محمد عبدالسميع (الشارقة) غيب الموت مساء أمس، السبت 18 فبراير 2017، قامة تراثية وبحثية مهمة وذاكرة حافظة للتراث، الكاتب والباحث عبدالجليل السعد، بعد دخوله في غيبوبة استمرت تقريباً شهراً. واشتهر الراحل بتعدد عطاءاته وكتاباته التي تنوعت بين كتابة السيناريو السينمائي (كتابة سيناريو فيلم الرمال العربية)، وكتابة حلقات تلفزيونية (سوالف بو عريفان)، والبحث الثقافي والتراثي، والمقالة الصحفية، والترجمة من الإنجليزية إلى العربية، والنقد المسرحي، والكتابة في الموسيقى الشعبية، والموال الشعبي، وزينة المرأة، والحكاية الشعبية. أثرى «جليل» المكتبة التراثية الخليجية العربية، بعدد كبير من الأبحاث والإصدارات والدراسات. وكتب في العديد من الصحف الإماراتية (الاتحاد، الخليج، البيان، الظفرة)، وفي الصحف البحرينية (صدى الأسبوع، الأيام، الوسط)، ومجلة رؤى العُمانية، وكان فاعلاً في الحراك الثقافي المحلي ومتابعاً لما يدور فيه، وشارك في نشاطات عديدة كالندوات والحلقات النقاشية، وهو من كتاب «الاتحاد الثقافي» الذي ينشر له في عدد الخميس المقبل، 23 فبراير 2017، آخر ما كتب في التراث. تعدد المنجز وتنوعه وعبّر مثقفون وباحثون متخصصون في التراث لـ «الاتحاد»، عن فداحة هذا الفقد، وقدموا شهادات وقراءات في تجربته البحثية والتراثية، متطرقين إلى دوره في التعريف بالتراث الإماراتي والخليجي، ونشاطه على أكثر من مستوى ثقافي. وقال عبد العزيز المسلَّم رئيس معهد الشارقة للتراث: «رجال التراث لهم دورهم الأساسي والمهم في الحياة الثقافية المحلية العربية، إذ هم الجنود المكلفون بحفظ الموروث الشعبي ونقله بأمانة وعمق إلى الأجيال القادمة». وأضاف المسلم: «لقد فقدنا واحداً من أبرز باحثي التراث المعاصرين في الخليج، وهو الباحث المجتهد المميز والمرجع عبدالجليل السعد، ومهما كتبنا عنه، فلن نوفيه حقه. له الكثير من الأعمال البحثية التراثية الممتعة الشاملة والحكايات التراثية التي تنبع من الأعماق. ينتقي العبارات السهلة الواضحة لتصل إلى الناس. تنقل بين العديد من بلدان الخليج لجمع المزيد من تراثنا الخليجي العربي، والتقى عدداً من الباحثين الأوروبيين واليابانيين المتخصصين في أداب وتراث الخليج، وسعى كثيراً للتعريف بالتراث الخليجي، وترجمة العديد من الكتب والأعمال المهتمة بالتراث الثقافي الخليجي». ولفت المسلم إلى أن هذه الجهود «أثمرت عدداً من الكتب، ومنها: حكايات شعبية (قصص أطفال)، 25 سنة من المسرح (كتاب توثيقي)، عثمان باروت، سيرة شخصية، الموال همس الماء (دراسة)، المحرق رائحة المكان. وله العديد من الأبحاث التي تتحدث عن دور جمعيات الفنون الشعبية وتطوير الحرف الشعبية، وتتناول صنعة ورقم الطبول والأدوات الموسيقية. وكان يشغل باله ويؤرقه تحول الحياة من بساطتها إلى التعقيد والمعاصرة». وتابع المسلم: «بالإضافة إلى كونه كاتباً تراثياً من الطراز الأول، كان جليل راوياً للموروث الشعبي الخليجي، يشهد له بحفظ الكثير من الروايات الشفاهية في الخليج العربي. ومن أبرز ميزات جليل موهبته في حفظ الروايات التاريخية التي مكنته من جمع مخزون هائل من الروايات القديمة حتى أصبح مصدراً ومرجعاً حياً نادر المثال للتراث الشعبي الإماراتي بشكل خاص والخليجي عامةً، وقاموساً لحكاياتها. تحرى الدقة والصدق والعمق في كتاباته، وتحمل عناء البحث والسفر والتنقل في سبيل ذلك.. نسأل الله العلي القدير الرحمة والمغفرة لرجل التراث عبدالجليل السعد». تجديد من جهته، قال الباحث والشاعر علي العبدان عن الراحل عبد الجليل السعد: «حين نفتقد باحثاً جادّاً وقديراً كالأخ عبدالجليل السعد، فإنما نفقد موسوعةً من الأفكار والرؤى الرائدة في مجال التراث الثقافي، ذلك أن الراحل - رحمه الله - كان ينطلق من جذور تراثية متمكنة، وأصول ثقافية محكمة إلى آفاق جديدة من البحث التراثي تعود على القارئ أو المتلقي بقيَم فكرية وأدبية وثقافية، قد لا تظهر له ابتداءً خلال البحوث التقليدية، فقد كان عبدالجليل السعد ملماً بالعديد من مناحي التراث الثقافي والأدب الشعبي الخليجي، ولا أدل على ذلك من بحوثه في فن «الزهيريات»، وقد طبع له كتاب عن فن «الزهيري» ومبدعيه في الإمارات، وكذلك عن الآلات الموسيقية الشعبية في الإمارات، كما كتب عن الفنان الراحل جابر جاسم». ولفت العبدان إلى أن السعد «اهتم بشجرة العرب النخل، وكتب عنها في الثقافة الإماراتية، وكذلك عن بعض الأمثال والآداب والألعاب الشعبية، وتاريخ دخول الحداثة إلى منطقة الخليج، وما تبع ذلك من تغيرات اجتماعية ولغوية وديموغرافية، ولقد كان الفقيد مجتهداً ومنظماً ممتازاً للمحاضرات والندوات الثقافية لما كان يمتاز به من موسوعية في الاطلاع، أهلته لتقييم موضوعات الندوات ومدى حاجة المجتمع المحلي إليها، ولا بد هنا من التقدم بالشكر الجزيل إلى معهد الشارقة للتراث الذي نشر العديد من مؤلفات الفقيد الراحل، وأسأل الله سبحانه أن يتغمد برحمته فقيدنا الكريم عبدالجليل السعد، ويدخله فسيح جناته، ويجزيه عنا وعن تراثنا وآدابنا الشعبية خير الجزاء». ليس عابراً وقال د. منّي بونعامة رئيس قسم الشؤون الثقافية معهد الشارقة للتراث: «كان عبد الجليل السعد أخاً عزيزاً، وصديقاً حميماً، وباحثاً مجتهداً، وقارئاً نهماً يبحث عن المعلومة التراثية أنّى كانت. تشاركنا معاً هماً واحداً، وهو الثقافة بشؤونها وشجونها، وكنا نعمل دائماً في قسم الشؤون الثقافية بالمعهد على إحداث الفرق والارتقاء بالمنتج الثقافي والمنجز البحثي التراثي إلى أرقى مستوياته». وزاد بو نعامة: «لم يكن عبد الجليل السعد شخصاً عادياً يعبر في العابرين دون أن يحدث وقعاً ويترك أثراً باقياً ما تعاقب الجديدان، وقد كانت سيرته الذاتية ومسيرته المهنية والعلمية أنصع برهان على ذلك، حيث نقّب في التراث موثقاً عناصره ومكوناته، محتفياً بسير رموزه وأعلامه، محققاً ومدققاً مختلف موضوعاته المهمة. وتكشف لنا مؤلفاته القيّمة عن قامة تراثية وثقافية فارعة كانت لها إسهاماتها المحورية في جمع التراث وتوثيقه وحفظ الكثير من معارفه من الضياع والاندثار». وختم بالقول: «هكذا ترجّل الباحث التراثي الأبيّ بعد أن أسهم إسهامات رائدة وموفّقة في مجال التراث الثقافي الإماراتي وتراث منطقة الخليج». ووصف الفنان التشكيلي الدكتور محمد يوسف الذي تربطه بالفقيد صداقة قديمة، بأنه «باحث تراثي مهم على الساحة الإماراتية والخليجية، علاقاته الفكرية والثقافية ثرية ومتشعبة وممتدة عبر الأقطار الخليجية». وأضاف يوسف: «للباحث التراثي عبدالجليل السعد العديد من الأبحاث والدراسات التي تناولت الموروث الشعبي الخليجي بشكل عام والإماراتي بشكل خاص. والتي تجعلك تحب الثقافة والفن والتراث الخليجي وتتعمق في دراسته». وختم يوسف بأمنياته في أن «تكون الأجيال الحالية والقادمة على القدر نفسه من العزيمة والتفاني في تناول التراث بعمق وإخلاص كما كان عبدالجليل السعد».