قصيدتان

نوري الجرّاح أكتب قلبي تنويمة لأجل طفل I نمْ يا حبيبي نمْ رجع الجُناة من السّماء وتُركتْ لي وتراً تقطَّع في قيثارةٍ، ونَغَمْ نمْ يا حبيبي نمْ. *** رَشْحُ دمٍ في مِعصمي، وفي خَرير الماء. *** نمْ في المغارةِ لا تخفْ صَمْتَ المساء، نمْ يا حبيبي نمْ، ماتت مخيلتي وأهدتني السماء، عدوَّةً، والنَّهْرَ مسموماً وآلهتي رمادْ. *** الغروبُ سَرَقَ خَدَّكَ، والصَّيادُ رَجَعَ بقرنِ الغَزال. نمْ في حفيفِ ملابسِ الخالات، رحنَ، وجئنَ، في نومكَ، نمْ . *** نمْ في نُزول الرَّعد، وانْفلاقِ الكَمأةِ نمْ ، يا حبيبي نمْ . II الجنودُ شَطروا بالسِّكينِ ضوءَ القمر والأُمهاتُ رمينَ أغطيةً على الصَّلواتِ نمْ نمْ في خريفِ البيتِ، الراجعونَ من الظِّلالِ دفنوكَ في أسمائهم، نمْ في جناحِ الطَّائرِ المكسور ونمْ في الصُّورْ نمْ يا حبيبي نمْ III الأزهارُ، في جَنباتِ البيتِ، تتوحش نمْ الرُّطوبةُ تعضُّ العتباتِ نمْ الحَجَرُ يُكَشِّرُ للحَجَرِ واليَرقاتُ التائهةُ ترتطمُ باليَرقاتِ نمْ الهواءُ يخبطُ النوافذَ والعاصفةُ تأكلُ الأبواب.. نمْ يا حبيبي نمْ . IV نمْ في نزيفِ النَّهْرِ، وفي عراءِ الأرض. نمْ في العَطَش، ونمْ في وردةِ البيتِ اليتيمةِ، نَمْ وتَذَكَّرْ كلماتِ الأُغنية. *** (تنوحُ الصَّبياتُ في المقبرةْ هنا عندليبٌ هنا قُبَّرةْ هنا دَفَنَتْ طِفلةٌ طِفلةً، وصَبيٌّ صَبياً وبكى حجرٌ على حجرْ..). *** نمْ يا حبيبي نمْ. V الكمائنُ نُصبتْ، والصّيادُ أوقعَ الطائرَ، نمْ ، نمْ في خيال الحَورِ، في ساقيةِ البستانِ ونمْ في فِضَّةِ القمرِ، نمْ في المَطرْ، نمْ في هُيامِ الظِّلِّ، خلفَ البابِ، نمْ في أسى الوديان نمْ في القَمْحِ محترقاً، ونمْ في فِضَّةِ النَّومِ نمْ يا حبيبي نمْ نمْ في حَدِيثِ الجنِّ، في كهفِ الحكايةِ، في كلامِ النَّهْرِ للتُّفاح، ونمْ في خمرةِ الرمان. *** في عامكَ الأولِ زارتنا السُّنونو، في عامكَ الثاني انشغلتُ بسنِّكَ الأولى، وفي أعوامكَ العشرين أعطيتُ فؤاديَ للأرقْ. *** نمْ في هوى الفتيانِ، طاشوا عند بابِ الكهفِ نمْ في كُسُورِ الشَّمْسِ نمْ يا حبيبي نمْ . VI المساءُ تحطَّم في إناءِ البيت والطائرُ بلَّلَ منقارَهُ في قَطْرةِ المَطَرِ. *** الرَّعْدُ فَجَّ الصُّبحَ، وانهمرتْ على قدميكَ حباتُ البَرَدْ نمْ في أقاصي النَّوم نمْ يا حبيبي نمْ. *** العَنْدَليبُ رآكَ في الظِّلِ وحيداً، نمْ في بَهِيمِ الّليلِ، ونمْ في رَجْفَةِ العَندليب نمْ يا حبيبي نمْ. *** نمْ في خِيام الشَّام فبلادُ الشَّام من عكا إلى حلب خِيام نمْ يا حبيبي نمْ *** نمْ في ضَمِيرِ العالمِ المَيْتِ، وانْزَعْ يديكَ مِن الصَّليبِ، وقمْ، فأنتَ الحيُّ. *** نمْ، وتذكَّرْ حائطَ الذِّكْرى وشمسَ الأمنيةْ، نمْ يا حبيبي نمْ . *** نمْ عندَ سَفْحِ الجَبَلِ نَمْ وتَرَقَبْ نجمةَ الزَّمنِ الجديدْ نمْ يا حبيبي نمْ . -------------- لندن 9-3-2014 أطفال قوس قزح لأجل الصغار الذين ناموا الليلة بعيداً عن أسرَّتهم بأصا بعكم التي بُترت مع الكلمات لأنَّها كَتَبَتْ على الجدران تلك الكلمة أكتبُ قصيدتي.. قصيدتي صوتي الدامي وبصيرتي الدامية. بعيونكم التي اقتُلعتْ بالسكاكين لأنّها رأتْ قوسِ قزح على الأبواب، أرى يومي وأتعرَّف طريقي في جحيم العالم. بأجنحتكم التي مُزِّقت بالفؤوس لأنها خضّتْ هواءَ الموت، وبقلوبكم التي خَفَقَتْ بالحبّ لتلك الكلمة، الحرّية أرثُ الأرض ومن عليها وأنوء بهما، على ظهري وحدي كما لو كنت مجنون العالم. بشفاهكم التي عضَّها البَرْدُ وغامتْ في زُرقةِ العالم أتمتمُ تلكَ الكلمةَ. برُكَبِكُم التي كُسرت بالمطارق أقفُ لأنادي العالمَ أيها الوحشُ البشري ها هنا سوفَ تركعُ الأرضُ، غداً وتطلبُ الغُفران. بأيديكم التي حَمَلَتْ الخبزَ إلى البيوت، والماءَ إلى المقاتلين في الحارات، أيديكم التي قبّلتها شفاهُ الآباء، وغسلتها دموعُ الأمهاتِ، أكتبُ. بمِزَقِ ملابسكم وقلوبِكم المشطورة من الرُّعب، بنظراتكم الأخيرة، وهي تُوَدِّعُ العالمَ أكتبُ. بحُطام أسرّتكم، بدفاتركم التي تَركتم مع الأنقاض، بأقلامكم المحترقةِ وشظايا الألواح أكتبُ وأكتبُ وأكتبُ حتى لا يبقى في قاموس العالم كلمة أخرى سوى تلك التي أورقتْ في أيديكمُ الصغيرة. --------------- لندن 16-1-201