اتفقت دول الاتحاد الأوروبي على رفع ميزانية الاتحاد للعام المقبل 2% إلى 129 مليار يورو (174 مليار دولار) بعد محادثات على مدى أكثر من 15 ساعة انتهت في الساعات الأولى من صباح أمس. ويعتبر الاتفاق انتصاراً للعواصم التي تشتد حاجتها للسيولة والتي تعاني مصاعب في ظل أزمة الديون الأوروبية، حيث كانت تعارض مطالب مشرعين أوروبيين لزيادة الميزانية أكثر من 5%. لكن بعض مسؤولي الاتحاد عزوا تقييد رفع الميزانية إلى توقعات بأن يتسبب التضخم في العام المقبل في عجز الكتلة عن سداد التزاماتها، ما قد يهدد التصنيف الائتماني الممتاز لميزانية الاتحاد الأوروبي. وقال ياسيك دومينيك نائب وزير المالية البولندي الذي تتولى بلاده حالياً الرئاسة الدورية للاتحاد في ختام اجتماع في بروكسل إن “الاتفاق أقر بالإجماع”. وقال يانوس ليفاندوفسكي مفوض الميزانية بالاتحاد الأوروبي والذي كان يقترح زيادة الإنفاق خمسة بالمئة في 2012 “تلك بوضوح ميزانية تقشف، إذ إن معظم الدول الأعضاء تمر بأزمة مالية خطيرة”. وأضاف “تواجه المفوضية الأوروبية الآن خطراً حقيقياً لنفاد الأموال خلال العام القادم ومن ثم لن نستطيع أداء كل التزاماتنا المالية تجاه المستفيدين من أموال الاتحاد الأوروبي”. ويرجع هذا إلى أن الحكومات رضخت لمطالب البرلمان الأوروبي للسماح بالتزامات الإنفاق للاتحاد بالارتفاع إلى 147 مليار يورو العام القادم، وفي الوقت نفسه الاتفاق على ألا تزيد مساهمات الدول في ميزانية الاتحاد عن 129 مليار يورو. وقال مسؤول بالاتحاد الأوروبي “التزامات اليوم تصبح مدفوعات الغد، لذا فإنها لعبة شديدة الخطورة بالفعل”. وينفق أكثر من ثلثي ميزانية الاتحاد الأوروبي على دعم المزارعين ومساعدات إقليمية لتمويل بناء الطرق وحماية البيئة ومشاريع أخرى. وأعلن وزير المال الهولندي كيس دي ياجر مساء أمس الأول الاتفاق، لكن البرلمان الأوروبي كان يطالب بضمانات بشأن تعهدات الدول. وكان دي ياجر تحدث عن سقف الميزانية عند وصوله إلى بروكسل. وقال إن “المجلس قرر زيادة نسبتها 2% للنفقات تعادل التضخم المتوقع في 2012”، مشيراً إلى أن “كل الحكومات في أوروبا تتبنى إجراءات تقشفية وتقوم باقتطاعات في الميزانية”. وأضاف “سيكون زيادة الميزانية أمراً غريباً”. وتأتي الميزانية المشتركة للاتحاد من مساهمات الدول الأعضاء فيه. ويشكل الاتفاق هزيمة للنواب الأوروبيين الذين صوتوا في 26 أكتوبر مع مشروع ميزانية حددت النفقات فيها بـ 133,1 مليار يورو. لكنهم كانوا مدركين أنهم لا يستطيعون إجبار الحكومات التي تواجه معظمها ديوناً كبيرة ومضطرة للاستدانة من الأسواق بفوائد مرتفعة. وقال النائب الفرنسي المحافظ آلان لاماسور إن “الواقعية غلبت”. وأضاف أن “الجميع كان يعرف أن أرقام المجلس كانت السقف الذي يمكن أن تقدمه الدول”، معبراً عن أسفه لأن “الميزانية الأوروبية تحت رحمة الأوضاع المالية للدول التي لا تتمتع بإدارة جيدة وبذرت الأموال منذ سنوات”. وتابع أن أفضل حل لتجنب هذا الوضع هو تزويد الاتحاد الأوروبي بموارد مالية خاصة به بدلاً من المساهمات الوطنية. إلا أن النواب حصلوا على وعد سياسي من الحكومات حول تأمين تمويلات إضافية إذا احتاج الأمر. وكانت الدول الأوروبية قطعت وعداً مماثلاً عند إقرار ميزانية 2011. وقد حشرت مساء أمس الأول عند تقديم المفوضية الأوروبية طلباً بزيادة ميزانيتها بمقدار 550 مليون يورو في 2011. ورفضت الدول الأعضاء هذا المبلغ وخفضته إلى 200 مليون يورو. إلا أنها وافقت في المقابل على زيادة تبلغ أكثر من مليار يورو في التزاماتها في ميزانية 2012 التي ارتفعت من 146,2 مليار يورو إلى 147,2 مليار يورو. وهذه المبالغ لن تدفع لأنها التزامات لدفعات مقبلة. وتحدد الميزانية الشاملة للاتحاد لسبع سنوات وتشكل الآلية الرئيسية لإعادة التوزيع داخل الاتحاد. ويمهد الاتفاق الذي أبرم فجر أمس حول ميزانية 2012 للمعركة المقبلة حول ميزانية 2014-2020. واقترحت المفوضية زيادة نسبتها خمسة بالمئة عن الميزانية السابقة على سبع سنوات، تسمح برفع الإنفاق إلى 1083,3 مليار يورو أي نحو 1,11% من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي الأوروبي. لكن هذا الاقتراح رفض من قبل تسع دول اعتبرت أن المبلغ كبير جداً في أجواء التقشف العامة. وهذه الدول هي النمسا والدنمارك وألمانيا وفنلندا وفرنسا وإيطاليا وهولندا والسويد وبريطانيا. وتعتبر المحادثات بشأن إنفاق الاتحاد الأوروبي في 2012 مقدمة لمعركة أشد بشأن الميزانية طويلة الأجل التالية للفترة من 2014 إلى 2020.