قيل: وجد في بعض كتب الهند: ليس لكذوب مروءة، ولا لضجور رياسة، ولا لملول وفاء، ولا لبخيل صديق· وقال قتيبة بن مسلم: لا تطلبن الحوائج من كذوب، فإنه يقربها وإن كانت بعيدة، ويبعدها إن كانت قريبة؛ ولا إلى رجل قد جعل المسألة مأكلة، فإنه يقدم حاجته قبلها، ويجعل حاجتك وقاية لها؛ ولا إلى أحمق فإنه يريد نفعك فيضرك· وقيل: أمران لا ينفكان من كذب: كثرة المواعيد، وشدة الاعتذار· وقيل: كفاك موبخاً على الكذب، علمك بأنك كاذب· وقال رجل لأبي حنيفة: ما كذبت قط، قال: أما هذه فواحدة· وفي المثل: هو أكذب من أخيذ السند، وذلك أنه يؤخذ الخسيس منهم، فيزعم أنه ابن الملك· وكذلك يقال: أكذب من سياح خراسان، لأنهم يجتازون في كل بلد، ويكذبون للسؤال والمسألة· ويقال: هو أكذب من الشيخ الغريب، وذلك أنه يتزوج في الغربة، وهو ابن سبعين سنة، فيزعم أنه ابن أربعين· ويقال: هو أكذب من مسيلمة وبه يضرب المثل· ومما قيل في ذلك من الشعر: حسب الكذوب من البلية بعض ما يحكى عليه مـا إن سمعت بكذبة من غيره نسبت إليه وقال آخر: لقد أخلفتني وحلفت حتى إخالك قد كذبت وإن صدقتا ألا لا تحلفن على كلام فأكذب ما تكون إذا حلفتا وقال آخر: قد كنت أنجر دهراً ما وعدت إلى أن أتلف الوعـد ما جمعت من نشـب فإن أك صرت في وعدي أخا كذب فنصرة الصدق أفضت بي إلى الكذب قال الأصمعي: قال الخليل بن سهل: يا أبا سعيد أعلمت أن طول رمح رستم كان سبعين ذراعاً من حديد مصمت، في غلظ الراقود، فقلت: ههنا إعرابي له معرفة، فاذهب بنا إليه فحدثه بهذا· فذهبت به إلى الأعرابي فحدثه، فقال الأعرابي: قد سمعت بذلك، وبلغنا أن رستم هذا كان هو واسفنديار أتيا لقمان بن عاد بالبادية، فوجداه نائماً، ورأسه في حجر أمه، فقالت لهما: ما شأنكما، فقالا: بلغنا شدة هذا الرجل فأتيناه، فانتبه فزعاً من كلامهما، فنفخهما، فألقاهما إلى أصبهان، فقبرهما اليوم بها، فقال الخليل: قبحك الله ما أكذبك! قال: يا بن أخي ما بينا شيئاً إلا وهو دون الراقود· قيل: وكان رجال من أهل المدينة من بين فقيه وراوية وشاعر، يأتون بغداد، فيرجعون بحظوة وحال حسنة؛ فاجتمع عدة منهم، فقالوا لصديق لهم لم يكن عنده شيء من الأدب: لو أتيت العراق فلعلك أن تصيب شيئاً· قال: أنتم أصحاب آداب تلتمسون بها· فقالوا: نحن نحتال لك، فأخرجوه، فلما قدم بغداد طلب الاتصال بعلي بن يقطين، وشكا إليه الحاجة، فقال: ما عندك من الأدب؟ فقال: ليس عندي من الأدب شيء غير أني أكذب الكذبة وأخيل إلى من يسمعها أني صادق· وكان ظريفاً مليحاً، فأعجب به، وعرض عليه مالاً، فأبى أن يقبله وقال: ما أريد منك إلا أن تسهل أذني، وتدني مجلسي· قال: ذاك لك· وكان من أقرب الناس إليه مجلساً حتى عرف بذلك· وكان المهدي قد غضب على رجل من القواد، واستصفى ماله، وكان يختلف إلى علي بن يقطين، رجاء أن يكلم له المهدي، وكان يرى قرب المديني، ومكانه من علي، فأتى المديني عشياً فقال: ما البشرى؟ قال: لك البشرى وحكمك، قال: أرسلني علي بن يقطين إليك وهو يقرئك السلام ويقول: قد كلمت أمير المؤمنين في أمرك، ورضي عنك، وأمر برد مالك وضياعك ويأمرك بالغدو إليه لتغدو معه إلى أمير المؤمنين متشكراً· فدعا له الرجل بألف دينار وكسوة وحملان، وغدا على علي مع جماعة من وجوه العسكر متشكراً، فقال له علي: وما ذاك؟ قال: أخبرني أبو فلان -وهو إلى جنبه- كلامك أمير المؤمنين في أمري ورضاه عني، فالتفت إلى المديني وقال: ما هذا؟ فقال: أصلحك الله، هذا بعض ذلك المتاع نشرناه، فضحك علي وقال: علي بدابتي، وركب إلى المهدي، وحدثه الحديث، فضحك المهدي وقال: إنا قد رضينا عن الرجل ورددنا عليه ماله، وأجرى على المديني رزقاً واسعاً، واستوصى به خيراً، ثم وصله، وكان يعرف بكذاب أمير المؤمنين·