(أبوظبي) - استضافت إدارة الثقافة والفنون في هيئة أبوظبي للثقافة والتراث أمس الأول في مقرها بالمسرح الوطني بأبوظبي المفكر الكويتي الدكتور خلدون حسن النقيب في محاضرة بعنوان “عولمة الثقافة وثقافة العولمة”. وفي تقديمه للمحاضر قال الإعلامي الموريتاني محمد ولد المنى المحرر في جريدة الاتحاد “إن الدكتور خلدون النقيب شخصية علمية وفكرية معروفة، لها إسهاماتها الكبيرة والرائدة والعميقة في حقول عديدة تشمل المجتمع والسياسة والاقتصاد والتعليم والثقافة والفكر”. واستعرض ولد المنى إنجازات النقيب في ميدان الدراسات النظرية وطروحاته التي تناولت قضايا القبيلة والدولة والديمقراطية ودولة الرعاية الاجتماعية ومحنة الدستور والتاريخ المستعاد في صراع العرب والغرب وحسابات العالم العربي في نهاية القرن. كما استعرض ولد المنى المراحل العلمية والمهنية التي مر بها النقيب في ميدان التحصيل المعرفي والمواقع الوظيفية والإعلامية التي تولاها في ميدان الجامعة وفي الصحافة، حيث ترأس تحرير “مجلة العلوم الاجتماعية” و”المجلة العربية للعلوم الإنسانية”. واستهل خلدون النقيب محاضرته بمناقشة علاقة الثقافة بالعولمة فقال “الثقافة بالضرورة هي ثقافة العولمة، فهي عولمة بحكم الصلات التي تربط حضارات الشعوب بعضها ببعض، وكل حضارة يمكن أن تكون عالماً ثقافياً”. وأكد أن فكرة اعتبار العولمة نتاج وسائل التواصل الجمعي - التقني الحديث هي فكرة سطحية مبتذلة يتناولها البعض بطريقة احتفالية، احتفالاً بالانتصار الأبدي لحضارة الرأسمالية الليبرالية، وأن هذه الفكرة لا تستحق عناء رفضها أو تفنيدها. وتساءل النقيب لماذا يعتبر البعض العولمة ظاهرة تاريخية؟ وأجاب “أن هناك الكثير من الباحثين انتبهوا إلى تهافت هذا المنطق اللا تاريخي، وأكدوا على أن التلاقح الثقافي الاعتيادي بين الشعوب والحضارات منهم من اعتبرها صراعاً تاريخياً على الهيمنة والقوة على صعيد عالمي ومنهم من اعتبرها تواصلاً يغني الحضارات مما يجعل منها حضارة يتولد عنها سلوك معياري يحدد قيماً أخلاقية مشتركة كما في المواثيق الدولية لحقوق الإنسان والحكم الدستوري الرشيد ومنهم من اعتبرها حلقة جديدة غيّر مسيرته الأمبريالية تريد أن تستولي على عقول البشر”. وقال “أما كون العولمة ظاهرة تاريخية مرتبطة عضوياً بالحداثة، فأقول إن الحداثة ليست مقصورة على هذه المرحلة الحالية من تطور الرأسمالية الليبرالية الغربية” واستشهد بعدد من العلماء والمفكرين القدامى والمحدثين كالجاحظ والتوحيدي والمتنبي واعتبرهم يمثلون الحداثة في الفكر العربي. وتحدث النقيب عن مفاهيم راندال كوينز في موسوعته عن الفكر العربي والمدارس الأربع التي صنفتها من الفكر الحداثي عند العرب والمسلمين وهي أولاً أصحاب علم الكلام وثانياً السلفيون وثالثاً المتصوفة ورابعاً المتداولون للفلسفة والنصوص المترجمة. ثم تحدث عن الجدال والصراع على المستوى الفكري في الثقافة العربية - الإسلامية وتناول طروحات محمد عابد الجابري حول الإبداع في الثقافة العربية الإسلامية قد توقفت عند نهاية عصر الترجمة “265 بعد الهجرة”. وشدد على عدم وجود عصور وسطى عربية - إسلامية بالمعنى الأوروبي وتناولت مساهمات المقريزي وابن تغري بردي بالدرس والتحليل.. ودور الرأسمالية العربية الإسلامية في تقديم نموذج تحتذيه الرأسمالية الأوروبية. وعن المواجهة الحضارية التي دخلها العالم العربي والإسلامي مع الغرب “أوروبا” في زمن شارلمان منذ ميلاده اعتبر هذه المواجهة لاتزال قائمة إلى يومنا هذا، وأكد النقيب أن العولمة أصبحت مرتبطة بالتوزيع غير المتكافئ للثروة والقوة بين الأمم. وافترض الباحث مشروعاً نهضوياً عربياً لا يجعل من الغرب “بمعناه الجيوسياسي” كإطار مرجعي أو نموذج يمكن أن تحيد الأمم عنه ويأتي افتراضه من خلال تمرين عملي اقترحه في المحاضرة وأكد أن أهم عوامل وجود المواجهة التاريخية الحضارية مع الغرب هي أولاً الادعاء بأن للغرب تراثاً يهودياً مسيحياً متزامناً مع ميلاد فكرة أوروبا وثانياً استغلال الابتكارات التنظيمية التي جاءت بها الثورة الفرنسية وثالثاً استعمال العنف المنظم والمأسس لاخضاع العالم الثالث ثقافياً ونفسياً. وتحدث عن الصراع الفكري الأميركي ثم الأوروبي ثم العربي وسمات وخصائص مكونات مجتمعات هذه النظم الثلاثة، واختتمت المحاضرة بتساؤلات آثارها الحضور ورد عليها الباحث خلدون النقيب بإسهاب وبتفصيل مغنٍ.