في واحدة من فعاليات مؤسسة زايد العليا للرعاية الإنسانية، التي ارتفعت فيها راية الفن، اتحدت أيدي نخبة من النحاتين، أمس الأول، للعمل على منحوتة «قلعة البيت متوحد» بمهارة فائقة على شاطئ كورنيش أبوظبي، مُشكِّلة قطعة فنية تحمل جزءاً من تراث كل إمارة في الدولة، لتقديمها هدية إلى صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة حفظه الله، لتجسد هذه القلعة المنحوتة ألفة أبناء الوطن الواحد والتفافهم حول قيادتهم الرشيدة. و«البيت متوحد» مقولة أطلقها الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، فانطلقت لتغمر فضاءات الإمارات، وتجمع أبناء الشعب الواحد كله على كلمة سواء، كما اعتادوا دائماً وأبداً؛ فالوطن كلمة غالية على النفوس تهتز لها القلوب فتجتمع على الألفة والمحبة. تأتي فعالية منحوتة «قلعة البيت متوحد»، في إطار احتفالات مؤسسة زايد العليا للرعاية الإنسانية وذوي الاحتياجات الخاصة، بالتعاون مع الشريك الراعي للاحتفالية مجموعة آل شافي وبدعم من بعض الجهات الحكومية مثل بلدية أبوظبي ونادي تراث الإمارات وشركة الجرف لتنمية المشاريع ومديرية المرور والدوريات، وتستمر الفعالية حتى 24 ديسمبر الجاري، برعاية الشيخ محمد بن سلطان بن حمدان آل نهيان. وعلى شاطئ كورنيش أبوظبي وقفت قلعة «منحوتة البيت متوحد» شامخة، والتف حولها الزوار من كل الجنسيات ليشاهدوا هذا العمل الفني التراثي البديع، الذي انطلق أول أمس للمرة الأولى في الإمارات، في أجواء شتوية رائعة تركت في النفوس أثراً حلواً خاصة مع وجود السوق الشعبي، الذي جمع ألوانا مختلفة من تراث الأجداد حاكته أيادي أمهات وجدات معاقين. وشهدت الفعالية فقرات فنية قدمتها مجموعة من المعاقين نمت عن أنهم يمتلكون مواهب حقيقية، وقدم الحفل الإعلامي حسين العامري. صون الاتحاد قال الشيخ محمد بن سلطان بن حمدان آل نهيان، راعي الحفل «احتفالنا بالذكرى الثانية والأربعين لليوم الوطني هو احتفال بالمنجزات الكبيرة، التي حققتها الدولة في ظل القيادة الحكيمة لصاحب السمو الوالد الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان حفظه الله- ومشاركة صادقة لأبناء الوطن احتفالهم بهذه المناسبة الغالية على قلوبنا جميعاً، وهي فرصة للتعبير عن فرحتنا بهذه المناسبة، والتأكيد على التلاحم والإخاء والالتفاف حول قيادتنا الرشيدة، وتجديد عهد الولاء والوفاء لصاحب السموّ الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة حفظه الله، وإخوانه أعضاء المجلس الأعلى حكام الإمارات، والسير قدماً خلف قيادتنا الحكيمة لرفعة الوطن وصون اتحادنا ليبقى دائما أكثر رسوخاً ومتانة». وأضاف خلال كلمته في المناسبة: «إننا وفي جميع مناسباتنا الوطنية وفي هذه الذكرى تحديداً نستذكر ما قدمه الآباء المؤسسون لدولة الاتحاد، وعلى رأسهم المغفور له بإذن الله تعالى الوالد الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، الذين التقت نواياهم الصادقة، وبذلوا جهوداً مباركة للم شمل أبناء الإمارات بدولة قوية وتحت قيادة واحدة، فوصلت دولة الإمارات إلى مصاف الدول المتقدمة، وتبوأت وخلال فترة قصيرة أعلى المراتب، وأصبحت تضاهي الكثير من الدول المتقدمة في جميع المجالات وفي أرقى المنابر العالمية». وقال إن هذه المبادرة من ذوي الاحتياجات الخاصة بإهداء هذا العمل النادر «قلعة البيت متوحد» هو تعبير صادق عن مشاعر هذه الفئة وفرحتهم بمناسبة اليوم الوطني، ومشاركة أبناء الوطن احتفالاتهم وفرحتهم، والتأكيد على أن هذه الشريحة هي من أنبل شرائح المجتمع والفاعلة في كل الميادين». وأكّد أنّ هذا العمل هو أغلى هدية لقائد الوطن صاحب السموّ الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة حفظه الله، الذي أولى هذه الفئة اهتماماً خاصاً، ووجّه دائماً بدمج هذه الفئة في المجتمع لتكون عنصراً فاعلاً في العمل الوطني، وشريكاً حقيقيّاً في عملية التنمية والبناء، وسخرت القيادة جميع الإمكانات لتحقيق هذا الهدف، واحتواء هذه الفئة»، مضيفاً: «ما نقدمه لقيادتنا الحكيمة ما هو إلا جزء بسيط مما تقدمه لنا وتبذله في سبيل أمننا ورفاهيتنا». خصوصية الفعالية حول المنحوتة التي تعد الأكبر من نوعها في الوطن العربي، أوضح عامر سعسع، المدير العام لمؤسسة نقاط لإدارة الفعاليات، المنسق العام للاحتفالية، أنّ المنحوتة الرملية «قلعة البيت متوحّد» تُعدّ أكبر منحوتة رملية بالوطن العربي، تزينها العديد من المنحوتات، التي تجسد إنجازات ومفردات تراثية لدولة الإمارات. وأضاف إنّ ثمانية فنانين، تعاونوا على بناء المنحوتة باستخدام 3000 طن من الرمل في سبعة عشر يوماً، مشيراً إلى أن اثنين من الفنانين من مواطني الدولة، وهما شادي المطروشي وجاسم آل علي، وأربعة فنانين من الجالية العربية المقيمة بالدولة، بالإضافة إلى فنانين عالميين. من جهته، قال راشد الهاجري، رئيس قسم الإعلام والعلاقات العامّة في مؤسّسة زايد العليا للرعاية الإنسانية: «نشعر بالفخر والاعتزاز لتنظيم هذه الفعاليّة الوطنيّة المهمّة المُهداة إلى مقام سيّدي صاحب السموّ الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، انتماءً ووفاء لقيادتنا الرشيدة، وعرفاناً وامتناناً وتثميناً للدعم اللامحدود، الذي يجود به صاحب السموّ رئيس الدولة حفظه الله بسخاء منقطع النظير». وأشاد بدعم الفريق أوّل سموّ الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، وليّ عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، ورعايته الكريمة لمسيرة المؤسّسة وتوجيهات سموّه الحكيمة والتي تُشكّل منهاج عمل لنا وتحفزنا على بذل أقصى طاقاتنا في خدمة أبنائنا وبناتنا من ذوي الاحتياجات الخاصّة. من ناحيته، ألقى محمد آل شافي الهاجري، ممثل مجموعة آل شافي للاستثمار، كلمة أكّد خلالها أهميّة الدور الذي يقوم به القطاع الخاص في المشاركة باحتفالات الوطن وإنجازات الشيوخ الكرام. وقال إنه من دواعي سرورنا أن نتقدم بإهداء أكبر منحوتة رمليّة تم إنجازها في الوطن العربي هدية مرفوعة لمقام صاحب السموّ الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة حفظه الله بمناسبة اليوم الوطني الثاني والأربعين للدولة. وأوضح آل شافي أنّ المنحوتة تُعبّر عن «روح الاتحاد»، وعن تاريخ وحاضر دولة الإمارات، مشيراً إلى أنّ الهدف من إقامة هذه الحدث على مدى سبعة أيّام هو إتاحة الفرصة أمام أكبر عدد ممكن من الجمهور لمشاهدة فعاليّاته، وحرصاً على إيصال رسالة «البيت متوحد» إلى العالم أجمع. حدث فريد حول مشاركة العديد من أمهات وجدات المعاقين في فعالية «منحوتة قلعة البيت متوحد»، تقول الاختصاصية النفسية بمؤسسة زايد للرعاية الإنسانية مركز أبوظبي لذوي الاحتياجات الخاصة ميثه المهيري، صاحبة مبادرة برنامج «خفايا للدعم الأسري»: إن هذا البرنامج يدعم أمهات المعاقين، وقد حرصت مؤسسة زايد للرعاية الإنسانية ومركز أبوظبي لذوي الاحتياجات الخاصة على أن يكون لهؤلاء السيدات حضور في فعالية «منحوتة قلعة البيت متوحد» من أجل المشاركة في هذا الحدث الفريد من نوعه، والذي يبين التفاف أبناء الوطن حول القيادة الرشيدة، التي أسهمت في بناء الدولة إلى أن وصلت إلى هذا المستوى من التقدم والتطور الحضاري. وتضيف: «أردت أن أقدم مساعدة إلى الأمهات اللواتي يقدمن منتوجات تراثية على درجة عالية من الجودة والإتقان، واللافت أن إحدى المشاركات في فعالية منحوتة البيت متوحد على شاطئ كورنيش أبوظبي باعت نصف منتوجاتها نظراً لتفردها وعدم وجود ما يماثلها في الأسواق». وتؤكد المهيري أن ريع هذا السوق بالكامل يعود إلى هؤلاء أمهات المعاقين وجداتهم، حتى إن المؤسسة لا تتقاضى منهن مالاً نظير ما يعرضون في المحال التجارية التي توفرها لهن، مشيرة إلى أنه قبل بداية تجهيز المنتوجات نظمت المؤسسة لهن ورش عمل، ومحاضرات لمساعدتهن في تحديد نوع المشروع. وتذكر أن المنتوجات كلها مستوحاة من بيئة الإمارات وتراثها القديم حيث تتنوع ما بين العطور والبهارات والبراقع والبخور والمنتوجات المصنوعة من الخوص مثل السرود والمكبة والخرافة ودلال القهوة والمداخن ومشغولات التلي. وتؤكد المهيري أن جولة الشيخ محمد بن سلطان بن حمدان آل نهيان في السوق الشعبي كانت أكبر داعم لهؤلاء السيدات. مفردات تراثية في أحد مداخل شاطئ كورنيش أبوظبي انتصبت «منحوتة قلعة البيت متوحد»، التي ضمت معلماً تراثياً من كل إمارة بالدولة، وشيدتها مجموعة من النحاتين المهرة، من بينهم الفنان الإماراتي شادي المطروشي، الذي يعد نفسه من أوائل النحاتين الإماراتيين، الذين برعوا في التشكيل بالرمل. ويورد أنه في هذه الفعالية المتميزة قدم منحوتات تراثية عتيدة مثل المدخن، ودلة القهوة التي ترمز للمجالس العربية، وما تزخر بها من آداب وعادات وتقاليد، وحول الدلة توزعت فناجين القهوة في شكل بديع، وإلى جانبهم «المندوس»، ومرش العطور ثم سفينة ضخمة مقلوبة على ظهرها، وهي ممتلئة بالأسماك دلالة على الخير في الماضي، ومن السفينة تخرج سلحفاة كبيرة وهي من الأنواع المهددة بالانقراض، باتجاه «منحوتة قلعة البيت متوحد» لتستنجد به من أجل حمياتها حتى تظل على قيد الحياة هي وسلالتها. ويلفت المطروشي إلى أنه يمارس فن النحت على الرمل منذ أن كان في سن صغيرة جداً، وأنه سعيد جداً بهذه المشاركة لكونها تعبر عن التلاحم الوطني تحت ظل قيادة الدولة الرشيدة. وفي منحوتة أخرى شكلت طابعاً خاصاً لفنان إماراتي آخر، وهو جاسم آل علي، الذي يقول إنه كان ينحت من قبل على الجبس، لكنه تشجع في هذه المرة من أجل «منحوتة قلعة البيت متوحد»؛ فقرر أن ينحت على الرمل مشاركة منه في هذا الحدث الكبير الذي تشهده الدولة للمرة الأولى. والعمل عبارة عن قلعة صغيرة منحوت عليها صورة المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله، موضحاً «اشتغلت على هذا العمل بمحبة خالصة وعزيمة وإصرار لأن البيت متوحد ويضرب أروع الأمثلة في التلاحم». ويشير آل علي إلى أن عدداً من النحاتين الأكفياء شاركونا في هذه الاحتفالية مثل ميزر عليوي، الذي قدم منحوتة لبرج خليفة وبيت يتصدره، وكذلك الفنان المصري هيثم محمد أبوالعنين، الذي نحت جملاً كبيراً يقوده أحد الرجل ومن خلفهما جمل صغير وفي يد صاحبهما صقراً، أما النحات اللبناني فؤاد يوسف فقدم مجسما لقصر الحصن بشكل بديع. فنانون في حضرة التراث من ضمن الحضور الذين حرصوا على أخذ بعض الصور التذكارية أمام منحوتة قلعة البيت متوحد» الفنانون عبدالله بوهاجوس وروية العبيدي وناصر الزعابي وظبية. ويعبر بوهاجوس عن فرحته الغامرة بهذه المناسبة العزيزة على قلب كل إماراتي. ويقول إن «البيت متوحد وكلنا نعيش أعلى درجات الوطنية في ظل رعاية قادة الدولة الأجلاء ومن الطبيعي أن يشارك أهل الفن بروحهم في هذه الاحتفالية». قيم الماضي من ضمن الذين كان لهم حضور قوي في احتفالية «منحوتة قلعة البيت متوحد» الشاعر والإعلامي سعود المصعبي، الذي لم يمنعه الاستعداد لحفل عرسه من المشاركة في هذه الاحتفالية الضخمة. إلى ذلك، يقول «ليس غريباً على الشيخ محمد بن سلطان بن حمدان آل نهيان أن يرعى هذه الاحتفالية الجميلة التي التفت حولها جموع غفيرة من أبناء الدولة والمقيمين بها والتي تجسد قيم الماضي، وتؤكد احترام وتقدير شعب الإمارات للقيادة الرشيدة التي تبذل كل غال ونفيس من أجل رفاهية شعب الإمارات». عزف منفرد منذ بداية احتفالية منحوتة قلعة البيت متوحد»، لم تتوقف فرقة «اليمايل الحربية» عن تقديم الشلات الحربية مظهرة البراعة التامة في أداء رقصة العيالة واليولة الشعبية على أنغامها وأهازيجها المستمدة من الموروث الشعبي، وكذلك الرزفة الحربية بقيادة الشاعر خميس المزروعي. علاج بالموسيقى من الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة الذين يمتلكون حساً فنياً رفيعاً محمد المازم، الذي أدى مقطوعة موسيقية على آلة تمبارين بركشين، التي هي في الوقت نفسه علاج. لكنه هذه المرة أصر أن يقدم فقرته أمام «منحوتة قلعة البيت متوحد» وقدمت أيضاً حمدة الحوسني من مؤسسة زايد للرعاية الإنسانية مركز أبوظبي لذوي الاحتياجات الخاصة فقرة فنية على آلة البيانو .