سوى ستة أشهر في الصين التي حققت نمواً قوياً بعدها. ويبدو أن انخفاض اعتماد ألمانيا على اقتصاد منطقة اليورو أعطاها المزيد من المساحة لتكون حازمة مع حلفائها الأوروبيين خاصة في قضايا مثل اليونان وليبيا. وكانت نادراً ما تصحب المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في رحلاتها مدراء الشركات، لكن رافقها في مايو الماضي عدد كبير منهم في آخر رحلة لها للهند وسنغافورة. واستغلت المستشارة نفوذها في فتح الأبواب لمساعدة الشركات للتصدي لمخاطر الأسواق النامية التي لا تزال أكثر خطورة من أوروبا. وحث مدراء الشركات ميركل على انتقاد الحماية الضعيفة لحقوق الملكية الفكرية في الصين. ولم تخف تساؤلها في إحدى الاجتماعات عن المسؤولين الصينيين بخصوص تقليد بعض قطع الغيار الخاصة بإحدى الموديلات الجديدة لسيارة “فولكس فاجن”. وحذر بعض المحللين من تركيز ألمانيا المفرط على الأسواق النامية حيث من الممكن أن تتعرض لصدمة في حال تراجع وتيرة الاقتصاد الصيني. كما تحاول الصين بناء الخبرة في مجال صناعة السيارات والآليات لتصبح منافساً بالإضافة إلى كونها عميل. نقلاً عن “فاينانشيال تايمز” ترجمة: حسونة الطيب
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©