بحضور الشيخ محمد بن أحمد بن حمدان آل نهيان، والشيخ راشد بن أحمد بن حمدان آل نهيان، انطلقت منافسات الدورة الثانية من مهرجان أبوظبي للكوميديا في المسرح الوطني بأبوظبي ليلة أمس الأول. وخلافاً للدورة الأولى التي شهدت مشاركة عدد من الكوميديين، اختار المنظمون من شركة «سكاي للفعاليات» أن تنحصر دورة هذا العام بين نجم الكوميديا العالمي اللبناني نمر أبو نصار وشاعر الحلمنتيشي المصري عمرو قطامش، وأن لا يتم الاكتفاء بتقديم العروض، بل بتقديم جائزة «نجمة أبوظبي للكوميديا» لأحسن كوميدي. وشارك في السهرة الكوميدية أيضاً الكوميدي الهندي المقيم في الإمارات نيتن ميراني. وتمكن الكوميديون الثلاثة في تشريح الواقع الإماراتي والعربي والعالمي بقالب كوميدي ساخر، لكن فيه كثير من الدقة، كل بطريقته الخاصة. ولم يبق نيتن حبيس دوره كمنشط، بل تجاوزه وقدم مقاطع كوميدية فاق بعضها في إمتاعه ما قدمه المتباريان نفسيهما. وفضل المنظمون أن يجعلوا تصفيق الجمهور هو الحكم في منح «نجمة أبوظبي للكوميديا» لأحد المتنافسين، لكنهم قرروا بعد ملاحظتهم تقارب حجم التصفيق على كلا النجمين أن تكون الجائزة مناصفة بين نمر أبو نصار وعمرو قطامش، إضافة إلى منح كل واحد منهما هدية مركب فرعوني. صال الكوميدي اللبناني نمر أبو نصار وجال في قضايا مختلفة، وقام بتسخير مهاراته الكوميدية للسخرية الناقدة من مواقف الحياة في ثقافات بلدان عربية وأجنبية. ونالت بلده لبنان أكبر قدر من النقد الساخر، لكن دون أن يُنسيه ذلك التأكيد على اعتزازه بعروبته وحبه الكبير لأبوظبي. انتقد العنف الأبوي ضد الأبناء في البلدان العربية، وسخر من تقبل السواد الأعظم من الأبناء لتعنيف الآباء وتعايشهم معه وتطبعهم معه، لافتاً إلى أن نظرة الغرب إلى التعنيف الأبوي مختلفة تماماً. وحول الأبناء أنفسهم، قال نمر إن الأبناء الأميركيين يتركون بيوت آبائهم عند بلوغهم سن 18 سنة، وفي الدول العربية، يتساءل الشاب عند بلوغه 36 سنة هل هو جاهز لتأسيس بيته الخاص من عدمه. وكانت له وقفة مع إشارات المرور في لبنان، والتي يتجاوزها اللبنانيون ويسيرون في الشوارع والطرق بأنظمة سيرهم الخاصة. القواسم المشتركة بين لبنان والأردن كانت حاضرة هي الأخرى في عرض نمر، غير أن الفروق أيضاً حظيت بنصيبها من النقد الساخر. فوجبة «المنسف» الأردني وطريقة أكله ربما هي التي جعلت ذاك النائب الأردني المشارك في برنامج تلفزيوني مباشر يحاول نسف رأي معارضه، ويُشهر السلاح في وجهه على الهواء. ويرى نمر أبو نصار أن النساء في العالم العربي يمارسن جبروتاً على الرجال، ويتحكمن فيهم ويسيطرن عليهم سيطرة تامة، ثم يلجأن بعد ذلك للشكوى وإلقاء اللوم على الرجال والجميع من حولهن وتبرئة أنفسهن. وقارن بينهن وبين النساء الأميركيات والفلبينيات من خلال تقليد طريقة حديث كل فئة وردود أفعالهن في مواقف حياتية يومية. وانشغل نمر أيضاً بالحديث عن الحلم اللبناني الذي يتمثل في الحصول على جواز أميركي خصوصاً وأجنبي عموماً وتأسيس «بيزنس» والعودة إلى الحبيبة الغالية لبنان، ثم الهروب منها بمجرد قيام حرب أو قلاقل أمنية. وعن العلاقة الحميمة التي تجمع العرب بهواتف نوكيا، يقول نمر إن العالم العربي هو المنطقة الوحيدة في العالم الذي لا تزال مجتمعاته تستخدم هواتف نوكيا القديمة وتعتز بها وتعتبرها تحفة كلما طال امتلاكهم لها، ومنهم أب نمر نفسه الذي يرفض استخدام أي هاتف غير نوكيا، وينفر من هواتف آي فون والأجهزة التي تعمل باللمس. ولم ينس نمر التهكم عن مدى سذاجة تصورات بعض الغربيين للإسلام والمجتمعات العربية، ومدى تصديقهم لكل ما تروجه بعض وسائل الإعلام من صور نمطية عن المسلمين. من جهة أخرى، عبر نمر عن افتقاده لجورج بوش الابن باعتباره كان يمثل له منبعاً خصباً يستمد منه كثيراً من المواد الكوميدية، ولم ينس التذكير بذلك العراقي الذي رماه بالحذاء، وكيف أن وسائل الإعلام الأميركية تفذلكت وتفلسفت في تحليل معاني رمي الحذاء في مختلف ثقافات العالم، هل هي مسبة وإهانة، أم لها معان أخرى! مذكراً بسخرية أن الأميركيين يحبون كل شيء مشروحاً لهم، ومُعدداً بالمقابل المرات التي رمت أمه عليه حذاءها. كوميديا واقعية بتلقائيته وعفويته، استعرض نيتن ميراني مهاراته الكوميدية بدءاً من اسمه ذي الدلالة القدحية في اللغة العربية عند نطقه (نثن بمعنى قذر وذي رائحة كريهة) ومروراً بطريقة تحريك الهندي لرأسه، مؤولاً هذه العادة بلطف الشعب الهندي وتفضيله عدم رفض أي طلب عبر الرد بهذه الطريقة المؤدبة والملتبسة التي قد تفهم بالرفض كما القبول، وانتهاءً بحديث الهنود بسرعة حرصاً على قول أقصى عدد ممكن من الكلمات في أقل مدة زمنية بسبب غلاء فاتورة الاتصال الهاتفي من الإمارات إلى الهند. وعن اتصالات ذاتها، أبدى نيتن استغرابه من ذلك الوابل من الرسائل النصية المتتالية التي يتلقاها كل مشترك في اتصالات بمجرد وصوله إلى المطار. كما استنكر بسخرية تعمد ربابنة الطائرات التحدث إلى الركاب على متن الطائرة بصوت غير واضح. وانتقد نيتين أيضاً الطرق التي يتبعها بعض مدراء الموارد البشرية في المقابلات التي يجرونها مع المتقدمين للوظائف. فهم يطرحون في نظره نفس الأسئلة النمطية المتكررة، ويعطون لأنفسهم الحق في طرح أسئلة خاصة جداً وبعضها مستفز. وكان للبنانيين نصيبهم من نقد نيتين، إذ قلد طريقة غضبهم واعتبرها الطريقة الأكثر تفاعلاً. فقد يغضب أي عربي ويبدو ذلك جلياً على ملامح وجهه أو أقواله، لكن اللبناني يغضب بكل جوارحه ويستنفر جميع أعضائه، فينتفض جسده بكامله في حال أثار موقف ما غضبَه. ولم يسلم الفرنسيون من سخرية نيتن، فيكفي أنهم يحركون أكتافهم كلما تحدثوا، وأن لغتهم هي أقرب للموسيقى منها إلى وسيلة تواصل. أما البريطانيون، فيرى نيتن أنهم يتكلمون بغاية الأدب ويخرجون الإنجليزية بلكنة موسيقية، معلقاً أن كلمة «أبوظبي» تخرج من أفواههم بشكل جميل في غاية الموسيقية والتلحين. وتناول نيتن الفلبينيين بالنقد الساخر أيضاً. صحيح أنهم يستحقون الإشادة والتقدير للدور الكبير الذي يقومون به في إرسال الأموال لمساعدة أسرهم وعائلاتهم، لكن بعض مواقفهم وعاداتهم تستدعي التعليق، فهم يتمتعون بمهارات تسويقية ممتازة بفضل قدرتهم على الإلحاح وتكرار عرض تجربة استهلاك منتجات وخدمات جديدة، سواءً في المطاعم أو المقاهي أو غيرها. وكان لنيتن رأي مماثل لنمر أبو نصار حول النساء. فهو يرى أن المرأة لديها قدرة عجيبة على التأثير على الرجل والتحكم فيه، بل وحتى تغيير صفاته وعاداته، وأنها هي من تقود الرجل في الواقع وليس العكس. واللطيف في الكوميديا النقدية الساخرة لنيت،ن أنه استبقها بالقول إن كثيراً من الناس يمارسون النميمة تجاه شخص ما، ثم يعقبون عليها بالقول «لكنه شخص طيب القلب»، وكأنه يُسوغ لنفسه أن يكون واحداً من هؤلاء. قطامش الحلمنتيشي استعاد الكوميدي المصري عمرو قطامش الأجواء التي أضفاها على برنامج «العرب لديهم مواهب» في نسخته الأولى والتي كان الفائز بها عبر القصائد الحلمنتيشية التي استعرضها وألقاها بتأثر وتفاعل. عرج قطامش على مواضيع عديدة منها العلاقة بين الرجل والمرأة، والأوضاع في مصر وسوريا وفلسطين. كما استعمل أسلوباً شبيهاً بمنهج قصائد الشاعر الفرنسي لافونتين والكاتب البريطاني جورج أورويل في روايته «مزرعة الحياوانات» التي استخدام فيها حيوانات للتعبير عن مواقف حياة الإنسان اليومية وإسقاطها على الواقع. ألقى بالفصحى والعامية، وانتقد ظواهر اجتماعية مختلفة في قالب شعري كالتحرش بالنساء وفساد الأخلاق. غير أن تركيزه كان على الشعب المصري. صحيح أنه أشار إلى سوريا وفلسطين وبعض الدول العربية الأخرى، إلا أن إشاراته هذه كانت عابرة. ما يجعل المتلقي غير المصري وغير المتحدث باللغة العربية يشعر بتجاوب أقل معه، وهو ما قد يفسر انسحاب عدد من الحاضرين من القاعة قبل اكتمال عرضه، خصوصاً الأجانب واللبنانيين. نمر والحلمنتيشي ? يعترف نمر أنه ظل بدون اسم بعد ولادته نحو شهرين بسبب اختلاف والديه على تسميته، لكنهما اتفقا أخيراً على منحه اسماً ما حتى يتسنى لهما نعته، فكان الاسم المختار هو «نمر». ويعترف أيضاً أنه كان محط سخرية أصدقائه في المدرسة والحي بسبب اسمه «نمر». ? شعر الحلمنتيشي هو نوع من الشعر الفكاهي يجمع بين العامية والفصحى دون التقيد بقواعد اللغة. وتعود كلمة «حلمنتيشي» إلى نحت كلمتي «حلا» بمعنى الحلاوة مع كلمة «منتيشي» بمعنى منتش بالشيء ومستعذب له. والنتاش في العامية المصرية هو الفشار أو الكذاب. وبذلك يكون معنى شعر الحلمنتيشي هو الانتشاء الشعري الحلو أو «الفشر الخفيف اللذيذ».