احتفت الحكومة الأسترالية الأسبوع الماضي بإحرازها نصر سياسي وأخلاقي كبير، حيث انه وبعد سنوات من الجدل والفوضى السياسية التي دارت حول قضية التغير المناخي، صوَّت البرلمان على تحديد سعر للكربون يهدف إلى معاقبة المصانع التي تخلف انبعاثات أكبر ومكافأة تلك التي تتبنى استخدامات الطاقة النظيفة. وتُعد هذه بمثابة الخطوة الأولى في السلم المؤدي إلى تجارة أذونات الكربون ذلك النظام المعمول به بالفعل في أوروبا والذي يعرف باسم برنامج تجارة الانبعاثات. ومفاد هذه الفكرة إرغام المصانع التي تخلف انبعاثات أكثر على شراء الأذونات باهظة التكلفة حتى يكون لها الحق في الاستمرار في التلوث. وتقوم تلك التي تقلل من بصمتها الكربونية ببيع ما لديها من فائض في أذوناتها غير المستخدمة لنظيراتها التي تفشل في تقليل انبعاثاتها. ولن يكن في مقدور أستراليا بيع مثل هذه الأذونات حتى حلول عام 2015، حيث من المنتظر أن تبدأ نظام سعر التلوث في منتصف العام المقبل بسعر ثابت يبلغ 23 دولار أسترالي لطن الكربون الواحد، والذي يتحول من ثم إلى برنامج تجاري بسعر معوم في منتصف عام 2015. ومن الطبيعي أن لا تقتصر تجارة أذونات التلوث على تلك المصانع التي تحتاج إليها فحسب مثل محطات الطاقة العاملة بالفحم ومرافق الكهرباء ومصانع الحديد والصلب ومصاهر الألمنيوم. كما تكوِّن تجارة المضاربة التي تعتمد على أسواق العقود الآجلة، جزءاً من هذه المعادلة. ويسمح سوق العقود الآجلة للعميل بتحديد سعر ثابت وهو الشيء نفسه الذي يقوم به المزارع لضمان الربح قبل حصاده لمحصول ما. لكن إذن الكربون ليس هو بالشيء المحسوس، حيث إنه ليس بوشل من القمح أو برميل من النفط. وفي حالة تثبيت سعر يجعل عملية القيام بالتلوث مجدية اقتصادياً، إذن ما هو المحفز الذي يقود إلى تقليل الانبعاثات الكربونية؟. عندما تبنى الاتحاد الأوروبي نظام تجاري في العام 2002، قام بالإفراط في إصدار الأذونات مما يعني بالكاد التأثير على عملية التلوث. وهناك مصالح مكتسبة في الاستحواذ على الأسواق أو محاولة الموازنة بين تلك الأسعار التي لا علاقة لها بخفض التلوث. وليس هناك ثمة ما يدعو للاستغراب مع وجود سوق عالمية للكربون يبلغ حجمها 144 مليار دولار (528,9 مليار درهم). وتوجد عقود آجلة وسندات للكربون يتم تجميعها وبيعها في وحدات كأصول كربون لا تختلف كثيراً عن سندات الرهن العقاري المدعومة والتي كثيراً ما تُعزى إليها أسباب الانهيار المالي في 2008. وتشترك مختلف المؤسسات في هذه السوق، من بنوك كبيرة مثل “جولدمان ساكس” و“باركليز” و”جي بي مورجان”، وهي شركات تكاد لا تملك التفويض الكافي الذي يخول لها شراء أرصدة الكربون لمحاولة إنقاذ البشرية من خطر الاحتباس الحراري. وبرز سوق آخر في المشتقات الكربونية، وهو بمثابة آلية معقدة تعكس مدى الممارسات التي تقوم بها بعض أسواق المال الأخرى. وبأخذ “عقود الفرق” التي يتم تداولها في أوروبا وأستراليا، نجد أن فائدة السهم الواحد منها يمكن أن تبلغ 100 ضعفاً. ويضارب العاملين في هذه العقود بالفعل في قيِّم عقود انبعاثات الكربون الآجلة. ويمكن توفير سوق “عقود الفرق” في حالة وجود سوق عقود آجلة لسلعة ما قابلة للنمو. ويقول كريس ويستون أحد المضاربين في سوق “آي جي” في ملبورن بأستراليا “إذا توفر سوق عقود آجلة لائتمان الكربون يوافق الناس على ممارسة التجارة فيه، يمكننا توفير ذلك الكربون”. وتخطط مجموعة “أيه أس أكس”، التي تعمل على تشغيل بورصة أستراليا الرئيسية، لتوفير أسواق ثانوية وللعقود الآجلة لمخصصات الكربون وذلك حتى قبل البدء البلاد في نظام تجارة الانبعاثات في عام 2015. ويمثل توفير مثل هذه الأسواق ليتم فيها تداول أذونات الكربون، مفتاح نجاح النظام التجاري. وهذا هو الخطاب الذي توجهه التعاملات المالية إلى أسواق العقود الآجلة للحصول على أفضل أسعار للكربون، بدلاً من تقليل اعتماد البلاد على الصناعات التي تخلف الانبعاثات الكربونية. ويظل السؤال: ما هي أكبر الصناعات التي تخلف الانبعاثات الكربونية؟ باختصار، إنها شركات الموارد والطاقة الكبيرة، التي سيتم إرغامها إما على شراء الأذونات بصورة مباشرة، أو تقليل انبعاثاتها بشكل كبير مما يقود بنفس القدر إلى خفض معدل إنتاجيتها، أو شراء الأذونات على نحو عالمي. ومما هو مؤكد، ترجيح هذه الشركات لكفة هذه الخيارات اعتماداً على تقليل التكلفة وكذلك الأرباح، ومن ثم تسعى لاستعادة تكاليفها عبر أحد الخيارين مع محاولة رفع الأسعار لمصلحتها. نقلاً عن: «ذي ناشونال» ترجمة: حسونة الطيب