الثلاثاء 30 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

نفس الهوى لها الخسران في الدنيا والآخرة

نفس الهوى لها الخسران في الدنيا والآخرة
15 أغسطس 2011 23:22
فسَّر القرآن الكريم أحوال النفس البشرية بما يتصل بها من الخواطر والوساوس والهواجس والأحاسيس من فرح وحزن ووحشة وأنس وانقباض وانبساط وارتجاف وقلق واضطراب وتذبذب، وفي القرآن معلومات كثيرة وشاملة عن النفس البشرية لأن مهمته الأولى هي التربية والتوجيه فهو كتاب يخاطب النفس ويوجهها، قال الله تعالى: (وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى)، ولقوله تعالى: (الله أعلم بما في أنفسهم). وقال الشيخ عادل عبد المنعم أبو العباس - عضو لجنة الفتوى بالأزهر: قال الله تعالى في سورة الحج: (ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين. يدعوا من دون الله ما لا يضره وما لا ينفعه ذلك هو الضلال البعيد. يدعوا لمن ضره أقرب من نفعه لبئس المولى ولبئس العشير) «الآيات 11 - 13» من الآيات التي حللت النفس البشرية التي يتصف بها بعض الناس وهي النفس القلقة المتذبذبة الحائرة الهوائية التي لا تثبت على حال، وقرر العلماء في أسباب نزول هذه الآيات أن عبدالله بن عباس - رضي الله عنهما - قال: كان الرجل يقدم المدينة فيسلم فإن ولدت امرأته غلاماً ونتجت خيله قال دين صالح وإن لم تلد غلاماً ولم تنتج خيله قال هذا دين سوء. ضعف الإيمان وروى ابن مسفى: أن رجلًا من الناس أسلم وبعد إسلامه ذهب بصره وماله وولده فتشاءم بالإسلام، وقال لم أصب من ديني هذا خيراً ذهب بصري ومالي ومات ولدي فنزلت الآية. وجاء في تفسير هذه الآيات أن من الناس من هو ضعيف الإيمان لم يدخل الإيمان قلبه ودخل فيه إما خوفاً وإما عادة على وجه لا يثبت إيمانه عند المحن والشدائد، فإذا استمر رزق الإنسان رغداً ولم يحصل له من المكاره شيء اطمأن بذلك الخير لا بإيمانه وإذا أصابته فتنة من مصيبة أو مكروه أو فقد إنسان يحبه ارتد عن دينه، وبذلك يخسر الدنيا والآخرة وفي الدنيا لا تعوضه الردة عن دينه ما أصابه من فتن، وفي الآخرة حسابه على الله والحرمان من الجنة التي عرضها السموات والأرض، وهذا هو الخسران المبين وهذه صفة كل معبود من دون الله، فإنه لا يملك لنفسه ولا لغيره نفعاً ولا ضراً لأنه أقبل على مخلوق مثله ليس بيده من الأمر شيء. النفوس القلقة وهذا الحديث القرآني يوضح أن هناك أناساً نفوسهم قلقة وعقائدهم مضطربة لأنها ليست خالصة لوجه الله، يعبدون الله على حرف من غير ثبات أو طمأنينة فكأن صاحب هذا القلق، وذلك التذبذب واقف على حرف جبل لم ير الإيمان قلبه، وإنما لمس حافة نفسه فهو مذبذب بين الإيمان والجحود متردد بين التصديق والتكذيب، إن أصابه خير اطمأن به لأن ماله زاد ونتاجه كثر وإن أصابته فتنة في ماله أو ولده انقلب على وجهه ورجع إلى سابق عهده من الكفر والضلال فمآله خسران الدنيا والآخرة، يجدون الراحة المذبذبة لنفوسهم عند غير الله ويدعون من دون الله مالا يضرهم ولا ينفعهم ويعتمدون على أصحاب المناصب والرتب ونفسيتهم طائشة وجاهلة، لا تطمئن إلى ابتلاء الله ولا ترضى عن دنياهم إذا انقلبت بهم ويتطلعون إلى المنصب والجاه في سبيل إهانة عقيدتهم وأفكارهم، فإذا وجد الخير في حزب أو جماعة فيه منفعة انتمى إليه وإن زال هذا الحزب أو سقط من الوجود فلا مانع لديه من أن ينتمي إلى الحزب الذي يحاربه، ما دامت مصلحته ستتحقق حتى ولو أخل بقيمه ومبادئه لأنه ينتصر بغير الله ويدعو من دونه مالا يملك موتاً ولا حياة ولا نشوراً. والنفسية المذبذبة عددها كثير وقوتها مستمدة من الشيطان، بل إنهم يستطيعون عقد حلف مع أكبر الأبالسة من أجل مصلحتهم الذاتية بتعبير النبي - صلى الله عليه وسلم - حيث قال: «يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً ويمسي الرجل مؤمناً ويصبح كافراً يبيع دينه بعرض من الدنيا قليل»، وعنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم» أي بادروا بالأعمال الصالحة، ومعنى الحديث أن الغربة في الإسلام تشتد حتى يصبح المرء مسلماً ثم يمسي كافراً وبالعكس يمسي مؤمناً ويصبح كافراً يبيع دينه بعرض من الدنيا، وذلك بأن يتكلم بالكفر أو يعمل به من أجل الدنيا فيصبح مؤمناً ويأتيه من يطالبه بسب الله والرسول وترك الصلاة في مقابل منافع دنيوية ويستحل الزنا وشرب الخمر. الأعمال الحسنة والمؤمن يجب أن يبادر بالأعمال الحسنة، لأنه قد يبتلى بالموت العاجل فجاءة أو بمرض يفسد عليه قوته فلا يستطيع العمل ويبتلى بهرم، فعلى الإنسان أن يغتنم حياته وصحته وعقله بالأعمال الصالحة قبل أن يحال بينه وبين ذلك ولا يكون مذبذب النفس بين حب الدنيا وإيثارها على الآخرة، وتزيينها من أعداء الله والدعاة إلى الكفر والضلال وعن ابن عباس قال: كان ناس من الأعراب يأتون النبي - صلى الله عليه وسلم - فيسلمون فإذا رجعوا إلى بلادهم فإن وجدوا عام غيث وعام خصب وعام ولاد حسن قالوا: إن ديننا هذا لصالح فتمسكوا به، وإن وجدوا عام جدوبة وعام ولاد سوء وعام قحط قالوا: ما في ديننا هذا خير. الحياة الدنيا وتوصف الشخصية المتذبذبة بالمنافقة، كما جاء في قول الله تعالى: (ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام) نزلت هذه الآية في الأخنس بن شريق الثقفي حليف بني زهرة عندما وفد على النبي - صلى الله عليه وسلم- بالمدينة وأظهر إسلامه وقال: إنما جئت أريد الإسلام والله يعلم أني لصادق ثم خرج من عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فمر بزرع لقوم من المسلمين ومواش فأحرق الزرع وقتل المواشي. وقيل: هي صفة المنافق، وفي هذه الآية دليل على أن الحاكم لا يأخذ بظاهر أحوال الناس وما يبدو من إيمانهم وصلاحهم حتى يبحث عن باطنهم. جهاد النفس ولما كان جهاد النفس من أصعب أنواع الجهاد دل على أهمية النفس في الإسلام والعاقل يعلم أن حياته الصحيحة هي التوبة والرجوع إلى الله سبحانه ومحبته واغتنام الفرص للعبادة، وهذا من أهم أساليب العلاج النفسي.
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©