الإثنين 20 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الطبيب العليل..

الطبيب العليل..
7 سبتمبر 2011 23:55
اشتهر بمعالجة مرض السرطان وسقط صريعا به دافيد سرفان شرايبر David servan – schreiber هو أحد أمهر وأشهر الأطباء المختصين في فرنسا في معالجة مرض السرطان، وتشاء الأقدار أن هذا الرجل الذي منح الأمل لآلاف المرضى، وشفي على يديه منهم الكثير، أن يصاب هو بدوره بالمرض الذي اختص في علاجه لدى الآخرين.. فقد أصابه سرطان في رأسه منذ عام 1992، وصمد أمام الداء الخبيث، وكاد يشفى إلى أن أعاد المرض مهاجمته في المدة الأخيرة، وعن هذه التجربة ألف كتابه الذي يحمل عنوان: “يمكن أن نقول الى اللقاء مرات عديدة” On peut se dire au revoir plusieurs fois وهو عنوان قال إنه يودع به كل من عرفهم من أهله وصحبه ومرضاه. والمؤلف أصدر هذا الكتاب في شهر يونيو 2011، وتوفي وهو في الخمسين من العمر يوم 24 يوليو 2011 بعد أن بقي ثلاثة أيام في غيبوبة. والكتاب كان بمثابة “الوصية”. وقد ذاعت منذ سنوات شهرة الطبيب المؤلف بين بني قومه، بل أصبح “نجما” في مجاله بعد نشره في كتبه وأبحاثه نظريات الطب البديل لمعالجة السرطان، واختص في هذا المجال الى أن نخره المرض وفتك به فتكا، فقرر أن يؤلف الكتاب معلنا فيه أنه مصاب بأشرس أنواع السرطان، وقد نهش مخه، وأنه ورغم ذلك فإنه صارعه بشجاعة ورباطة جأش، بل أكثر من ذلك فقد جعل من جسده مخبرا للعديد من الأدوية البديلة التي دأب على تناولها وأخضع نفسه لها أملا في الشفاء وخدمة للبحث العلمي والتجارب الطبية. يقول المؤلف: “إني أعلم ان تشخيص مرضي هذه المرة بيّن أن الداء بلغ المرحلة الأخيرة، ولذلك وأنا أعيش الأيام المتبقية من العمر أردت في هذا الكتاب أن ألقي على نفسي أهم الأسئلة وأخطرها وأحاول الإجابة عنها”. والملفت أن هذا الطبيب سبق له قبل مرضه أن ألف كتابا موجها لمرضى السرطان يتضمن نصائح وأسلوب حياة، وقد سعى ـ كما يقول في كتابه ـ أن يطبقه على نفسه بدقة متناهية متبعا نظاما غذائيا قاسيا، فقد كان يأكل بلا سكر، وبلا ملح، وبلا سمك، و بلا لحم، وإن حساء الخضار يكون دائما حاضرا على مائدة العشاء، ورغم ان نظرياته في الطب البديل قد لاقت نقدا من زملائه ومن جانب بعض البارزين في الوسط الطبي، فإنه تمسك بموقفه ولكنه وهو في أيامه الأخيرة صرّح بأنه لم يقل أبدا أن هناك علاجا معجزة، وهو يشرح في كتابه الصادر قبل شهر من وفاته إنه رغم يقينه بأن المرض ينهشه نهشا فإن حنان والدته وتعاطف أخوته جعله لا يفقد متعة الحياة، بل إنه بقي حريصا على القيام بجولات في بعض حدائق باريس، وحضور بعض حفلات الفنانين وأحيانا يذهب إلى السينما. والكتاب يجيب فيه مؤلفه عن الأسئلة التالية: هل إنه ـ وهو الباحث والعالم في مجال مكافحة ومعالجة مرض السرطان ـ أفاده علمه وكتبه في حماية نفسه؟ كما انه يطيل في الحديث عن الموت بدون كآبة او جزع، وإنما يبيّن لنفسه وللقراء كيف يواجه الموت المحتوم الذي يزحف إليه يوما بعد يوم بصبر وشجاعة؟ والكتاب هو شهادة، وهو أيضا عصارة فكر وزبدة خبير، فالمؤلف وهو طبيب وباحث من الطراز الأول وضع في السابق دليلا للمرضى عنوانه “العلاج” يبرز فيه كيفية مواجهة المريض السرطان وضغط الدم دون اللجوء إلى الأدوية، وهو يبين فيه كيف أن الجسم يمكن له معالجة نفسه بفضل عمل المخ من خلال التأمل والحركات والغذاء، وهو يؤكد أن الإنسان لا يجب أن يقف عاجزا أمام أي مرض قد يصيبه بل لا بد أن يقاومه ويتصدى له نفسيا، فالاستسلام للمرض مهما كان يجعله يستفحل، وإلى جانب العلاج الكلاسيكي للسرطان فإن الإنسان المصاب ـ وفق ما جاء في الكتاب ـ يمكن له بفضل القوة الداخلية الكامنة فيه ان يقاوم الداء وان يقي نفسه منه حتى قبل ان يصاب به، وهو يصل الى الاستنتاج بأن أربعين في المائة ممن يصابون بالسرطان ـ في فرنسا على سبيل المثال ـ يمكن لهم باتباع نمط محدد من الحياة ان يقوا انفسهم من المرض وان لا يصابوا به أصلا. والملفت ان المؤلف وهو ايضا مختص في علم النفس، سبق له ان طبق أسلوبا علميا في مساعدة الذين تأكد علميا ان السرطان قد نهشهم وأنهم ميتون لا محالة، والطبيب أعد أسلوبا في مرافقتهم نفسيا حتى الرمق الأخير، والغريب ان الطبيب عاش الحالة نفسها التي شخصها لغيره من المرضى، وقدم بشأنها نصائح للآخرين، وهو في المرحلة الأخيرة للمرض فإنه حاول ـ حسبما جاء في كتابه ـ ان يطبق النظريات التي وضعها على نفسه، وهو يلقي نفس السؤال من جديد من خلال كتابه: ما هي أجدى السبل لمرافقة المرضى المصابين بالسرطان والميؤوس علاجهم في رحلة الأشهر الأخيرة من حياتهم؟ وكيف يمكن التخفيف من أوجاعهم وآلامهم النفسية خاصة؟ والطبيب المريض أعد مع شقيقه الساهر على العناية به أدق تفاصيل الساعة الأخيرة من حياته، فقد أوصى بأنه إذا أحس من حوله بأن أجله قد حان، فإنه يطلب منهم أن يسمعوه سمفونية لموزارت، وأغنيات لشاكيرا التي يصفها بـ”القنبلة”، ولا شك أنهم طبقوا وصيته عند وفاته. وكان سبق لدافيد سرفان شرايبر سبق أن ألف كتابين (احدهما “العلاج” والثاني “مقاومة السرطان”)، وقد عرف عن طريقهما مجدا علميا كبيرا وتمت ترجمتهما الى 40 لغة وبيع منهما ملايين النسخ. والطبيب المؤلف هو ابن جان جاك شرايبر، مؤسس مجلة “الاكسبرس” l’EXPRESS الاسبوعية الفرنسية ذائعة الصيت.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©