يُقَسّم باراك أوباما الحربين الأميركيتين في الخارج إلى حرب سيئة في العراق وأخرى جيدة في أفغانستان، وعليه فقد تعهد الرئيس المنتخب بالحد من انخراط بلاده في الحرب الأولى بينما يكثف الحضور الأميركي في الثانية من خلال تخصيص المزيد من الموارد المالية وإرسال قوات إضافية إلى أفغانستان، لكن المفارقة أن ما يراه أوباما حلاً مناسباً لأفغانستان قد يفاقم المشاكل أكثر ويكرس الأزمة· فالقوات الأميركية المنتشرة حالياً في أفغانستان يتم رفدها أصلاً بالجنود العائدين من العراق، وإذا نفذ أوباما خطته التي أعلن عنها، فإن عدد القوات الأميركية في أفغانستان قد يتضاعف في غضون 18 شهراً دون أن يعني ذلك بالضرورة خلق حكومة مستقرة والقضاء على تجارة المخدرات، أو حتى إنهاء الفساد المتفشي في البلاد· ولا ننسى أنه خلال الشهور الستة الأولى من العام ،2008 تضاعف تقريباً عدد جنود حلف شمال الأطلسي ومعهم عناصر القوات الأميركية في أفغانستان، غير أنه مع تزايد التواجد الأميركي، شرعت ''طالبان'' في تكثيف هجماتها وتوسيع رقعتها، لا سيما في محافظات قندهار وهلمند وأوروزجان· ورغم الخسائر الكبيرة التي تكبدتها الحركة، فإنها أيضاً أظهرت مقدرة لافتة على التحمل والتأقلم، بحيث تمكنت من التمدد خارج معاقلها الجنوبية والانتقال إلى أغلب المناطق الأفغانية· وفي ظل هذا الوضع أصبحت كابل أكثر خطورة وباتت ''طالبان'' تنشط بلا رقيب في المحافظات المجاورة للعاصمة مثل واردك ولوجار· ولم يمنع التواجد الكثيف للقوات الدولية من ارتفاع زراعة الخشخاش لتتحول أفغانستان إلى المزود العالمي الأول لسوق الخشخاش بنسبة تصل إلى 92%، وهو ما يوفر موارد مالية مستمرة وثابتة بالنسبة لـ''طالبان''، بل أكثر من ذلك أن الحكومات المحلية هي أكثر فساداً وعجزاً اليوم مقارنة مع وضعها قبل الزيادة في عدد القوات· ومن ناحيتهم يدرك مستشارو أوباما أن الحرب في أفغانستان ليست على ما يرام، وأن رفع مستوى القوات الأميركية لن يكون كافياً لمعالجة اختلالاتها، بل هم يعترفون أن التمرد لن ينتهي عسكرياً، ويلمحون إلى محادثات مع بعص العناصر ''المعتدلة'' في طالبان، لكنم يعتقدون أيضاً أنه قبل المفاوضات لا بد من إحداث تغيير في الوضع العسكري على الأرض، وهم لهذا السبب يريدون المزيد من القوة العسكرية· ومع أن المطلب يبدو معقولاً ومنطقياً، فإن التاريخ يشير إلى غير ذلك، فعلى غرار البريطانيين في القرن التاسع عشر والروس في نهاية القرن العشرين دائماً ما يكون النصر في بلد مثل أفغانستان مستعصياً وبعيد المنال في ظل العداء الشديد الذي يكنه السكان عادة للتدخل الأجنبي، وحتى ما يبدو في البداية أنه نجاح أو تقدم سرعان ما يرتد وينتكس· وبالنظر إلى النجاح المحدود جداً الذي أفرزته خطة زيادة عدد القوات بأفغانستان، يحتاج أوباما اليوم إلى صياغة خطة بديلـــــة في حــــال فشلت الزيادة الجديدة في التأثير على ''طالبان'' وأقنعـــت خلافاً لذلـــك المتشددين داخل الحركـــة بأن الأمور تصـــب في صالحهم· وبالطبع لا يمكن إنكار فكرة فصل معتدلي ''طالبان'' عن متشدديها، فضلا عن تفاوض أميركا مع المقاتلين الأفغان غير المنضوين تحت لواء الحركة مثل قوات ''قلب الدين حكمتيار''، ''وجلال الدين حقاني''، اللذين دعمتهما الاستخبارات الأميركية والباكستانية في الحرب مع الاتحاد السوفييتي، لكن أحداً من هؤلاء لم يبدِ استعداداً في التفاوض مع الأميركيين، وليس هناك ما يدعو للاعتقاد أنهم سيفعلون في المستقبل· وفيما يشير المسؤولون في أميركا وحلف شمال الأطلسي إلى المكاسب التي تحققت مثل استتباب السلام في العاصمة كابل، والنمو الاقتصادي المتزايد، فضلاً عن عملية إعادة الإعمار وارتفاع عدد المسجلين في المدارس يبقى السؤال الأساسي ما إذا كان ممكناً استدامة هذه الإنجازات وتوسيعها وسط العنف المتنامي في البلاد· ومع أن الأميركيين ومعهم ''الناتو'' يثقون في قدرتهم على تحقيق ذلك، ومن تم يطالبون بقوات إضافية، إلا أن السؤال يبقى: إلى أي مدى تستطيع الولايات المتحدة وحلفاؤها الاستمرار في تحمل الأعباء، لا سيما وأن بعض الحلفاء يرفضون إرسال جنودهم لمقاتلة ''طالبان''، رغم الدعوات المتكررة؟ ومن السلبيات الأخرى لزيادة عدد القوات العسكرية في أفغانستان الغضب والاستياء الكبيرين اللذين تثيرهما الهجمات الجوية لقوات ''الناتو''، وما تسفر عنه من سقوط ضحايا في صفوف المدنيين، ما يتيح لـ''طالبان'' الظهور بمظهر ''المدافـــع عن الدين والوطـــن''· ولا يقتصر الفشل في أفغانستان على الحلول العسكرية، بل يمتد إلى جهود إعادة الإعمار، إذ فيما يجادل البعض أن تحسين حياة السكان من خلال دعم برامج المساعدات سيهمش ''طالبان''، أثبت الواقع عكس ذلك، حيث وفرت مشاريع التنمية أهدافاً سهلة لـ''طالبان'' ورهائن جدد للاختطاف· لذا على إدارة أوباما أن تعرف بأن طريق النجاح في أفغانستان يبدأ من باكستان، فطالما أن ''طالبان'' تعول على الملاذات الآمنة ومراكز الإمداد ومعسكرات التدريب في المناطق القبلية على الحدود، فإنها ستستمر في القتال دون توقف، ذلك أن هدفها ليس الانتصار بقدر ما هو الاستمرار على قيد الحياة حتى يتآكل دعم الحرب داخل حلف شمال الأطلسي، وتدب في أوصاله الخلافات· كما أن فكرة أوباما وفريقه القائمة على إمكانية إقناع الحكومة الباكستانية بملاحقة ''طالبان'' والتصدي لها لا يسندها الواقع، لا سيما وأن أميركا قضت سنوات وهي تتعاون مع باكستان للقضاء على ''طالبان'' في حدودها القبلية دون أن يؤدي ذلك إلى أي نتيجة· ومن المتوقع في هذا السياق أن تستمر الاستخبارات الباكستانية في لعبتها القديمة المتمثلة في تطمين أميركا بأنها تقوم بما يلزم لمكافحة ''طالبان'' وفي الوقت نفسه شن عمليات غير فعالة بهدف الحفاظ على الأمل الأميركي منتعشاً· ومع أنه من السابق لأوانه تقييم أداء الرئيس الباكستاني الجديد، آصف علي زرداري، فإن سجل الحكومات الباكستانية في إخضاع المؤسسة العسكرية والاستخبارات لا يبشر بالخير· والحقيقة أنه ليس أمام أوباما في ظل هذا الوضع المعقد والمتشابك خيارات عديدة سوى الاستمرار في حربه الجيدة التي لا شك أنها ستكون طويلة ومكلفة· راجان مينون أستاذ العلاقات الدولية بجامعة ليهاي الأميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست