ربما كانت الخسارة الكبرى التي انطوت عليها الحملة الانتخابية الأميركية الراهنة هي تلك التي تكمن في تنامي مشاعر الكراهية ضد الشركات الكبرى. وقد ورد الكثير من الأطروحات حول هذه النقطة في خطب المترشحين، وأيضاً من خلال سلوكيات الناخبين ومختلف الأطراف المؤثرة في مسار الحملة. وبلغت المشاعر المعادية للشركات الكبرى حدّاً من العمق جعلها تترك أبلغ الأثر حتى على المديرين التنفيذيين للشركات الكبرى. وذهب الأمر باثنين منهم هما «جيفري إيميلت» المدير التنفيذي لشركة «جنرال إلكتريك»، و«إيان ريد» المدير التنفيذي لشركة: «بفايزر»، إلى حد الإسراع بكتابة افتتاحيتين صحفيتين نشرتا يوم الخميس الماضي، عبرا فيهما عن استنكارهما للأجواء المعادية للشركات الكبرى في الولايات المتحدة. وقد برزت هذه المظاهر في صلب الأجندات التي يطرحها المرشحون مثل: الإصلاح الضريبي للشركات، والتصديق على معاهدة الشراكة عبر الهادي، والإصلاح الإداري، وتحرير ملف الهجرة، وزيادة مخصصات الإنفاق على قطاع الأشغال العمومية. ومن الجدير بالإشارة هنا أن مثل هذه الأطروحات تعتبر عادية خلال العام الذي تنطلق فيه الانتخابات الرئاسية في أميركا، إلا أن هذه العقلية المعادية للشركات الكبرى ظهرت هذا العام وهي أكثر تطرفاً مما كانت عليه في الماضي، ومن المرجح أن تتواصل حتى بعد تسلم الرئيس المقبل لمنصبه، وفي داخل أروقة الكونجرس الجديد الذي سيتم انتخابه أيضاً. وقد عبر الناخبون عن ازدرائهم لما يحدث بطرق وأساليب متعددة، وكان المترشحون الذين تلقوا أكبر سيل من انتقادات مديري الشركات هم الحاكم السابق لولاية فلوريدا «جيب بوش»، وحاكم ولاية نيوجيرسي «كريس كريستي»، والسيناتور عن ولاية فلوريدا «ماركو روبيو»، وحاكم ولاية وسكونسن «سكوت ووكر»، وكلهم فازوا بتأييد ضعيف من الناخبين في استطلاعات الرأي الأولية، وقد اتضح للمحللين أن المرشح الأكثر كرهاً بالنسبة للشركات الكبرى هو السيناتور عن ولاية فيرمونت «بيرني ساندرز» على رغم أنه قد حقق نتائج جيدة في استطلاعات الرأي. ويكمن المثال الأكثر بروزاً على الرجل الذي يحمل الإحساس الأكثر عمقاً بمعاداة الشركات الكبرى في شخص دونالد ترامب، هذا الملياردير ورجل الأعمال الذي دأب على «شيطنة» الشركات الكبرى بشكل منظم، هذا مع أنه كان قد عمد إلى توظيف المهاجرين غير الشرعيين وإطلاق نشاطاته الإنتاجية والاستثمارية فيما وراء البحار (وهي السلوكيات ذاتها التي يهاجمها هو نفسه الآن بكل قوة)، وقد فاز «ساندرز» بسبعة من أصل السباقات الانتخابية الثمانية الأخيرة للحزب «الديمقراطي» بطرحه لفكرة تحطيم الإمبراطورية المالية للبنوك، وفرض أعباء ضريبية أعلى على الشركات الكبرى، والدعوة إلى إلغاء الاتفاقيات التجارية الدولية. وحتى هيلاري كلينتون التي اشتهرت بعقد الصداقات الشخصية مع أرباب الشركات الكبرى، تحاول الآن هي أيضاً التفوق على «بيرني ساندرز» من خلال اقتراح جريء تقدمت به لإعادة تنظيم العمل في بورصة «وول ستريت»، ومعارضة اتفاقية التجارة الحرة، وطرح برامج جديدة للصحة المجتمعية بحيث يتم تمويلها من تحصيل الضرائب الإضافية من الشركات الكبرى، وقد صادق الكونجرس على «قانون دود- فرانك للإصلاح المالي» المقدم للمداولة منذ عام 2010 للتصدي للانتهاكات التي كثر الحديث عنها في الصناعة البنكية، والتي سبق لها أن أدت إلى «تسونامي» أزمة الرهن العقاري وفقدان الملايين من الموظفين الأميركيين لمناصب عملهم، وعلى رغم أن الركود قد أتى على نهايته منذ أكثر من ست سنوات، فإن تأثيراته ومضاعفاته لا زالت قائمة حتى الآن، وهي تتجلى في المداخيل التي بقيت دون تحسن، وفي النمو الهزيل في الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة، وعندما يحاول المترشحون للانتخابات الرئاسية التعبير عن القلق الذي تستشعره الطبقة العاملة، يسارعون عادة إلى توجيه اللوم لأوباما، ثم للجشع الذي يمثل القوة المحركة لبعض الشركات الكبرى. وكان لـ«جماعة حفل الشاي» التابعة للحزب الجمهوري موقفها في هذا المجال أيضاً، وهي التي أعلنت عن دعمها للشركات الصغيرة من دون أن تتخذ موقفاً واضحاً من الشركات الكبرى أو من قطاع الصناعة المالية، وقد سجلت الشركات التي اعتادت أن تتلقى الدعم من مشرّعي الكونجرس، تراجعاً منذ الظهور المفاجئ لجماعة «حفل الشاي» عام 2009، وهي التي ساعدت على عزل المؤيد البارز لتلك الشركات، السياسي «الجمهوري» والناطق باسم مجلس الشيوخ جون بوينر، بالإضافة للرجل الثاني في المجلس «إريك كانتور». * كاتبة أميركية متخصصة في الشؤون الاقتصادية والمالية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»