الثلاثاء 30 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

استعداء «الأخبار» والصحافة الاستقصائية

18 ديسمبر 2010 19:53
تتسلل الصحافة الاستقصائية إلى بلادنا العربية ببطء شديد في بيئة ترسخ فيها منذ زمن إدمان الإعلام على النقد المنحاز للمواقف أكثر من الحقائق، والمرتكز على الكثير من التصريحات وقذف كثيف للكلام بدل التفاعل بالمعلومات والمشورة (أصل المعنى المهني للتواصل) حتى جنحت الكثير من وسائل الإعلام العربية في لعبة ومتاهة تسريبات غير محقّق فيها للمصادر والمصادر المضادة من مراكز قوى وقوى مضادة وتضارب مصالح وبذلك تحولت وسائل الإعلام في أحيان كثيرة إلى أداة تكرّس الأمر الواقع وتخدم أصحابه بدل أن تصلحه وتقدم ثقافة جديدة قادرة على مواكبة تحديات العصر المتجددة دائما. وفي السنوات الأخيرة ظهرت محاولات جديدة (ونادرة) بتأسيس وإصدار صحف ووسائل إعلام تعتمد الصحافة الاستقصائية، كما نشأت في عام 2005 شبكة «إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية» (أريج) التي تحاول أن تنشط في بعض الدول العربية (ثماني دول) والتي عقدت في نوفمبر الماضي بعمان مؤتمرها الإقليمي الثالث وناقشت ترسيخ منهجية متطورة للصحافة الاستقصائية بهدف تحسين واقع مجتمعاتنا وتعزيز مفهوم الحكم الرشيد وتفعّيل دور الإعلام وتوسيع عملية بناء الشبكة لتضم إعلاميين من ثلاث دول عربية أخرى. وتفتخر الشبكة بأنها ساعدت منذ بدايتها في 2005 بنشر زهاء 100 تحقيق استقصائي، وتتوقف عند أبرز ما ترك منها مفاعيل مباشرة في البلد المعني، مثل المساءلات القضائية التي تبعت كشف خبايا سوء إدارة نفايات المستشفيات والمافيات وتلوث النيل في مصر، وإزالة جرافات حكومية سورية لـ»جبال قمامة» قرب دمشق بعد تحقيق صحفي عن سوء إدارة المقاول للنفايات، والإجراءات الحكومية الأردنية لتحسين وضع دور الأيتام الأردنية بعد تحقيق صحفي عن إساءات يتعرض لها الأطفال هناك. وعلى الرغم من «نعومة» هذه التحقيقات، فقد تعرض ثلاثة زملاء (متعاونين مع الشبكة) «للتهديد من قبل مسؤولين وأُجبروا على إيقاف تحقيقاتهم» حول تهريب الصقور المهددة بالانقراض وصناعة منتجات تجميلية محلية تسبب تحسساً جلدياً وتشوهات في الوجه وبيع الكحول المغشوشة. والحال هذه لا تعد مستغربا كثيرا أن يتعرض موقع جريدة «الأخبار» اللبنانية على الإنترنت للقرصنة إثر متابعته الحثيثة لنشر الوثائق الدبلوماسية الأميركية الشهيرة. فقد مثلت تجربة هذه الجريدة منذ انطلاقتها في يوليو 2006 نقلة نوعية في الصحافة اللبنانية والعربية وتجرأت على تجاوز بعض الخطوط الحمر. قد يأخذ البعض عليها أنها انحازت ولم تكن استقصاءاتها على قدم المساواة بين مختلف الأطراف، وقد يكون محقا في ذلك، لكن ما لا يُختلف عليه هو أن ممارستها المهنية - قبل السياسية- أبدعت وأرست نهجاً مضيئاً في سجل الحركة الصحفية العربية المعاصرة. كان المرء يتمنى لو تبنى لبنانيون وعرب آخرون مثل هذا النهج من موقع أيديولوجي وسياسي مختلف أو متناقض مع خط «الأخبار» ومن تمثل، لينعم الجمهور والقارئ بصحافة استقصائية «متوازنة» وبقدر أكبر من المعلومات الحقيقية والشفافية تساعده على الرؤية الصائبة. ولا زالت هناك فرصة لذلك. أما من يحاول كبح جموح «الأخبار» ومثيلاتها فلا يزال قاصرا كما يبدو عن فهم روح العصر الجديد وما ولدّته من نشوء ظاهرة تضامن عالمي بين المناصرين لحرية المعلومات بشكل أتاح للجريدة - كما سبق وأتاح لموقع ويكليكس – مواقع استضافة جديدة بسرعة البرق. لقد حان الوقت لحاجبي وقراصنة حرية المعلومات ومن ورائهم أن يتعلموا الدرس ويحفظوه غيباً. وإن لم يفعلوا فليسألوا الإدارة الأميركية ومحركات البحث العالمية عن ذلك. د.الياس البراج barragdr@hotmail.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©