الثلاثاء 30 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

«رحيق المعنى» رسالة ملتبسة بين الكاتب والقارئ

«رحيق المعنى» رسالة ملتبسة بين الكاتب والقارئ
10 نوفمبر 2014 23:35
إبراهيم الملا (الشارقة) تحت عنوان «الكتابة: من الفكرة إلى المعنى» وضمن البرنامج الثقافي العام لمعرض الشارقة الدولي للكتاب في دورته الثالثة والثلاثين، تحدث عدد من الأدباء والكتاب والنقاد مساء أمس الأول بقاعة ملتقى الأدب في مركز إكسبو الشارقة، عن آليات الإنتاج والتلقي في المسافة المعرفية المتبادلة بين الكاتب والقارئ، وعن كيفية توصيل فكرة المادة الإبداعية واختمارها في النص قبل أن تتحول إلى ما يمكن نعته بـ(رحيق المعنى) الذي يتفاعل معه هذا القارئ أو المتلقي. وسلط الضوء على هذه العلائق الذهنية والتخيلية والتأويلية بين منتج النص وبين مستهلك هذا النص، كل من الكاتب والناقد التونسي الدكتور عبدالسلام المسدّي، والصحفي والروائي الأميركي ريتشارد سكريمغر، والروائي المغربي عبدالرحيم لحبيبي، والأديب والكاتب المسرحي الإماراتي ماجد بوشليبي، وقدم ضيوف هذه الجلسة الحوارية الكاتبة والإعلامية الإماراتية عائشة العاجل، التي أشارت بداية إلى أن الأفكار تظل دائماً ملتبسة بمعان كثير ومتداخلة والتي ما أن نحاول تخطيها، حتى نجد أنفسنا غارقين في أمواجها، وقالت: «هذا التخطي الذي نريد ليس هروباً من الأفكار والمعاني ولكننا في محاولات لتجنب مغبة التيه في أمواج هذه البحار، وإعادة تشكيل وبناء واقعنا وثقافتنا حتى لا ننجرف لمزيد من التفارق والتباعد». مفهوم ذهني وطرح المسدّي في مستهل الجلسة سؤالا إشكاليا حول ماهية الكتابة بإزاء الفكرة والمعنى، اعتماداً على أن (الكتابة) لفظ قديم كان له معناه، وأصبح له اليوم معنى آخر جديد يكاد يتماهى مع الحداثة، وخصوصاً بعد أن طغت كلمة (الكتابة) على كلمة (الأدب) التي تتضمن نتاجات إبداعية مختلفة كالشعر والنثر، وبالتالي ـ كما أشار المسدي ـ أصبح للكتابة مفهوم ذهني جديد له علاقة بموقف جديد من الأدب، مضيفاً أن لفظة (الكتابة) استخدمت في اللحظة التي نشأ فيها الصراع المفاهيمي بين الأدب والنقد، وعندما ارتدى النص النقدي ثوب النص الأدبي، فأصبح هناك نقد أبداعي، ونقد أكاديمي، استناداً إلى ما حققه النقد الحديث من ابتكار تصورات ومعايير حديثة، فظهر ما سمي بالمجاز الذي مهّد لخطوة أشبه بالمهادنة الطويلة والاتفاق التصالحي بين النقد والأدب. وقال المسدي: «وهكذا برز مشكل (المعنى) الذي قام على أسئلة جوهرية مثل: أين يكمن المعنى، وأين يختفي المعنى، هل هو في باطن صاحب النص، أو في باطن المتلقي»، مضيفاً أنه وبعد إماطة الحيرة والإبهام عن هذه الأسئلة، يتكشف لنا ما يسمى (الإدراك) في إشارة إلى الاستجابة المتوقعة من المتلقي، وهل فهم المعنى أم لم يفهمه، وهل وقف عند حدود النص أم تجاوزه إلى التأويل وهكذا كما أكد المسدّي، فإن المبدع مسؤول عمّا يكتب، ومسؤول عمّا نفهم عنه، أما الناقد أو المتلقي فهو مسؤول عمّا يتأوله. بلا وصاية بدوره تحدث الروائي الأميركي ريتشارد سكريمغر المتخصص في أدب الأطفال، مشيراً إلى أنه يسعى إلى تبادل أفكار الكتابة مع المتلقي، وأن يتعرف القارئ على رحيق المعنى الذي أراد إيصاله له، وقال إن دور الكاتب هو إيصال رؤيته للحقيقة، رغم أنها رؤية قد لا يتفق معها الجميع، منوهاً إلى أن معظم كتاباته الأدبية موجهة للأطفال، ومن دون وصاية أو وعظ مباشر، لأن الطفل ـ كما قال ـ «لديه حاسته النقدية الخاصة به، وعلينا أن نطور هذا التفكير النقدي لديه، لكي يصبح مبدعاً وكاتباً في المستقبل»، وأضاف بأنه لا يكتب نصوصاً توضيحية صارمة، بل نصوصاً تحرك خيال الطفل وتخلق منه قارئاً جديداً لنص محايد. ونوه سكريمغر إلى أنه غالباً ما يقوم بالتواصل مع شخصياته الروائية المتخيلة في ذهنه، لأن لكل شخصية منها حضور خاص وفاعلية مؤثرة في الحبكة وفي مستويات السرد، وبالتالي فهو يستمع أيضاً للصوت الداخلي والحقيقي لهذه الشخصيات. رحلة فاتنة أما الروائي المغربي عبدالرحيم الحبيبي فاستند على روايته «تغريبة العبدي» كمنطلق لشرح وجهة نظره حول علاقة الفكرة بالمعنى في رحلة الكتابة الشائكة والفاتنة أيضاً، متتبعاً رحلة (العبدي) في القرن التاسع عشر الذي يعبر الصحراء والساحل وصولًا إلى طريق الحجاج التي تقوده إلى مكة المكرمة، حيث تقوم فكرة الرواية على تداخل النص القديم بنص جديد يكتبه محقق المخطوط الأصلي للرحالة (العبدي) من حيث تصديه للتحقيق الذي ينبش في الشروح والمراجع، ويتنقل من المتن إلى الهوامش، وبالتالي تتحول الرواية إلى مزيج بين نصين، أحدهما قديم، والآخر معاصر، وتتحول الفكرة إلى متواليات كبرى وصغرى، تنتج في النهاية المعنى الذي أرادت الرواية إيصاله إلى القارئ. جاذبية داخلية بدوره أوضح الكاتب والمؤلف المسرحي الإماراتي ماجد أبوشليبي من خلال عرض تجربته الشخصية مع الورش التدريبية للكتاب المسرحيين الجدد، أن الكاتب لا يمكن صناعته من فراغ، بل هو ابن المزاج العام لبيئته ومدينته، وضرب مثلاً بمدينة الشارقة التي صاغت مزاجه الأدبي انطلاقاً من المكونات الثقافية الحاضرة فيها وبقوة والمهيمنة على مناخها الاجتماعي العام، والتي تأثر بها بوشليبي ووجد نفسه مدفوعاً بحب وجاذبية داخلية للتعاطي والتفاعل مع هذا المناخ الفكري الحيوي فيها. وقال إن الشارقة في فترة الثلاثينيات كانت تضم خمسة صالونات أدبية، وخمس مكتبات عامة، وانتشرت فيها صحف الحائط والمجلات والدوريات، ولذلك ـ كما أشار ـ لم يكن غريباً ظهور مجموعة متميزة من الشعراء والباحثين والأدباء في هذه البقعة الجغرافية المضيئة والمشغولة بالثقافة والفكر منذ القدم. وتحدث بوشليبي عن الفكرة والمعنى في الكتابة المسرحية، انطلاقاً من تجربته في كتابة نصوص مسرحية تجاوزت إطارها المكتوب، وتحولت إلى نصوص بصرية متعددة الأشكال والأنماط والرؤى على خشبة المسرح، وقال إن نصاً بعنوان «حمدوس» كتبه للمسرح، تحول إلى ثلاثة أعمال مختلفة في تفاصيلها وبنائها السردي والمشهدي. وأكد بوشليبي أن النص المسرحي، هو نص قابل للتطور وغير ثابت عندما يعيد كل مخرج تشكيله حسب رؤيته وحسب تجربته وحساسيته الإبداعية الخاصة والمستقلة عند تعامله مع النص الأصلي، لأنه نص ثابت شكلياً عند وضع النقطة الأخيرة على سطر الورقة، بينما نرى النص نفسه وهو يتحرك في أفق لا نهائي عندما يمارس تمرده الجمالي والأدائي، كي ينطلق ويتشظّى بحريّة على خشبة المسرح.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©