عندما أوقف بنك أجنبي حسابات شركة الشحن التي تملكتها عائلتها أحيت نزيلة نويباشاري ممارسة مالية كانت تتصور ان الزمن قد عفا عليها·· أرسلت موظفين إلى الحدود الأفغانية لتحصيل 50 ألف دولار باليد· ومع تزايد اعداد البنوك الأجنبية التي تنهي اعمالها مع عملاء إيرانيين بسبب العقوبات التي تقودها الولايات المتحدة أصبحت هذه الممارسة هي السبيل الوحيد أمام شركة تراف كو والعديد من الشركات الإيرانية الأخرى للبقاء في السوق· وقالت نويباشاري التي تدير شركة النقل التي تأسست في الثلاثينات وتواجه الآن بعضا من أكبر المصاعب التي واجهتها في نحو سبعين عاما ''باعتبارنا شركة مقرها إيران لا يمكننا فتح حساب بالعملة الأجنبية في أي مكان في العالم''· وأبلغت رويترز ''يتعين علينا العودة للممارسات القديمة لنقل السيولة··· حمل مبلغ 50 الف دولار إلى أي حدود هذه الأيام يعد من أكبر المخاطر·· سواء بالنسبة للشركة أو العاملين الذين يقومون بذلك·'' وفكرة تنقل آلاف الدولارات في منطقة مثل افغانستان التي تعتبرها واشنطن ساحة لملاحقة الإرهابيين لن ترضى عنها أجهزة الأمن الغربية· لكن هذا الأثر غير المباشر للعقوبات يشغل بال الساسة أكثر من رجال الأعمال· وتظهر تجربة نويباشاري كيف ان الاجراءات العقابية الغربية المفروضة على الجمهورية الإسلامية بسبب أنشطتها النووية تزيد من صعوبة إقامة أعمال في رابع أكبر دولة منتجة للنفط في العالم· ويشير مسؤولون آخرون بشركات إيرانية غالبا ما يطلبون عدم الكشف عن هوياتهم إلى تصاعد مشكلات الحصول على تمويل من الخارج للواردات وارتفاع الفائدة على الائتمانات التي يحصلون عليها وتزايد حذر الشركاء من الأوروبيين وغيرهم في التعاملات· وقال تاجر إيراني إن إذن استيراد إلى إيران من دولة أوروبية لمعدات جامعية مسجلة باعتبارها معدات ''معمل'' لكلية تدرس الفنون وليس العلوم استغرق استخراجه عشرة أسابيع بالمقارنة مع أسبوعين في العادة· وأشار رجل أعمال آخر إلى مشكلات في الحصول على معدات لشركة المنظفات التي يملكها قائلا انها منعت للاشتباه في انها ''ثنائية الاستخدام'' وهو ما يعني انها يمكن استخدامها في البرنامج النووي الإيراني· واحتار بشأن نوعية هذا الاستخدام· ورافق مدير بشركة للانشاءات مراسل رويترز لمشاهدة مكاتب بناها بنية التوسع لكن بعض الطوابق خالية الآن تنتظر مستأجرين· واختار دراسة مشروعات في دبي وهي مركز مالي وتجاري اقليمي حيث يسعى آخرون كذلك لفتح مكاتب لتجنب مشاكل ادارة الأعمال من إيران· ويدفع رجال الاعمال هؤلاء ثمن الحملة التي تقودها الولايات المتحدة لعزل طهران بسبب انشطتها النووية التي تشتبه واشنطن انها تهدف إلى انتاج قنابل نووية· وتنفي إيران ذلك قائلة انها تريد توليد الكهرباء لتصدر المزيد من النفط والغاز· وقد تزداد ظروف الحياة صعوبة· فالولايات المتحدة تسعى الآن لفرض جولة ثالثة من عقوبات الأمم المتحدة على إيران كما تمارس ضغوطا على شركات غربية حتى لا تستثمر في إيران· وقررت بنوك غربية منها يو·بي·اس السويسري ودويتشه بنك الألماني إما قطع كل صلة لها أو خفض تعاملاتها مع إيران· وقال مصدر مصرفي دولي عن البنوك الاجنبية في إيران ''انها اما لا تفعل شيئا على الإطلاق او تفعل القليل جدا·'' ويشكو رجال الاعمال الغربيون كذلك من تزايد المشكلات في إيران نتيجة المواجهة النووية· فتكلفة فتح خطابات ائتمان وهي أداة حيوية في تمويل التجارة زادت بشدة في الاثني عشر شهرا الماضية· وأشار رجل أعمال غربي إلى أن بعض الشركات الإيرانية الكبرى مازالت قادرة على ايجاد بدائل لتمويل مشروعات وتحويل النقود من وإلى البلاد· ويقول مصرفيون إن البنوك غير الغربية أكثر استعدادا للتعامل مع إيران· وقال ''رجال الأعمال الإيرانيون هم على الأرجح من أكثر رجال الأعمال ابداعا في العالم· فهم يواجهون عقوبات منذ 30 عاما''· لكن نويباشاري التي خلفت والدها في إدارة الشركة قالت إن الأمور تزداد صعوبة بعد أن أغلق بنك ستاندارد تشارترد حساب الشركة في دبي· وأضافت ''تلقينا خطابا يوم 27 يوليو يفيد أنه اعتبارا من الثاني من أغسطس كل التعاملات ستتوقف''· وتابعت وهي جالسة إلى مكتب خشبي بسيط وترتدي غطاء الرأس الإسلامي ''هذا ظلم وعمل غير مهني''· وعرضت نسخة من خطاب يحمل اسم البنك البريطاني· ورفض ستاندارد تشارترد في دبي التعليق· وأسس جد نويباشاري شركة تراف كو في عهد الشاه· وتقول نويباشاري إن الشركة تشهد الآن أسوأ مرحلة مرت عليها منذ الحرب العراقية الإيرانية بين عامي 1980 و·1988 وأضافت ''إذا استمر الوضع على هذا الحال سأغلق الشركة في غضون ستة أشهر''· وتجاهل مسؤولون إيرانيون أثر العقوبات قائلين إن الاقتصاد ينمو بقوة والاجانب مازالوا يستثمرون حتى مع الارتفاع الكبير في بيانات البطالة والتضخم· وتعتبر إيران التي تضم اراضيها ثاني أكبر احتياطيات من النفط والغاز في العالم مصدر جذب قوي لشركات النفط العالمية· غير ان رويال داتش شل وتوتال أشارتا إلى أن التوترات السياسية قد تؤثر على خططهما الاستثمارية· وحث وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير يوم 16 سبتمبر الجاري الشركات الفرنسية على عدم طلب عمل في إيران قائلا إن بلاده يجب أن تتحسب لاحتمال شن حرب على إيران· ويقول مسؤولون من الاتحاد الأوروبي إن الاستثمارات الجديدة للاتحاد في إيران انكمشت· وعلى الرغم من دلائل على اضطرابات اقتصادية متنامية تقول نويباشاري إن العقوبات لن تغير سياسات الحكومة الإيرانية التي حققت مكاسب استثنائية من ارتفاع أسعار النفط في السنوات القليلة الماضية تماما كما فشلت العقوبات في العراق في التسعينات· وقالت ''عراق آخر سيظهر يتضرر شعبه أكثر بكثير مما تتضرر حكومته''·