تجسيد شخصيات الأنبياء والصحابة في الأعمال الدرامية من القضايا التي تثير الجدل بين علماء الدين من وقت لآخر· ورغم ظهور بعض الأعمال الدرامية التي جسدت بالفعل أنبياء وبعض شخصيات الصحابة إلا أن علماء الدين يرفضون هذا بصورة مطلقة ويطالبون بمصادرة تلك الأعمال ومعاقبة القائمين عليها· وهذا هو الموقف الذي تبناه علماء الدين من فيلم ''آلام المسيح'' والذي يجسد شخصية نبي من أنبياء الله هو عيسى وأمه مريم -عليهما السلام· ورغم ذلك ظهرت دعوات تطالب بتجسيد شخصيات الصحابة -رضى الله عنهم- وشخصية رسول الله محمد -صلى الله عليه وسلم· وكان مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر قد رفض تجسيد شخصيات الأنبياء أو الصحابة، خصوصاً العشرة المبشرين بالجنة في الأعمال الدرامية أو السينمائية، ويرجع هذا الرفض إلى خشيته من أن يربط النشء صورة الممثل الذي يقوم بالدور بصورة النبي أو الصحابي· كما يطالب المجمع باحترام هذه الشخصيات ذات المكانة الخاصة وعدم تعريضها لأي شكل من أشكال الامتهان سواء بسبب الممثل الذي يقوم بالدور أو بسبب العمل الدرامي أو السينمائي ككل· شخصيات طاهرة من جانبه أكد الدكتور عبد العظيم المطعني، الأستاذ بجامعة الأزهر، رفضه لتجسيد شخصيات الصحابة -رضى الله عنهم- أو تجسيد شخصية النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- بحجة أن ذلك يخدم الدعوة الإسلامية ويعرف شعوب العالم بالإسلام ورسالته· وتساءل لو افترضنا أن مثل هذه الأعمال جائزة شرعاً فمن الذي يقوم بدور أبي بكر أو عمر أو عثمان أو علي ومن يقوم بدور رسول الله؟ وهل الشخصيات الملوثة التي حرقت وجوهها في أدوار خسيسة تصلح لتجسيد هذه الشخصيات الطاهرة؟ ويرى أن شخصية النبي وشخصيات الصحابة لو تم تجسيدها لأصبحت محجمة ومقلصة وربما ممتهنة، لأن كل مسلم له تصور عن هذه الشخصيات ولا نريد بتجسيدها أن نقلل من هذا التصور، مؤكداً رفضه لتجسيد هذه الشخصيات تحت أي حجة أو ذريعة· ويخلص إلى أن مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر رفض تجسيد شخصيات الصحابة العشرة المبشرين بالجنة، وهذا خطأ، لأن الصحابة جميعهم فى درجة واحدة وكلهم مبشرون بالجنة بنص القرآن الكريم· أضرار كثيرة ويرى الدكتور محمد شامة، المستشار الثقافي لوزير الأوقاف أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- له مكانة كبيرة في نفوس المسلمين وكذلك الصحابة -رضوان الله عليهم- وإذا تم تجسيد هذه الشخصيات في الأعمال الفنية لكان ذلك بمثابة تقليل من شأنها وحط من قدرها وإنقاص من مكانتها، موضحاً أنه من الأفضل أن تترك هذه الشخصيات لخيال كل مسلم يرسمها بالطريقة التي يراها بدلا من أن نفرض عليه نمطا معينا قد ينفر منه ويجعله يسقط ذلك على شخصية الصحابي التي لا صلة لها بشخصية الممثل الذي جسد الدور من قريب أو بعيد· وأضاف أن دائرة المنع لم تعد كبيرة فقد تم تقليصها إلى شخصيات الأنبياء والصحابة العشرة المبشرين بالجنة، وعلى ذلك فلا داعي أن يطالب البعض بتجسيد هذه الشخصيات لأن تجسيدها ستكون أضراره أكثر من مميزاته، وينبغي علينا ترك هذه المسألة لمخيلة كل مسلم· وإذا كان فنانو الغرب قد جسدوا شخصية عيسى -عليه السلام- سواء في فيلم ''آلام المسيح'' أو غيره فهذا أمر يتعلق بهم ونحن لا نتدخل في شئونهم لكننا نرفض تصوير شخصيات الرسل والصحابة في أعمالنا· إن تجسيد شخصيات الأنبياء أو الصحابة مرفوض· أدلة وجيهة وأوضح الدكتور زكي عثمان، الأستاذ بكلية الدعوة الإسلامية جامعة الأزهر، أنه إذا أخذ أي فيلم أو عمل درامي مضمون قصة قرآنية ولم يصرح بأسماء الشخصيات ولم تكن له أهداف مخالفة لأهداف القصة القرآنية ولم يحرف في الغاية النبيلة التي تسعى إليها وإذا كان العرض بعيدا عن الانحراف والابتذال فلا حرج في ذلك· ويؤكد أن الإسلام يرفض رفضا باتا تمثيل شخصية أي نبي من أنبياء الله أو الصحابة العشرة المبشرين بالجنة لأن الأنبياء لهم مقام رفيع وإظهارهم في فيلم أو مسلسل فيه إنقاص لمكانتهم· وأنه حينما يعترض الأزهر على عمل فني أو حينما يسمح بعرضه فلابد أن يكون الاعتراض أو السماح بالعرض مبنياً على أدلة وأسس وجيهة· قدسية وجلال وقال الشيخ منصور الرفاعي عبيد، وكيل وزارة الأوقاف السابق، إنه إذا كان تمثيل شخصيات الأنبياء مقبولا في الغرب فإن ذلك مرفوض عندنا في الإسلام لأن ظهور نبي في فيلم أو مسلسل يعني تجسيده وهذا ابتذال له، مؤكدا أن النبي -أي نبي- في الإسلام شخصية مقدسة لها جلالها واحترامها ويجعلها فوق الابتذال، كما أن تمثيل شخصية النبي يجعل العقل والخيال سواء عند الكاتب أو المخرج أو الممثل يلعب دوره بالإضافة أو الحذف في الأحداث وهذا كله مرفوض· إن الإسلام يرفض تمثيل شخصية أي نبي من أنبياء الله وعرض أعمال لم يعملها أو أن يجري على لسانه أقوال لم يقلها، كما أن الممثل عندنا لا عصمة له حتى نجعله يمثل شخصية نبي من الأنبياء·