محمود بدر إسماعيل (الاتحاد)

وصلت رواية التّانكي (منشورات المتوسط 2019)، للكاتبة العراقية المغتربة في باريس عالية ممدوح إلى القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية «البوكر» لعام 2020.
«إنها رواية الخسرانين المتلعثمين في لسانهم الأصلي عبر ألسنتهم الهروبية»، هكذا تقدم عالية ممدوح روايتها «التّانكي» أو شارع الأنتليجسيا العراقية في النصف الثاني من القرن الماضي، وتعرض لنا ببراعة سردية مختلفة شخصياتها وأبطالها من تلك النخبة التي فرّقتها المنافي، وشردتها الحروب العبثية، وكيف حوّلت هذا البلد العريق بحضارته الضاربة في التاريخ إلى مكان للمحو والعمى، إنها في الواقع العمل الأدبي الرفيع المنشغل بعلاقة الإنسان بالمكان المسلوب.
عن روايتها «التّانكي» تقول صاحبة «حبّات النفتالين»: «بدأت الكتابة بالرواية نهاية العام 2013، و(التّانكي) في اللهجة العراقية الدارجة، يعني خزان المياه الذي قد يكون خزاناً للذاكرة، بما تحويه من صفاء الماء وزرقته، وبما يضمه من بكتيريا وفطريات عابثة بحيث يبقى العنوان مفتوحاً على الدلالات المتعددة».
والجديد في عمل عالية ممدوح المكون من سبعة فصول، قيامها بتشظية مقصودة للسرد عبر ترتيب أحداثه من دون تتابع خطّي يبدأ من نقطة وينتهي عند خاتمة عامة، وهنا لن نجد ما يمكن التعلق به كخيط للسرد، لقد جمعت الكاتبة أسرة في ما يشبه الألبوم المصور، ووضعت لكل منهم حصة في السرد، بينما تتجه الرواية لمعضلة اختفاء البنت (عفاف) التي هاجرت من العراق إلى فرنسا، وهي في الثالثة والعشرين وفي عام 1979، بعد إكمال دراستها للرسم في أكاديمية الفنون الجميلة، وما بين مدينتين (بغداد - باريس) تنهضان بعبء السرد: شخوصه وأحداثه ومصائره، بل في تقنياته التي تمثل استمراراً تصاعدياً أو عودة تراجعية للماضي واستذكاره عبر أسلوبية «الحدث الاسترجاعي»، وانتظام الثيمات التي تتعهدها الرواية: الحب والسياسة والحنين والفن، ومصائر الشخصيات ونهايات أحلامهم وخراب مدنهم، تبدلات مواقع الرواة العليمين المشاركين في الحدث والمتناوبين على المهمة السردية، وإنجاز برنامج الرواية وخطابها وتشكلات عناصرها. فيما يظل الأكثر حداثة في هذه الرواية الإنسانية بجانب موضوعها، تلك الوسيلة التي أعانت الكاتبة على جرأة المعالجة والتقديم في محفل فني مماثل، وهي تستعرض تاريخ بغداد العمراني، وتشكّل أحياء المدينة المعاصرة، كما تناولت من بين الزوايا ثيمة العيش مع الآخر وتقبل سلبياته، وكيف نتكيف مع عالم لا يفهمنا، في ظل تصادم المصائر في صراع الشرق والغرب.