على الرغم من أنه كردي تركي، فإن ''محمد جانجور'' يقول إنه لديه من الأسباب ما يكفي لـ'' كراهية حزب العمال الكردستاني'' إلى آخر العمر·فهو يذكر أن مقاتلي الحزب قد زاروا منزل عمه منذ عشرين عاما- عندما كان صبياً يافعاً- وطالبوه بأن يقدم لهم الطعام، وأن يقدم واحداً أو اثنين من أبنائه للقتال في صفوف الحزب ضد الجيش التركي· ولكن ونتيجة لفقر عمه، ووجوده في منطقة نائية يحتاج فيها إلى وجود أبنائه معه للعمل، فإنه اعتذر لهم· بعد ذلك وكما يحكي ''جانجور'' الذي كان يطل من نافذة منزلهم في تلك الأثناء، قام مقاتلو حزب ''العمال الكردستاني'' بإشعال النار في منزل عمه، وأطلقوا النار على عائلته وقتلوا 13 شخصاً منها· ولولا أن قوات الأمن وصلت في الوقت المناسب لكانت عائلته كلها قد قضت حرقاً· وقد قاده هذا الحادث البشع إلى اتخاذ موقف نادر بين الأكراد الأتراك، وهو الوقوف بحزم إلى جانب الجيش التركي والسلطات الرسمية ضد ''حزب العمال الكردستاني''· يقول ''جانجور'' الذي يترأس فرع الاتحاد الوطني للشهداء وللمحاربين القدماء في مدينة'' سيرناك'' في معرض تبريره للموقف الذي يتخذه: ''إذا ما كان حزب العمال الكردستاني يريد حقاً تحرير الأكراد في تركيا من بطش الدولة، ويدافع عن قضية استقلالهم كما يدعي فلماذا يقدم على قتل المدنيين الأبرياء من الأكراد دونما ذنب''· ويذكر أن حزب العمال الكردستاني قد خاض قتالا شرسا ضد الدولة التركية بدءا من عام 1984 وحتى تسعينيات القرن الماضي، ما أدى إلى مصرع 37 ألفا من الأكراد كان معظمهم من رجال حرب العصابات التابعين للحزب· وخلال ذلك الصراع أقدم حزب ''العمال الكردستاني'' على قتل العديد من المدرسين، وحراس القرى، وغيرهم من المدنيين، إلى جانب الجنود الأتراك بالطبع، مما دعا الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي إلى اعتباره مجموعة إرهابية وهو وصف لا تزالان تصران عليه حتى الآن· حيث صرح الجنرال المتقاعد ''جوزيف رالستون'' والمبعوث الخاص للولايات المتحدة المكلف بمواجهة نشاطات'' حزب العمال الكردستاني'': يجب معاملة مقاتلي حزب العمال الكردستاني على أنهم قتلة من قبل الجميع بما فيهم الولايات المتحدة ذاتها''· وقد ردت الدولة التركية على حملة حزب ''العمال الكردستاني'' بفرض حالة الطوارئ في بدايات التسعينيات من القرن الماضي، وشنت حملة عنيفة ضد الحزب والأكراد طبقت فيها سياسة الأرض المحروقة ما أدى إلى إخلاء 3000 قرية كردية تماماً، وإلى نزوح مئات الآلاف من ديارهم· بعد ذلك حلت فترة من الهدوء بعد أن أعلن الحزب عام 1999 أنه تخلى عن مطالبه الانفصالية، وأنه سيناضل من أجل حقوق الأكراد بصورة سلمية· ولكن الذي حدث هو أن هجمات الحزب تصاعدت في الشهور الأخيرة، ما دفع المؤسسة العسكرية والحكومة التركية إلى التهديد بالقيام بحملة ضد الحزب عبر حدود تركيا مع العراق، وقامتا لهذا الغرض بتجنيد 50 ألف رجل إضافي للقيام بمهام الحراسة في القرى· ويوم الأربعاء الماضي أخبر أربعة أعضاء سابقين في حزب ''العمال الكردستاني'' الصحفيين في ''سيرناك'' أنهم قد فروا من شمال العراق، وأن هناك العديد من المقاتلين التابعين للحزب يفرون من معسكراتهم المقامة في تلك المنطقة بعد أن تصاعدت تهديدات تركيا بشن حملة ضد الحزب عبر الحدود مع العراق· وقد صرح أحد هؤلاء الأعضاء أنه قد شاهد عربتين مدرعتين أميركيتين، وهما تقومان بتسليم أسلحة وذخائر إلى مواقع حزب ''العمال الكردستاني'' في شمال العراق، وهو ما يمكن- إذا ما كان صحيحاً- أن يضفي مصداقية على ادعاءات تركيا بأن الولايات المتحدة تقدم دعماً سرياً للحزب· ويوم الأحد قبل الماضي، تواترت أنباء عن مصرع اثنين من مقاتلي حزب العمال الكردستاني على أيدي القوات التركية أثناء محاولتهما زرع ألغام في مقاطعة ''تونسيلي'' في شرق تركيا، وعن مصرع أحد حراس القرى الموالين للحكومة في قرية ''بينجول'' القريبة· ويُشار إلى أن العنف المتجدد قد أدى إلى زيادة طلبات الراغبين في العمل كحراس قرى، علما بأن العدد الموجود حالياً والملحق بمنطقة سيرناك قد وصل إلى 12 ألف حارس· ويذكر أن هذه المدينة الواقعة في سفح تل والملاصقة للمناطق الثلاث الواقعة بالقرب من الحدود العراقية، والتي قرر الجيش التركي اعتبارها مناطق مغلقة خلال الشهور الأربعة القادمة قد فقدت 325 في الصراع المحتدم بين الجيش التركي وحزب العمال الكردستاني· ويلقي سكان تلك القرية باللائمة على الحزب، حيث يقول أحد سكانها ممن فقد أحد أبنائه المجندين في الجيش التركي على أيدي حزب العمال الكردستاني:'' بقتله وإطلاقه النار وذبحه للأبرياء، فإن حزب العمال الكردستاني، لن يستطيع أن يحقق شيئاً فهذا ليس هو الحل·· وإذا ما كانوا يعتقدون أنهم شجعان فإنني أطالبهم- مقاتلي الحزب- بأن يقاتلوا وجها لوجه وليس عن طريق الهجمات الانتحارية الغادرة التي تؤدي إلى مصرع أبرياء''· محرر الشؤون الخارجية في ''كريستيان ساينس مونيتور'' ينشر بترتيب خاص مع خدمة كريستيان ساينس مونيتور