بقواربهم السريعة شن القراصنة هجومهم تحت جنح الظلام على سفينة نيجيرية للصيد، وبعد أن أطلقوا الرصاص على طاقمها صعدوا إلى متنها ونهبوا كل ما وقعت عليه أيديهم، ولسوء حظ طباخ السفينة أصيب برصاصة طائشة أقعدته في غرفته، بينما قام القراصنة بتجريد السفينة من موجوداتها القيمة· وقــد ظــل الجريح المدد على فراشــه ''يعاني في صمـــت وبـــدا واضحاً أنه يحتضر'' كما يقول القبطان ''جونسون'' قائد السفينة المنكوبة· يشار إلى أن نيجيريا شهدت مؤخرا ارتفاعاً ملحوظاً في عدد الهجمات التي ينفذها القراصنة ضد سفن الصيد، وهو ما يرجعه المسؤولون إلى انخفاض مستوى الحضور الأمني في منطقة دلتا النيجر الغنية بالنفط، وفيما كانت معضلة القراصنة تنحصر في السواحل الشرقية للقارة الأفريقية، وتحديداً في الصومال التي تغيب فيها سلطة الدولة، تشكل الهجمات الأخيرة التي عرفتها السواحل الغربية من القارة اتجاهاً جديداً قد يعرقل جهود التنمية الاقتصادية في إحدى أفقر المناطق في العالم· وبشأن هذا الارتفاع الملحوظ في هجمات القراصنة يقول ''بول كيروباكران'' -المدير التنفيذي لإحدى شركات الصيد العاملة في نيجيريا-: ''في الماضي كانت الهجمات توقع قتيلا واحدا كل شهرين، لكننا اليوم نشهد عدداً أكبر من الضحايا، بعدما قُتل مؤخراً خمسة أشخاص في مواقع مختلفة بسبب هجمات القراصنة، والمشكلة الأخطر أنه عندما تقع هذه الحوادث فإنه من الصعب إقناع الناس بالعودة للعمل في البحر''، وقد واجه البحارة العاملون في سفن الصيد التي تجوب السواحل النيجيرية أكثر من مائة هجوم للقراصنة في العام ،2007 وأكثر من 50 هجوماً في الشهر الأول لعام 2008 التي أسفرت عن سقوط خمسة قتلى من العاملين في السفن، وقد أدت هذه الهجمات المتكررة التي يشنها القراصنة إلى إضراب العمال والبحارة، الذين يتقاضون راتباً هزيلا لا يتعدى 40 دولارا في الشهر، مطالبين بتوفير المزيد من الحماية للسفن وملاحقة القراصنة، والأكثر من ذلك تعاني صناعة الصيد البحري من تراجع كبير بسبب الخسائر التي تتكبدها جراء هجمات القراصنة، بل أصبح مستقبلها في مهب الريح· تعتبر منطقة دلتا النيجر الغنية بالنفط، مكاناً تنشط فيه الجماعات المسلحة وتكثر فيه الأسلحة، كما تنتشر فيه عمليات خطف الأجانب وتفجير أنابيب النفط، فضلا عن شن هجمات على حقول النفط في البحار، وهو ما دفع سعر النفط في الأسواق العالمية إلى أكثر من مائة دولار للبرميل، ومع أن هجمات القراصنة تستهدف جميع أنواع السفن، بما فيها تلك المتخصصة في صيد الأسماك، إلا أن التركيز ينصب على سفن الشحن وناقلات النفط، حيث أدت مؤخراً موجة من الهجمات المتتالية على السفن إلى إغلاق أحد الموانئ المهمة في نيجيريا لأربع وعشرين ساعة خلال شهر يناير الماضي· والواقع أن مشكلة القرصنة في البحار قديمة ومستفحلة، لكن بعد سنوات من التراجع عادت مجددا إلى الواجهة، لا سيما في السواحل الأفريقية؛ فحسب آخر الأرقام التي أوردها ''المكتب الدولي للشؤون البحرية'' -وهي منظمة غير ربحية تهتم بالجرائم البحرية- شهد العام 2007 ارتفاعاً ملموساً في أعمال القرصنة بنسبة 10 بالمائــة، ويعزو المكتب هذا النشاط المتنامي لأنشطة القراصنة إلى الهجمـــات المتكررة التي يشهدها بلدان أفريقيان هما الصومال ونيجيريا· والحل وفقاً للمكتب الدولي للشؤون البحرية، يكمن في تعزيز أمن السواحل والممرات المائية من خلال تكثيف الدوريات البحرية، ويرى ''سيريس مودي'' -أحد المسؤولين في المكتب الدولي للشؤون البحرية- أن على الدولة النيجيرية ''مراقبة سواحلها والتعامل مع القراصنة بحزم أكبر''، ويضيف المسؤول: إن نيجيريا تملك قوة بحرية ضاربة يمكن استخدامها لملاحقة القراصنة وتأمين السفن العاملة في المنطقة، وفي هذا الإطار قامت البحرية الأميركية بمناورات مشتركة مع البحرية النيجيرية لمراقبة السواحل، لا سيما وأن الولايات المتحدة تستورد خمس احتياجاتهــــا من النفط من خليج غينيــــا الذي يضم الأراضي النيجيرية؛ وأمام تفاقم ظاهرة القرصنة وانعكاساتها السلبية على الاقتصاد شكلت الحكومة النيجيرية لجنة فرعية تنكب على إيجاد الحلول المناسبة لهذه الآفة، كما تعهدت بمضاعفـــة دوريات المراقبة على السواحــل التي ينشــط فيها القراصنة· تبقى المشكلة بالنسبة للقوات النيجيرية التي تسعى إلى ملاحقة القراصنة، هي المعدات المتطورة التي يمتلكها هـــؤلاء، كالرشاشـــات المثبتــة في القوارب السريعة، واستخدامهم كذلك للأجهزة اللاسلكية، فضلا عن الرتب العسكرية التي يمنحونها لبعضهم البعض مثل ''الجنرال'' وغيرها· سارة سيمبسون-نيجيريا ينشر بترتيب خاص مع خدمة كريستيان ساينس مونيتور