الثلاثاء 30 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

مشروع إصلاحي ناهض وتكريس ديمقراطي واعد

28 نوفمبر 2006 01:15
د· رسول محمد رسول: تشهد دول مجلس التعاون الخليجي هذا العام تحولات لافتة على صعيد العمل الديمقراطي ضمن مشروع إصلاحي سياسي واسع النطاق، تسعى هذه الدول ومجتمعاتها إلى تكريسه تواصلاً مع متطلبات التحولات العربية والعالمية التي ترى في الديمقراطية خياراً مهمّاً من شأنه تذليل الكثير من المشكلات السياسية والاقتصادية والمجتمعية التي تواجه عالمنا الراهن· في هذا السياق تأتي العملية الانتخابية التي جرت هذا الأسبوع بجميع محافظات مملكة البحرين، وهي العملية التي تُعد إحدى الممارسات الديمقراطية الجديدة التي دعا إلى تكريسها ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة ضمن مشروعه الإصلاحي الناهض بالبلاد، بعد أن سمح القانون البحريني- وبتوجيهات الملك النافذة في شأن السماح- بمشاركة المؤسسات والجمعيات السياسية رسمياً في الانتخابات العامة إثر سماح المملكة بمزاولة العمل السياسي على نحو معلن في المجتمع البحريني، وهو الأمر الذي أثار اهتمام الأوساط السياسية في البحرين، وفي بقية دول مجلس التعاون الخليجي، والمحيط الإقليمي العربي والإسلامي فضلاً عن الدولي، خصوصاً بعد أن أعلنت جماعات سياسية بحرينية التخلي عن معارضتها المشاركة بالتجربة الديمقراطية الانتخابية بالبحرين، والنزول إلى مشروع المشهد الإصلاحي الجديد بالبلاد، ولذلك شهد المسرح الانتخابي تنافساً قوياً بين الليبراليين والإسلاميين والمستقلين بالبحرين في إطار منازلة ربما هي الأولى من نوعها بالبحرين، من حيث طبيعتها إن لم تكن في منطقة دول مجلس التعاون الخليجي التي ستشهد في غير مكان بها تجارب مماثلة على صعيد تكريس الممارسة الديمقراطية· توجَّه صباح يوم السبت الماضي السادس والعشرين من نوفمبر الجاري أكثر من 295 ألف بحريني وبحرينية إلى صناديق الاقتراع، لترشيح 40 نائباً لـ (مجلس النواب)، من بين 208 مرشحين، وترشيح 40 عضواً لـ (المجالس البلدية) من بين 171 مرشحاً بلدياً موزعين على المحافظات الخمس بالبحرين، ليمارسوا عملهم النيابي والبرلماني على مدى السنوات الأربع القادمة، ووسط حالة من الترقب والانتظار والقلق والأمل والرجاء التي بدا عليها المجتمع البحريني تنافس 206 من المرشحين على 39 مقعداً نيابياً، بينهم 16 امرأة، باستثناء المرشحة (لطيفة القعود) التي فازت قبل كل الفائزين بأول مقعد نيابي· ويتنافس 165 مرشحاً للمجالس البلدية، بينهم 5 نساء على 40 مقعداً، وقد استعدّت مراكز الاقتراع وعددها ،50 (40 بالدوائر و10 مراكز عامة)، لاستقبال الناخبين من جميع أنحاء المملكة الذين يحقُّ لهم الانتخاب، والبالغ عددهم 295 ألفا و686 ناخباً وناخبة (147328 من الذكور و148358 من الإناث)· وفي الوقت الذي سعى فيه المشروع الإصلاحي الذي أعلنه ملك البحرين إلى تحقيق فرص المشاركة الواسعة لكل أطراف المشهد السياسي في مملكته، فإن تجربة يوم أمس الأول شهدت مشاركة شعبية واسعة في الانتخابات، ومن المؤمل أن تحوز رموز تيارات إسلامية دينية فاعلة بالمملكة مقاعد بالبرلمان وبالمجلس النيابي، ومن المؤمل أن تخوض هذه التيارات تجربة كبيرة وواسعة تحت مظلة الحراك الديمقراطي الجديد الذي ستشهده المملكة في مرحلة ما بعد فتح صناديق الاقتراع والإعلان عن الأسماء الفائزة، إلا أنه، وفي خضم هذا المشهد، كان المرشحون البحرينيون المستقلون قد أبدوا قلقهم من مشاركة قوى اليمين واليسار في البحرين بهذه الانتخابات، لأن لهذه القوى جماهيرية ساحقة في المجتمع البحريني، في حين ستنحسر فاعلية المستقلين في المرحلة القادمة· العسكريون والانتخابات كانت المعارضة البحرينية من قبل قد سعت، حتى آخر لحظة، إلى إلغاء مراكز التصويت العامة التي بلغ عددها عشرة، إلا أن هذا لم يتم لها، وكانت المعارضة أيضا قد طالبت بعدم مشاركة العسكريين في الانتخابات، إلا أن ذلك لم يؤت ثماره، فقد أعلن وزيرا الدفاع والداخلية بمملكة البحرين أن العسكريين سيشاركون في الانتخابات تأكيداً للحقوق الدستورية التي كفلها لهم (دستور المملكة) باعتبارهم مواطنين يحق لهم انتخاب أعضاء المجالس النيابية والبلدية الذين سيمثلونهم فى هذه المجالس· وكانت قضية مشاركة العسكريين البحرينيين في التصويت قد أثارت موجة عارمة من الجدال، فقد اتهمت المعارضة القيادات العسكرية بتوجيه العسكريين لصالح مرشحين محدَّدين دون غيرهم، وأكد إبراهيم شريف، الأمين العام لجبهة العمل الوطني الديمقراطي، أن العسكريين البحرينيين تعرَّضوا لضغوط من قبل المسؤولين للتصويت ضد المعارضة، بينما أكد الشيخ علي سلمان، أمين عام جمعية الوفاق، لإحدى شاشات التلفزة عصر يوم السبت الماضي، أن المؤسسات الأمنية بالبلاد نقلت منتسبيها بسيارات تابعة لوزارة الداخلية إلى المراكز الانتخابية، وربما هذا يؤدي إلى ممارسة بعض الضغوط عليهم لتوجيه عملية الانتخاب على نحو يبتعد عن الديمقراطية الحقيقية· إلا أن هذه المخاوف لا تبدو سوى مدخل معتاد في أية تجربة انتخابية تجري في عالمنا الراهن، ولعل ما سعى إليه ملك البحرين هو تحقيق فرصة لمشاركة كل أبناء البحرين في الانتخابات دون استثناء، سيما أن تعداد سكان المملكة قليل، كما أن المؤسسة العسكرية إذا ما حُرمت من المشاركة ستبقى بمعزل عن الحراك الديمقراطي الإصلاحي الذي يراد للمملكة أن تخوضه في هذه المرحلة ويكون رأسمالاً ديمقراطياً للمستقبل· المرأة إزاء الرجل! لقد لعب الإعلام التلفازي دوراً كبيراً في نقل وقائع العملية الانتخابية في غير مكان من المملكة، وكان المشهد متألقاً عندما شاهد الجمهور العربي وكذا العالمي النساء البحرينيات وهنَّ في مشاركة حريصة في عملية التصويت والانتخابات بمراكز الاقتراع، وقبل خمسة أعوام ما كانت المرأة في دول مجلس التعاون الخليجي تشارك بهذه الكثافة مثلما نجده اليوم، وعلى صعيد تجربة البحرين الانتخابية السابقة كانت مشاركة المرأة أقل مما نجده اليوم في الانتخابات الراهنة، فقد أشار استطلاع ميداني أجراه (الاتحاد النسائي البحريني) في وقت سابق قبل يوم السبت الماضي، إلى أن 45% من النساء و40% من الرجال سيقدمون أصواتهم لمن يملك برنامجاً انتخابياً مقبولاً من قبلهم، بغض النظر عن جنس المرشح، بينما ترغب 34% من الناخبات و20% من الناخبين في التصويت لامرأة على كل حال، وستصوت 18% من الناخبات و37% من الناخبين لرجل على كل حال، أي أنَّ النساء سيصوِّتن في المرتبة الأولى لمن يمتلك برنامجاً تمثيلياً أفضل، وفي المرتبة الثانية للمرأة، وفي المرتبة الثالثة للرجل، بينما سيصوِّت الرجال للبرنامج الانتخابي في المرتبة الأولى، ثم للرجل، ثم للمرأة، وبصورة عامة فإن البرنامج الانتخابي قد يحرز 44% من أصوات عموم الناخبين والناخبات، في مقابل 28% من الأصوات للرجال، و28% من الأصوات للنساء، ويلاحظ تساوي النسبة في رغبة المجتمع في التصويت للرجل والمرأة، وبالتالي حدَّة المنافسة بينهما· كما أشارت النتائج إلى الأهمية التي يضعها الناخبون (رجالا ونساء) لمجموعة من القضايا التي تمس حقوق المرأة التي يرون أولوية تداولها في البرلمان القادم (9 أنواع من الحقوق تضمنها الاستبيان هي حقوق المرأة في التعليم والزواج والطلاق وحضانة الطفل والملكية والعمل والجنسية وحرية التنقل والسفر)، فجاء - بحسب النساء- حق العمل في المتربة الأولى (59%)، ويليه حق التعليم (51%)، وحق الحضانة (49%)، بينما- بحسب الرجال- جاء في المرتبة الأولى حق التعليم (46%)، ويليه حق العمل (42%)، وحق الزواج (37%)· وقد اهتم المشاركون والمشاركات في الاستبيان بتبيان أولوية القضايا المتعلقة بالمرأة والأسرة (7 قضايا تضمنها الاستبيان) والتي يرغبون في رؤيتها مضمَّنة في برامج المرشحين والمرشحات، حيث أشارت النساء إلى أولوية القضايا التالية: تقديم خطة عمل لتسريع إجراءات المحاكم الشرعية (81%)، وتقديم خطة عمل لزيادة الوعي حول حقوق المرأة في التشريعات المتعلقة بالأسرة (79%)، وتقديم برامج توعية إلى طلاب الجامعات حول حقوق المرأة في التشريعات المتعلقة بالأسرة (78%)· إن هذه النتيجة، التي تبدو مذهلة، تعكس موقفاً مهماً يعبر عنه حراك المجتمع البحريني المعاصر من حيث إيلاء المسؤولية إلى المرأة في العملية السياسية والمجتمعية التي يراد لها التقدُّم بالمملكة بقدر متساوٍ مع الرجل، وهي النتيجة نفسها التي تؤكد اليوم أن المجتمع البحريني يسعى إلى تجاوز الماضي الذي عاشت في كنفه النُّخب السياسية البحرينية عزلة وإقصاءً أملته ظرفية التاريخ المحلي للبحرين من جهة، وطبيعة الحراك السياسي الإقليمي المحيط بها من جهة أخرى، كما أن المجتمع ذاته يسعى اليوم في ظل التحوُّلات الإصلاحية التي يريد العاهل البحريني الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة تكريسها في مملكته·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©