ينتهي موسم الحج ليبدأ موسم آخر من الاحتفالات بعودة الحجاج في قرى ومدن مصر، والتي تتخذ أشكال الأعراس العائلية، التي تنطلق تحضيراتها بمجرد علم أسرة الحاج أو الحاجة بموعد مغادرته للمملكة السعودية، وتدوم لأسبوع على الأقل بعد عودته إلى الديار، خاصة لمن أدوا الفريضة للمرة الأولى في حياتهم. وفي ظل هذه الاحتفالات تنشط بعض المهن، وتتوطد العلاقات الاجتماعية في تلك الفترة التي تعد موسما للفرح والبهجة. محمد عبدالحميد (القاهرة) - تأخذ طقوس الاحتفال بعودة الحجاج في مصر عدة مظاهر تبدأ قبل أسبوع على الأقل من موعد عودة الحاج؛ حيث تعمل أسرته على تنظيف البيت جيدا، وطلاء الحوائط وتزيين واجهته برسوم تبين رحلته للأراضي المقدسة، وهو نوع من فن الجرافيتي، تحرص غالبية الأسر لاسيما في الريف على تكون حاضرة دوما ضمن طقوس استقبال حجاج بيت الله، وتلجأ العائلات مهما كان وضعها المادي إلى توفير كل ما يحتاج إليه الخطاطون من دهانات لرسم تلك الرسوم. رسوم معبرة يحتاج الخطاط لنحو 6 ساعات على الأقل كي ينتهي من أداء عمله في تزيين واجهة البيت برسوم الحج المختلفة وهي غالبا ما تكون: الكعبة المشرفة وغار حراء ومقام سيدنا إبراهيم والحجر الأسود والمسجد النبوي، إلى جانب صور لوسيلة المواصلات التي استخدمها الحاج في رحلته سواء كانت طائرة أو باخرة أو حافلة في حالة السفر برا، إلى جانب كتابة الآيات القرآنية عن الحج، والبسملة وشهادة التوحيد، وأسماء الله الحسنى، وعبارات أخرى مأثورة مثل «حج مبرور وذنب مغفور، يا رايحين للنبي الغالي هنيلكم وعقبالي» و«صلي على النبي» و«الله أكبر» و «ألف مبروك يا حاج» ويتقاضى الخطاط نظير ذلك مبالغ مجزية. ومن الطقوس أيضا الحرص على الخروج في جماعة إلى أماكن وصول الحجاج للأراضي المصرية سواء في المطارات أو الموانئ، وحتى من يسلك منهم الطرق البرية يتم انتظاره عند مدخل مدينته أو قريته. ويحرص الأقارب والأصدقاء والجيران على انتظار الحاج بسياراتهم وبعضهم يحرص على أن يصطحب معه فرقا موسيقية شعبية ممن يجيدون المزمار البلدي والإنشاد الديني، وهناك من يتطوع بالطبل وغناء الأهازيج والتكبير بمجرد رؤية الحاج خارجا اليهم من صالة الوصول. ومع خروج الحجاج تتعالى الزغاريد، وتبدأ الكاميرات في التصوير، والكل يتسابق لعناق الحاج قبل اصطحابه في سيارة مزينة بالورود وروائح العطر، وترفع على مقدمتها أعلام مصر والسعودية ورايات بيضاء وينطلق الموكب في احتفالية مهيبة، مصحوبا بالزغاريد وطلقات البارود ونفير السيارات طوال الطريق إلى أن يصل إلى بيت الحاج، وهناك يستقبله الحضور أيضا بالزغاريد والتكبير. ويتم نحر رأس من الماشية على عتبة باب البيت قبل أن يخطو الحاج بقدمه إلى الداخل لطرد الشياطين من مكان بيت الحاج! كما تعلو مكبرات الصوت بقراءة القرآن الكريم، وبعدها يدخل الحاج بيته وهو يدعو ويصلي على النبي إلى أن يستقر داخل غرفه نومه فيتركه الجميع ليخلد إلى الراحة بضع ساعات انتظارا لبدء طقوس اليوم الثاني، والتي يكون هو بطلها الأول ومحط أنظار الجميع. مزار كبير يتحول منزل الحاج إلى مزار كبير يفد إليه الناس من أماكن شتى حيث تحرص أسرة الحاج على استقبال المهنئين بتقديم ولائم الطعام لهم، وتتكفل نساء العائلة بتحضير أصناف شتى من المأكولات للضيوف، لاسيما «فتة الرقاق بلحم الضأن»، الذي يعتبر الطبق الأساسي الذي يتم تقديمه للمباركين بهذه المناسبة، إلى جانب صواني الحلوى وهي أيضا تتكون من رقاق باللبن والسكر والسمن البلدي. كما يحرص المهنئون، لاسيما من الأقارب والأصدقاء على تقديم النقوط أو الهدايا لأسرة الحاج بعضها مادي داخل أظرف مغلقة عليها أسماؤهم، إلى جانب عبارات من نوعية «حمدا لله على السلامة، حجا مبرورا وذنبا مغفورا»، وبعضها هدايا عينية على هيئة مأكولات وسلع غذائية كأكياس السكر والدقيق والأرز والزيت والسمن البلدي، إلى جانب طيور وخرفان وأصناف من الفاكهة والحلوى. ومن العادات المتوارثة عند المصريين والتي لا تزال غالبية الأسر لاسيما في الريف تحرص عليها بقاء الحاج في منزله سبعة أيام متصلة لا يسمح له خلالها بمغادرة بيته، إلا في الحالات الطارئة فقط كالمرض أو أداء واجب العزاء وغير ذلك يظل الحاج في منزله جالسا في غرفة استقبال الضيوف يرتدي جلبابا أبيض وعباءة مزركشة تزين كتفيه وطاقية بيضاء على الرأس. وأحيانا عمامة وبيده المسبحة لا تفارق أصابعه أبدا، وهو يجلس في صدر قاعة الضيوف ليستقبل المهنئين الذين يتوافدون بالعشرات منذ الصباح وحتى ساعات متأخرة من الليل، وبعضهم يبيت في منزل الحاج لأنه قادم لتهنئته من مدينة أو قرية بعيدة. وهناك طقوس أخرى على الحاج اتباعها في استقبال المهنئين تبدأ بعد السلام والتحية بتقديمه لأكواب بها ماء زمزم، ويهم بمجرد استقباله للضيوف بدعوتهم لشرب ماء زمزم كنوع من البركة. وهو يدعو لهم بزيارة بيت الله والتمتع بما عايشه من روحانيات في رحلة الحج، وبعدها يروي لهم ما مر به من أحداث في رحلتي الذهاب والعودة، وكيف رأى الكعبة وسعى بين الصفا والمروة ورجم إبليس ونحر الأضحية، والمواقف الطريفة التي واجهته مع أبناء الجاليات الإسلامية. مسؤوليات اللقب بمرور الأيام السبعة يسمح للحاج بالخروج من بيته وقضاء مصالحه، وتبدأ مرحلة أخرى من الاحتفاء به بين أهل قريته أو الحي الذي يسكنه، تبدأ بمنحه لقب حاج فلا يذكر اسمه أبدا إلا مسبوقا بهذا اللقب الغالي، إلى جانب أن من حوله يعاملونه بأكبر قدر من درجات التوقير والاحترام والتصديق لكل ما يقوله من روايات أينما حل في مجلس أو مكان لاسيما في الريف؛ حيث يكون للحاج هالة فهو العائد توا من زيارة بيت الله الحرام، ومن غير الجائر تكذيبه أو مراجعته فيما يقول، ويسعى الحاج إلى أن تتفق سلوكياته مع تلك المعاملة الجيدة التي يلقاها، لاسيما في الأمور الخاصة بالحرص على صلاة الجماعة في المسجد، ودعوة من حوله للصلاة فور سماعه الأذان.