منذ نصف قرن من الزمن كان لدى كبريات شركات النفط الدولية الهيمنة الفنية والاقتصادية على سوق النفط العالمية عموماً. وكانت الدول الغنية بالنفط تفتقر إلى التقنية ورأس المال والمهارات الإدارية اللازمة لاكتشافه واستخراجه. وكانت الشركات النفط الغربية تورد كل ذلك وتحقق مكاسب كبرى من ورائه. ثم تشكلت منظمة الدول المصدرة للنفط “أوبك” وبدأت الدول البترولية تكلف شركاتها الوطنية المدعومة حكومياً بتحمل مسؤولية احتياطياتها. وحالياً أضحت الشركات الوطنية تهيمن على قطاع النفط العالمي، وربما تكون “اكسون” أكبر شركة مسجلة في العالم من حيث قيمتها السوقية، غير أنها تعتبر قزماً بالمقارنة مع شركة النفط الوطنية الإيرانية أو شركة ارامكو السعودية. من حيث الاحتياطيات، لا تحتل اكسون سوى المركز الحادي عشر بين شركات النفط والغاز في العالم. واستطاعت كل من شل وبي بي بالكاد الانضمام إلى قائمة أكبر عشرين شركة، بينما تسيطر الشركات الوطنية والحكومية على نحو 80% من نفط العالم. ويتعين بالطبع على شركات النفط الخاصة العمل مع عمالقة الشركات الوطنية، غير أنه يحدث أحياناً أن تكون الشركات الحكومية شركاء لا يعتمد عليهم. فإذا تهورت الحكومات فجأة مثلما كانت الحال في فنزويلا، قد يضرب بالعقود عرض الحائط، ولا يكون أمام شركات النفط الخاصة سوى الرحيل. وفي بعض الحالات الأخرى، يعيب شركة النفط التابعة لدولة ما عدم الكفاءة، بل إن بعض هذه الشركات تعين أقارب الساسة دون اعتبار للكفاءة والخبرة. فبعد اكتشاف حقل نفط كاشاجان الهائل عام 2000 في كازاخستان سارعت اكسون وشل وتوتال وإيني وكونوكو فيليبس جميعاً إلى السعي للعمل مع شركة النفط الوطنية الكازاخسية. غير أنه بعد إنفاق مليارات الدولارات أنتج الحقل تأخيرات ومنازعات ولكنه لم ينتج نفطاً. معايير الحوكمة غير أن هناك من شركات النفط الحكومية التي تراعي الحوكمة وحسن الإدارة، الأمر الذي يمثل مصاعب على كبريات شركات النفط؛ نظراً لأنها تزاحمها في عقر تخصصها. كما أن لديها تمويلات ضخمة تفوق قدرة كثير من الشركات، وبعد العمل لسنين مع عمالقة الشركات تنمو خبراتها الفنية. وتعتبر شركة ستاتويل النرويجية نموذجاً واضحاً على ذلك، كما تقوم بتروبراس البرازيلية بتطوير تقنياتها في استكشاف النفط والغاز في مناطق المياه العميقة، وكلاهما يشكل شراكات مع شركات أخرى مدعومة حكومياً. ولا يقتصر ما تعانيه كبريات شركات النفط على ذلك فهي تواجه أيضاً منافسة من شركات خاصة صغيرة، وبدأت شركات الخدمات البترولية التي تورد الحفارات والدعم الفني في توسيع مجالها وبعضها يقدم عقود خدمات كاملة محاكياً مقاربة كبريات الشركات. وراح بعض آخر منها مثل بتروفاك يستحوذ أيضاً على حصص في حقول نفط. تتقدم الشركات الحكومية التي لا تسيطر على احتياطيات محلية مثل شركات في الصين وكوريا الجنوبية بعروض شراء تراخيص كانت تعتبر في ما مضى مجالاً مقتصراً على كبريات شركات النفط. ولهذه الشركات مساهمون غير متعجلين يعتبرون النفط أمراً يخص الأمن القومي أكثر منه مصدراً للأرباح. وفي عام 2010 اشترت شركة الصين الوطنية للنفط البحري (كنوك) حصة في شركة تشيزابيك اينرجي الأميركية. تقنيات جديدة لم تقتصر فائدة هذا العقد على انفتاح كنوك على منطقة صخور إيجل فورد النفطية في تكساس، بل أكسبها تقنية جديدة لاستخراج النفط والغاز، غير التقليدي من حقول النفط الصخري المكتشفة مؤخراً في بلدها الصين. ووصل الأمر إلى أن مؤسسات المنافع العامة انضمت للسباق، إذ إن معظم كبريات شركات الكهرباء الأوروبية اشترت حصصاً في مشاريع التنقيب وإنتاج النفط والغاز حتى إن كانت تفعله حتى الآن في شراكة مع كبريات شركات النفط. وبالنظر إلى أسعار النفط المرتفعة أضحى التدافع على تأمين احتياطيات النفط طاحناً، إذ تسعى كبريات شركات النفط والشركات الحكومية إلى شراء شركات نفط وغاز مستقلة صغيرة من الأجل الاستفادة من تراخيص حقولها وعمليات حفرها. وحين يتعلق الأمر باكتشاف حقول جديدة تجد كبريات الشركات أن الشركات الأصغر الماهرة (مثل تالو وكيرن البريطانيتين واناداركو الأميركية) عادة ما تكون أفضل. واعتادت كبريات الشركات في ما مضى على اكتشاف أربعة أو خمسة من أكبر حقول النفط الجديدة كل عام، حسب ديفيد برانسون من شركة لوزاندكومباني الاستشارية. أما الآن، فهي لا تكتشف سوى حقل واحد أو اثنين. وفي 25 أكتوبر الماضي، قالت اكسون إنها اكتشفت نفطاً وغازاً قبالة سواحل فيتنام، ولكن لم تصرح بالكميات المتوقعة. كبريات الشركات ليست كل الأمور كئيبة لكبريات الشركات، فلا يزال هناك حاجة إلى رؤوس أموالها وتقنياتها، وشركات النفط في الشرق الأوسط مثل شركة الكويت للنفط وأرامكو السعودية رغم تقدمهما فنياً فإنهما لا تزالان تحتاجان الدعم الفني وخصوصاً في نشاط تصفية النفط وغيره من أنشطة المراحل النهائية. أما الدول البترولية المستجدة مثل أوغندا وغانا، فإنها تحتاج الكثير من الإسناد، إذ إن أسبقيتها الأولى ليست نقل التكنولوجيا بل الموثوقية. وهي تفضل أن تعقد اتفاقيات مع شركات ذات خبرة عميقة في مجال تمويل وإدارة المشروعات الكبرى من البداية للنهاية. وهذا ما تتميز به كبريات الشركات. ونظراً لأن النفط بات سلعة باهظة، فإنه من المنطقي استخراجه من أماكن صعبة، وهو ما يعطي كبريات الشركات الأفضلية. وفي جميع جهود بتروبراس، لا يزال لكبريات الشركات أفضل تقنيات اكتشاف النفط واستخراجه من بيئات قاسية مثل القطب الشمالي أو البحار العميقة ومن مصادر غير تقليدية مثل الرمال النفطية. كما أن لكبريات الشركات ميزة على الشركات الأصغر حين يتعلق الأمر بالمشاريع العملاقة التي يلزمها رؤوس أموال ضخمة. مثل مشاريع الغاز الطبيعي المسال العملاقة مثل مشروع شل الهائل “بريلود” منشأة الغاز الطبيعي المسال العائمة الأسترالية ومشروع غاز شتوكمان الذي تشترك فيه توتال وستاتويل بمساعدة جاز بروم شركة الغاز الروسية الحكومية. ومع تزايد البحث عن النفط، من المرجح أن تقبل كبريات الشركات على مزيد من المخاطرات سواء السياسية كـ”الاتفاقيات مع نظم هشَّة” والجيولوجية كـ”استثمار مليارات لاستخراج نفط وغاز من أماكن عسيرة”. وهي بالفعل تقوم بقدر كبير من الاثنين، حتى “اكسون” المعروف عنها التحفظ الرأسمالي أبرمت اتفاقيات أكثر مخاطرة من المعتاد في منطقة القطب الشمالي. وفي البحر الأسود مع روزنفت شركة النفط الحكومية الروسية تزداد الأمور صعوبة على كبريات شركات النفط، صحيح أن ميزتها على منافسيها المتمثلة في القدرة على استخراج النفط من أماكن صعبة تعتبر شديدة الفائدة حين تكون الأسعار مرتفعة، غير أنها تفقد ميزة تنافسيتها إن هبطت أسعار النفط. نقلاً عن: «ذي إكونوميست» ترجمة عماد الدين زكي