الثلاثاء 30 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

وزير الدولة السوداني: القرار 1706 غرضه إخضاع السودان لوصاية الأمم المتحدة

23 نوفمبر 2006 01:04
الخرطوم- أيمن جمعة: إنه أحد أبرز راسمي السياسة السودانية بشأن دارفور·· ولم لا؟ وهو من أبناء قبيلة البقارة من دارفور، وتلقى تعليمه في بريطانيا، واحتنك السياسة إلى أن أصبح أرفع مسؤول سياسي من هذا الإقليم الذي تتصدر أنباؤه العناوين الرئيسية للصحف ونشرات الأخبار· وفي مكتبه بالخرطوم قدم معالي السميح الصديق النور وزير الدولة السوداني للاستثمار في حوار مع صحيفة ''الاتحاد'' شرحا كاملا لحقيقة الأزمة في دارفور، والأسباب التي تجعل حكومة الخرطوم وأهالي دارفور يرفضون قرار الأمم المتحدة رقم ،1706 وسِر إصرار الخرطوم على اتهام أميركا والغرب بالعمل على إذكاء الصراع· وكانت البداية عندما سألته عن حقيقة ما يحدث من مجازر في السودان وتورط حكومة الخرطوم في جرائم اغتصاب وقتل وتهجير للمواطنين من القبائل الأفريقية· ارتسمت على وجه الوزير واحدة من ابتساماته العذبة، وقال دعني في البداية أروي لك قصة لطيفة·· عندما قام الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان بزيارة إلى أحد معسكرات المشردين في دارفور، سألهم عما إذا كانوا قد تعرضوا للاغتصاب والقتل والتشريد·· وأجابوا جميعا (رجالا ونساء) وبصوت واحد·· كلنا تعرضنا للاغتصاب· وامتعض وجه عنان وقال لهم·· وهل يقوم المهاجمون باغتصاب الجميع وهتك أعراضهم دون تفرقة بين رجال ونساء· وهنا ساد الوجوم لحظات قبل أن يشرح أهالي المعسكر للوفد الدولي أن ''اغتصاب'' لا تعني هتك العرض فهذه جرائم لا تعرفها دارفور·· وقالوا إن ما يقصدونه من كلمة اغتصاب هو أن المسلحين اغتصبوا أراضيهم وأجبروهم على النزوح من ديارهم وأرضهم''· وأضاف الوزير ''ورغم هذا فإن الأمم المتحدة تصر على الترويج لفكرة شيوع جرائم الاغتصاب والقتل في دارفور، فالغرب يتحدث عن 500 حالة اغتصاب، ولكن سجلات الحكومة لا تتضمن سوى بلاغات عن 27 حالة وهذه مجرد بلاغات لم يتم التأكد منها أو التحقيق فيها· والمفارقة هنا أن ولاية كاليفورنيا وحدها تشهد تسعة آلاف حالة اغتصاب سنويا، ولا ترى إدارة بوش في هذا الرقم فظائع إنسانية ولا مذابح جماعية، أما 500 حالة في دارفور فهي جريمة حرب'' كيف نصف ما يحدث في دارفور هل هو ثورة شعبية أم تمرد؟ آلة الإعلام الغربي تضخم ما يحدث في دارفور بشكل يجعلنا نشعر وكأنهم يتحدثون عن دولة أخرى· هذه ليست ثورة شعبية، بل عمليات قتل وإثارة للرعب في نفوس السكان تقوم بها جماعات مسلحة تدعمهم آلة إعلامية غربية· وكل أعمال القتل الحالية في دارفور تنحصر في مناطق ضيقة جدا بولاية دارفور الشمالية قرب الحدود مع تشاد· إقليم دارفور هو بحجم فرنسا، والجزء الذي يشهد اضطرابات وأعمال قتل هو محصور فقط في المنطقة المتاخمة لتشاد·· أما باقي الإقليم الذي يعادل في مساحته مساحة فرنسا تقريبا، فلم يسمع بالحرب ولم يشهد طلقة رصاص واحدة أو نقطة دم واحدة· وساهم في تصعيد هذه الأزمة، الخلافات السياسية بين المؤتمر الوطني الحاكم والمؤتمر الشعبي للترابي الذي حاول الترويج لفكرة أن دارفور مظلومة ووضعوا ما قالوا إنه ''الكتاب الأسود'' لتأكيد أن المنطقة مظلومة· وأنا أستطيع أن أرافقك الآن إلى أي مكان تريده في دارفور لتتطلع على حقيقة الأوضاع المستقرة هناك بنفسك· لكن هذا لا ينفي أن هناك مشكلات حقيقية في دارفور وأن الحكومة المركزية تأخرت في معالجتها؟ صحيح هناك مشكلات في الإقليم، ولكن معظمها كما قلت يحظى بتغطية إعلامية واسعة· دارفور تعاني مثل كل مناطق السودان من ضعف في البُنى التحتية، ومشكلات في الموارد الطبيعية خاصة مع تكرار مواسم الجفاف وتقلص المساحات الصالحة للرعي والزراعة مقابل زيادة كبيرة في عدد السكان والمواشي، وهذا كله أفرز صراعات لا تتم على أساس تصنيف القبائل إلى عربية وأفريقية بل هي صراعات على الموارد الشحيحة وهي صراعات تعرفها دارفور طوال تاريخها، ولا يمكن أن ترقى إلى مشكلة سياسية لولا المصالح الغربية· وضعف التنمية في السودان لا يقتصر على منطقة دون غيرها ولا يمكن القول إن الحكومة تتعمد تجاهل دارفور أو مناطق الجنوب، بل إن ولاية الخرطوم نفسها تعاني من ضعف شديد في البنى التحتية بسبب نقص مصادر التمويل· لكن الأمم المتحدة تبدو مهتمة جدا بحل الصراع الذي أودى حسب تصريحاتها بحياة حوالي 400 ألف شخص حتى الآن؟ ''ألم أقل لك إننا نعتقد أحيانا أنكم كصحفيين تتحدثون عن دولة أخرى غير السودان؟ في البداية حددت المنظمات الدولية عدد القتلى بنحو عشرة آلاف شخص، ثم ارتفع الرقم إلى 20 ألفا ثم إلى 50 ألفا خلال أسبوعين· وبعد نحو شهر واحد بدأوا يتحدثون عن ارتفاع الرقم إلى 100 ألف ثم إلى 150 ألفا واستقر الآن عند 400 ألف حاليا· وأنا أقول لهم ببساطة أين هذه الجثث التي يتحدثون عنها؟ هذه الأرقام لا يمكن أن يتخيلها عقل· ثم كم هو عدد سكان الإقليم لكي نقول إن 400 ألف شخص منهم قد قتلوا؟ المبالغة ضخمة جدا، والمعلومات التي تروجها وسائل الإعلام الغربية مستقاة من أشخاص لهم مصالح في تأجيج الصراع في دارفور· وأستطيع القول إن استمرار التمرد هو بشكل أو بآخر نتيجة المواقف السلبية للأمم المتحدة والتحركات المريبة لبعض أجهزة المخابرات الغربية، إضافة إلى تدخلات بعض دول الجوار· لماذا تتحفظون على جهود الوساطة التي تبذلها الأمم المتحدة ؟ تدخل المنظمة الدولية ساهم في تدهور الأوضاع بسبب قراراتها الخاطئة التي استهدفت إذكاء الفتنة والصراع لأطول فترة ممكنة· فقد قامت الأمم المتحدة بإصدار أحكام مسبقة، وحددت وبدقة الضحايا والجلادين قبل إرسال أية بعثة لتقصي الحقائق· وكانت هذه خطوة مشينة للغاية· وقد لعب ''يان برونك'' ممثل كوفي عنان في السودان دورا سلبيا كبيرا· لقد جاء هذا الرجل إلى بلادنا لتحقيق هدف واحد هو المساعدة على إقرار السلام الشامل في الجنوب، لكنه ترك كل مسؤولياته وتحول إلى دارفور رغم أن اختصاصاته لا تشمل هذه المنطقة إطلاقا· وحاول ترسيخ اعتقاد بأن المشكلة في دارفور هي انحياز الحكومة إلى جانب القبائل العربية في وجه القبائل الأفريقية وهذا ليس صحيحا· ولماذا رفضتم وبشدة قرار مجلس الأمن رقم 1706؟ هذا القرار عيوبه كثيرة ومفضوحة، أهمها أنه يريد إلغاء دور الحكومة الحالية في السودان وصولا إلى تشكيل حكومة أخرى بوصاية من الأمم المتحدة وهذا واضح في طيات القرار الذي يتحدث عن هيكلة الشرطة في السودان كلها وليس فقط في دارفور وعن هيكلة القضاء في السودان· ونحن نرى أن هذا القرار هو في حقيقته مشروع لإعادة استعمار السودان وتفتيته إلى كيانات وفق الرؤية التي تخدم المصالح الأميركية في المنطقة بما في ذلك تحويل موارد دارفور خارج الدولة· وتمتد عيوب القرار لتشمل مستقبل سكان الإقليم أيضا، لذا كان أهالي دارفور هم أول من رفضوا القرار لأنهم أيقنوا أن المقصود منه هو مساعدة مجموعة قليلة من سكان الإقليم وإغراؤهم بأنهم يستطيعون فرض نفوذهم وهيمنتهم على المجموعات الأخرى بل والقضاء عليها، كما حدث في دول أفريقية أخرى· والجميع يعرف أن المظاهرات الرافضة للمشروع خرجت هناك في دارفور قبل أن تخرج في الخرطوم· ولماذا تصرون في كل تصريحاتكم على اتهام أميركا بإذكاء الصراع؟ وأنا أسألك من جانبي·· هل تتحرك أميركا لأنها مولعة بعيون سكان دارفور، السود النحاف؟ ولماذا لا تتحرك أميركا بمثل هذه الهمة لتسوية صراعات أخرى مثل أزمة فلسطين التي لا تقتصر آثارها على منطقة الشرق الأوسط وحدها؟ أميركا لا تعرف إلا لغة المصالح· وبالنسبة لدارفور فإن السر وراء التدخلات الأميركية يكمن في النفط واليورانيوم· كيف ذلك؟ دارفور من المناطق السودانية الغنية بالنفط واليورانيوم· وعندما خرجت أميركا من صناعة النفط السودانية في منتصف التسعينيات وأصدرت قرارات تحظر عمل الشركات الاميركية في بلادنا، فإنها فعلت ذلك وهي على يقين من أن الخرطوم لن تستطيع استخراج النفط إلا عبر تقنية ومساعدة غربية، وكانت متأكدة من انه لا توجد دولة غربية ستساعد الخرطوم في ذلك· لكنها حساباتها كانت خاطئة بالنسبة للصين التي انتهزت الفرصة وحصلت على موطئ قدم في دولة أفريقية واعدة اقتصاديا· بل إن هذا الانسحاب الأميركي حقق لبكين حلما لم يكن أكثر المتفائلين يعتقدون بإمكانية تحققه قريبا· ولم تغفر واشنطن للحكومة السودانية الحالية هذا الأمر إطلاقا· وبالنسبة لليورانيوم فإن أميركا ومنذ أحداث سبتمبر ،2001 تشعر بحساسية شديدة تجاه العرب وإمكانية حصول بعض الإرهابيين على أسلحة نووية، وهي تخشى أن يشق اليورانيوم الموجود في دارفور طريقه إلى أيادي الإرهابيين· وتجربة السلام في الجنوب كانت مؤلمة على أميركا التي لم تستطع من خلالها أن تحقق ما كانت تصبو إليه بعدما ساد منطق العقل بين كل السودانيين· وهم الآن لا يريدون سلاما حقيقيا ، بل يريدون وضع دارفور تحت ما يمكن وصفه بأنه ''وصاية دولية'' وذلك بالتعاون مع تشاد، لحرمان حكومة الخرطوم من ثروات المنطقة وتحويلها إلى منافذ أخرى مثل الكاميرون· ما الدور الذي تلعبه تشاد في هذه الأزمة؟ بطون القبائل ممتدة في المنطقة بين دارفور وتشاد، وهناك عناصر مرتزقة وجنود نظاميون من تشاد يشاركون المتمردين في عملياتهم· ويكفي الإشارة إلى أن 30 % ممن يعملون في صفوف المتمردين هم من الجيش النظامي التشادي والكل يعرف ذلك· ولعل هذا يفسر حقيقة أن القلاقل في دارفور تنحصر على منطقة ضيقة جدا في ولاية شمال دارفور على الحدود مع تشاد، رغم ما نقدمه من تنازلات كبيرة لإقرار السلام· وما هي طبيعة التنازلات التي قدمتها الحكومة؟ ولماذا رفضها المتمردون؟ قدمت الحكومة تنازلات مهمة على ثلاثة محاور·· الأول يتعلق بتقاسم السلطة وتوفير 100 وظيفة سياسية لأهالي دارفور في الحكومة المركزية بما في ذلك منصب مساعد رئيس الجمهورية، والثاني يتعلق بتقاسم الثروة، وأهم بنوده تأسيس صندوقين للإعمار والتعويض بقيمة 330 مليون دولار· ويتعلق المحور الثالث بالترتيبات الأمنية بشأن استيعاب قوات المتمردين ضمن الشرطة والجيش (ثلاثة آلاف بالجيش وألفان بالشرطة)· فيما استند المتمردون في رفضهم إلى ثلاثة أمور، هي الحصول على منصب نائب الرئيس لا مساعد الرئيس، وإقامة سلطة إقليمية في دارفور كنوع من الحكم الإقليمي الذاتي، وزيادة عدد ولايات دارفور إلى أربع بدلا من ثلاثة حاليا -دارفور والشمالية والجنوبية والغربية-، إضافة إلى زيادة مبالغ التعويضات، وإقرار مبدأ التعويض الفردي· والتسليم بهذه المطالب يعني استمرار الجدل ومن ثم الصراع إلى ما لا نهاية· لكننا حصلنا من تجربة الجنوب على خبرة ضخمة تجعلنا على ثقة من تجاوز أزمة دارفور·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©