الثلاثاء 30 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

دول الاحتجاجات: الأمن أهم الأولويات

دول الاحتجاجات: الأمن أهم الأولويات
18 سبتمبر 2012
كيرت شينجلر محلل سياسي أميركي تؤكـد الهجمــات العنيفـة علـى مواقـع دبلوماسية أميركية في ليبيا ومصر واليمن وغيرها، خلال الأيام القليلة الماضية، على أهمية درس تعلمناه مراراً خلال العقد الماضي، يتلخص في أن الأمن يعتبر عنصراً ضرورياً لانطلاق «الديمقراطيات الناشئة» في دول استبدادية. من سيراليون في أفريقيا إلى العراق، هناك أمثلة تثبت مدى أهمية القانون وإعماله في تحقيق التقدم السياسي والاقتصادي والاجتماعي للدول، وأنه لابد من الأمن من أجل بلوغ التنمية على الأقل في الأجل القريب، وإن كانت التنمية ضرورية في بلوغ استقرار طويل الأجل. وفيما انتشرت الاحتجاجات ضد فيلم مسيء للمسلمين أُنتج في كاليفورنيا حسبما تردد، فأي خيارات أمام زعماء هذه الدول ونظرائهم في العالم لتحقيق الاستقرار؟ إن ثمة رهانات صعبة وتحديات عويصة في منطقة تمر بأخطر لحظاتها خلال قرن من الزمان. كل من ليبيا ومصر مثلاً انتخبتا مؤخراً حكومة محدودة النفوذ والسيطرة على قواتها المسلحة والأمنية، وتواجهان مجتمعات منقسمة ناشئة من عقود متوالية من ظلم النظام وعنفه، ولابد لهما من صياغة علاقات جديدة مع الغرب في ظل خطر تطرف إسلامي ماثل. وقد حققت ليبيا الديمقراطية من خلال حرب أهلية، وحققتها مصر من خلال احتجاجات شعبية. في ليبيا وقعت أسلحة كثيرة في أياد مجهولة، أما مصر فإنها تاريخياً تعد تربة للتطرف الديني المشوب بالعنف. وفي ليبيا هناك مؤشرات قوية إلى أن الجهاديين المرتبطين بتنظيم "القاعدة" والمدججين بأسلحة متطورة، هم المسؤولون عن قتل السفير الأميركي كريس ستيفنز وثلاثة من الدبلوماسيين. ومن غير الواضح ما إن كان المتطرفون قد خططوا للهجمة مقدماً أم أنهم انتهزوا الفرصة وسط الحشود. وسارعت الحكومة الانتقالية المشكلة من معتدلين مؤيدين للغرب إلى تقديم الاعتذار للولايات المتحدة عن الواقعة. وفي مصر قام المحتجون الذين تسلقوا أسوار السفارة الأميركية في القاهرة بإحراق العلم الأميركي ورفعوا راية إسلامية سوداء مكانه. ويواجه الرئيس محمد مرسي، بصفته أحد أقطاب جماعة "الإخوان المسلمين" المحظورة سابقاً، المهمة الصعبة المتمثلة في الموازنة بين ميوله الأيديولوجية وواجبات منصبه كرئيس لجميع المصريين. وقد استنكر مرسي الهجمات ووصفها بالأعمال غير المشروعة، لكن فقط بعد أن شجعت حكومته استمرار الاحتجاجات يوم الجمعة بالمساجد. وفي الدولتين، مصر وليبيا، لم تخفق قوات الأمن المكلفة بحماية الدبلوماسيين الأجانب في أداء واجباتها فقط، بل ربما تكون هي ذاتها قد شاركت في العنف. ولم تكن الهجمات ضد السفارة الأميركية في القاهرة والقنصلية الأميركية في بنغازي، أحداث عنف معزولة في كلا البلدين، حيث نجا دبلوماسي بريطاني بأعجوبة من هجمة صاروخية أثناء سفره إلى بنغازي في شهر يونيو الماضي، وهناك معارك مدفعية كثيراً ما تندلع بين أطياف متصارعة في أنحاء ليبيا. وقد راح متطرفون سلفيون إسلاميون يدمرون مواقع دينية صوفية أثرية في ليبيا، ويمنعون فعاليات فنية وثقافية في تونس ذات الديمقراطية الوليدة الأخرى. وعلى الحدود المصرية الإسرائيلية، في سيناء، قتل مسلحون إسلاميون ستة عشر فرداً من قوات الشرطة المصرية عند نقطة حدود الشهر الماضي. وفي كتابته عن مكافحة حركات المتمردين، قال الجنرال ديفيد ريتشارد قائد القوات المسلحة البريطانية: "إن العوامل السياسية والاجتماعية والاقتصادية ربما تكون أهم كثيراً في الأجل الطويل، لكن بدون أمن سيكون من الصعب تحقيق التقدم". ولا توجد مقاربة واحدة -سواء على المستوى الوطني أو الدولي- لتحقيق الأمن تلائم كافة أحوال هذه «الديمقراطيات الناشئة»، لكن هناك ملاحظات معينة قابلة للتطبيق. أولاً، يعتمد نفوذ الحكومة ومصداقيتها على ولاء قوات أمن جيدة التدريب ممتدة في كافة أراضي كل دولة، ولا يزال ذلك تحدياً ماثلاً في كافة الدول التي تشهد إصلاحاً ديمقراطياً في الشرق الأوسط، وهو يشكل أهم دور للدعم الدولي على شاكلة دور القيادة الأميركية الأفريقية في مساعدة الحكومات الأفريقية على تدريب قواتها المسلحة تدريباً احترافياً تحت سيطرة مدنية. ثانياً، من غير الممكن تطبيق أحكام القانون على نحو انتقائي، حيث أبدت الحكومات الناشئة في ليبيا وتونس ومصر، نوعاً من التردد في التعامل مع الجماعات السلفية وغيرها من الفصائل المتطرفة، ولكن ما لم تثبت هذه الحكومة التزامها بحماية حقوق جميع مواطنيها وقناعتها بإخضاع الجميع لنفس القوانين، فإنها ستفتقر إلى الشرعية اللازمة للحفاظ على الاستقرار والدعم الشعبي لتحقيق إصلاحات صعبة. ثالثاً، ربما في منطقة الشرق الأوسط أكثر من غيرها، تلقى أحداث مكان ما بظلالها في أماكن أخرى، إذ أن كميات الأسلحة الكبرى التي خلفتها الحرب الأهلية التي أطاحت بالقذافي تعتبر بمثابة تحذير في مسألة تسليح الثوار في سوريا، إلا أنه في ذات الوقت ربما يعمل عدم التدخل لإيقاف قتل عشرات آلاف السوريين الأبرياء على تقليص مصداقية الولايات المتحدة وغيرها من الأطراف الأخرى بقدر إخفاقها في دفع عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية، التي تعد من أهم المظالم التي يشكو منها المسلمون في أنحاء العالم، وأحد أسباب كراهية الإسلاميين للغرب على وجه الخصوص. وأخيراً يتوقف تحقيق تقدم بناء مجتمعات آمنة ملتزمة بالقانون على علاقات شخصية وشراكات طويلة الأجل مع دول تقدم يد المساعدة، حيث تقول إفادات صادقة عن ليبيين كانوا يعرفون السفير ستيفنز حق المعرفة إنه كان دبلوماسياً مخلصاً استطاع كسب الثقة من خلال التزامه الشديد بحقوق الثوار منذ البداية. ومع انتشار "الربيع العربي"، ينتظر أن تنطوي الرحلة إلى الديمقراطية على كثير من المعاناة، ستكون هناك انتصارات وانتكاسات، وسيتوقف التقدم والتنمية على أمانة الساسة المحليين والوطنيين، وعلى اتساق المشاركة الدولية... ففي مقدورهم معاً إرساء الأمن اللازم لتعزيز طموحات الأفراد والجماعات في أنحاء المنطقة. ينشر بترتيب خاص مع «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©