وجهت الحكومة الصينية تحذيرا صارما غير مسبوق باتخاذها إجراءات حاسمة من شأنها سحق العملة الأميركية (الدولار) من خلال بيع حصة من سندات الخزانة الأميركية تبلغ قيمتها 33ر1 تريليون دولار، وذلك فى حالة إقرار الكونجرس الأميركى لمشروع قرار يدعو الإدارة الأميركية إلى مقاطعة أولمبياد 2008 المزمع أن تستضيفها بكين· ويذكر أن الصين هي ثاني أكبر حامل ومشتر لسندات الخزانة الأمريكية بعد اليابان، وإذا طرحت الصين هذه السندات للبيع فى سوق السندات العالمى فسوف يؤدى ذلك إلى انخفاض كبير يصل إلى حد الانهيار في قيمة الدولار الأميركى فى الأسواق العالمية - خاصة إذا ما أقدم آخرون من حملة هذه السندات على الخطوة ذاتها· كما أن هذه الخطوة من شأنها أن تفقد الولايات المتحدة أي قدرة على سداد ديونها التى يقدر إجماليها بنحو 250 تريليون دولار أميركى وهو رقم يجعل أمريكا أكبر دولة مدينة على مستوى العالم، وهددت الصين بتفعيل سلاح آخر فى ترسانتها الاقتصادية أكثر فتكا وإضرارا بالدولار الأمريكى ويتمثل فى تحويل جزء كبير من احتياطيها الضخم من النقد الأجنبى والذى يصل إلى 1,33 تريليون دولار أميركى إلى اليورو الأوروبى ويرى المراقبون أن رد الصين العنيف وخروجها عن دبلوماسيتها الصبورة الهادئة المعتادة إنما يعكس حقيقة أنها ضاقت ذرعا من كثرة التهديدات والتحذيرات والضغوطات التى لا تكف الولايات المتحدة عن ممارستها فى إطار حرب تجارية باردة ترمى فى نهاية المطاف إلى إجبار بكين على تحرير سعر صرف عملتها الوطنية (الرينمينبى) الذي تعتبره واشنطن مقوما بأقل من سعره الحقيقى بنحو 40 بالمائة وتحمله كامل المسؤولية عن ذلك الخلل الكبير فى الميزان التجارى بين البلدين والذى يميل لصالح الصين بنحو 232 مليار دولار أميركي· وسبق مشروع القرار الجديد، مشروع قرار آخر تقدمت به اللجنة المالية فى مجلس الشيوخ الأميركى أواخر شهر يوليو الماضى يطالب وزارة الخزانة بتحديد الدول التى تعتبر عملتها ''غير منضبطة'' تمهيدا لفرض عقوبات ضد هذه الدول وهو المشروع الذى يستهدف الصين بشكل رئيس· وفى سياق متصل يجمع الخبراء والمحللون أنه فى ظل ''عولمة الاقتصاد'' والذى يتمثل أحد مظاهره فى إمكانية انهيار بورصة شنغهاي حال أصيبت بورصة نيويورك بأي ضرر وبالتالي يصبح من المستبعد تماما أن تقدم الصين على تنفيذ تهديداتها حيث إن قيام الحكومة الصينية ببيع السندات الأميركية على نطاق واسع من شأنه ضرب القطاع المصرفى الصينى ذاته إذا تدفقت عليه سيولة مفرطة من مبيعات السندات الأميركية فضلا عن أن الصين تدرك تماما أن طفرتها الاقتصادية الهائلة تعتمد بصورة أساسية على حجم صادراتها إلى الأسواق العالمية وفى مقدمتها الولايات المتحدة وعلى حجم ما تجتذبه من استثمارات أجنبية خاصة من الولايات المتحدة، مع ضرورة الأخذ بعين الاعتبار أن الكيانات الاقتصادية العالمية الأخرى خاصة حلفاء واشنطن فى أوروبا وآسيا والتى ستتضرر حتما من انهيار الدولار لن تقف مكتوفة الأيدى ولن تتردد فى الرد على الصين بإجراءات موجعة· وتشير الإحصائيات الرسمية إلى أن حجم التجارة بين البلدين بلغ نحو 252 مليار دولار أميركى فى نهاية العام الماضى وهو معدل أعلى بمقدار 86 مرة عما كان عليه عام 1979 عندما أقام البلدان العلاقات الدبلوماسية· لتصبح الصين رابع أكبر سوق للصادرات بالنسبة للولايات المتحدة وثالث أكبر شريك تجارى لها، فيما تستثمر الولايات المتحدة فى 50 ألف مشروع فى الصين بقيمة إجمالية تزيد على 50 مليار دولار· وهذه الأرقام تؤكد فى مجملها صعوبة أو بالأحرى استحالة انفصام عرى تلك العلاقة شديدة الأهمية والتعقيد والتشابك فى آن واحد بين أكبر عملاقين اقتصاديين على مستوى العالم، لكنها تؤكد أيضا المقولة التى باتت تتردد بوتيرة عالية فى الآونة الأخيرة ومفادها أن الحرب العالمية الثالثة لن تكون حربا عسكرية كسابقتيها لكنها ستكون حربا تجارية بين جبهتين رئيسيتين هما بكين وواشنطن·