لمياء الهرمودي، أحمد مرسي ( الشارقة)
يواجه الصحفيون والإعلاميون الميدانيون تحديات وجودية، وذلك مع تنامي حضور المؤثرين في وسائل التواصل الاجتماعي، وتضخم دورهم في مجالات التسويق والنشر بمختلف منصات التواصل المتوفرة بالعالم الافتراضي عبر الشبكة العنكبوتية. وتزيد هذه التحديات بوجود صراع خفي بين هؤلاء المؤثرين، بمختلف خلفياتهم العلمية والاجتماعية، بعضهم البعض من ناحية، وبينهم وبين الإعلاميين والصحفيين التقليديين ممن عايشوا مهنة الإعلام ومارسوها على مدى عقود من الزمن، من ناحية أخرى. وإزاء هذا الواقع الإعلامي الجديد، بات الصحفيون والإعلاميون يواجهون تحدياً جديداً، يضاف إلى تحد سابق ممثل في شركات العلاقات العامة والإعلام، والتي نجح الصحفيون في تجاوزه بتحري المعلومات ميدانيا والتحقق من المصادر والالتزام بمعايير أخلاقيات المهنة، إلى أي حد أضحت وظيفة الصحفي والإعلامي الميداني مهددة بظهور المؤثرين الجدد، وإلى أي حد يتسم ما يقدمه الأخيرون بالصدق والموضوعية، وما مدى التزام هؤلاء المؤثرين بأخلاقيات المهنة وأبعادها المجتمعية والوطنية. الاتحاد طرحت الموضوع على إعلاميين ومؤثرين ومسؤولي إعلام بجهات محلية وحكومية وكان هذا التحقيق، الذي خلص إلى أنه وعلى الرغم من عدم إمكانية تغافل المؤثرين في ظل ثورة الاتصالات، إلا أن الصحفي الميداني لا غنى عنه لما تتسم به أعماله من دقة وتمحيص وصدقية، بعيداً عن أهواء وميول ومزاج المؤثرين.
لا مفر.. ولكن
تقول جواهر النقبي مدير المركز الدولي للاتصال الحكومي: إن دور الصحافة الحقيقية مهم ويجب عدم التغافل عنه باعتبارها أداة الإعلام الحقيقية، والتي من خلالها يتم التواصل الرسمي للأخبار، والإعلان عنها مع أفراد المجتمع، ولكن هناك عوامل أثرت على الصحافة التقليدية من بينها هؤلاء المؤثرون الذين ساعدت وسائل الاتصال الحديثة على ظهورهم وبالتالي فلا يمكن تجاهل دورهم المجتمعي، بل ويمكن الاستفادة منهم رسمياً مع التوجيه.
من جهته، أكد خالد المالك رئيس تحرير صحيفة الجزيرة السعودية ورئيس هيئة الصحفيين السعوديين، مرور الصحافة التقليدية بوضع جديد مع انتشار وسائل إعلام أخرى أسرع من خلال منصات وسائل التواصل الاجتماعي، إضافة لتأثرها بالصحافة الرقمية، صحيح أن منصات التواصل الاجتماعي والمؤثرين عبر تلك المنصات أصبح لهم حجم كبير في مجال التأثير الجماهيري، لكن يظل للإعلام الرسمي والصحافة التقليدية تمتعها بسمات الصدقية والموضوعية والدقة، مشيراً إلى ما أفرزته السهولة الحالية في التواصل بحيث جعلت من كل من يمتلك جهازاً ذكياً قادراً على بث ما يريد وتقديم نفسه كصحفي، إلا أن الغلبة بالطبع للصحفي الميداني التقليدي الذي يمتلك مهارات المهنة والقدرة على الكتابة الصحيحة بعد تمحيص وتدقيق للمعلومات من مصادرها.
الموهبة والمصداقية
وفق هذه الرؤية يؤكد الإعلامي الكويتي محمد الملا من دولة الكويت استحالة اندثار الصحافة التقليدية، مؤكداً أنها تمر بمرحلة من التطور والتغيير بسبب المتغيرات التي يشهدها العالم الافتراضي وظهور منصات التواصل والمؤثرين، مشيراً إلى أنه في استطاعة كل مؤثر أن يصبح صحفياً مشهوراً إذا ما كان يمتلك الموهبة، لكن يظل للصحفي أدواته التي قد لا يعرفها المؤثرون من موضوعية ودقة وأخلاقيات مهنية.
وأشار إلى أن المؤثرين هم عبارة عن أسلوب جديد دخل في مجال الإعلام والصحافة، ولكن لابد من التأكد من مصداقية الأخبار من المصادر، داعيا إلى الاستفادة من المؤثرين ولكن بتدريبهم وتوعيتهم بخطورة ما يبثونه من أخبار ومسؤوليتهم عن أي نتائج اجتماعية خاطئة.
شاهد من أهلها
بدوره أكد خالد المطروشي أحد المؤثرين على منصات التواصل الاجتماعي على أنه من غير المنطق أن يكون أي «مؤثر» صحفي أو إعلامي ولكن العكس قد يكون صحيحاً، إذ يمكن لأي إعلامي أو صحفي أن يكون مؤثراً ناجحاً على منصات التواصل الاجتماعي، وقال: يجب التفريق بين المؤثرين في مجال التواصل الاجتماعي بمختلف المنصات وبين الإعلاميين والصحفيين، حيث إنه في رأيي لكل منهم هدف معين، ورسالة واضحة، لجمهور محدد، ولا يمكننا خلط الأمور، خاصة وأن المؤثرين باتوا يدخلون ويدعَون من قبل مؤسسات عدة لتمثيلهم، والقيام بالعمل الدعائي والنشر الإعلامي لهم وهو أمر لي عليه بعض التحفظ.
وأضاف : على الجهات التي تدعو المؤثرين اختيار المؤثر، والناشط على منصات التواصل الاجتماعي الصحيح والمناسب، فلا يمكن دعوة مؤثر اجتماعي في مجال الطبخ والفن للتحدث في التكنولوجيا والعلوم ، لذا على الجهات الانتباه والحذر، إذ أن المؤثر الاجتماعي يأتي من خلفية لها صورة محددة، وهدف ورسالة تخدمه من خلال الجمهور الذي يتابعه ويمثله.
صدقية «التقليدية»
وأكدت الإعلامية عهدية السيد أن وسائل الإعلام التقليدي تأثرت إيجابياً بظهور وسائل التواصل الاجتماعي، حيث إنه في حالة الأزمات يعود القارئ إلى وسائل الإعلام التقليدية للتأكد من الخبر، لأنه يعلم جيداً مدى مصداقيتها مقارنة بالمواقع الإلكترونية المنتشرة، وأشارت إلى أن الصحف الورقية وخاصة في منطقة الخليج لديها مسؤولية وطنية، وتلتزم بالمصالح الوطنية، وأضافت أنها تتمنى عودة هيبة الصحف الورقية مرة أخرى، من خلال الاهتمام بالمحتوى المقدم للجمهور.
صنع التغيير
أكدت إيمي جو مارتن الكاتبة ورائدة أعمال والمؤثرة في مواقع التواصل الاجتماعي في الولايات المتحدة الأميركية أن كل إنسان مؤثر في البيئة المحيطة حوله دون الحاجة للاستعانة بوسائل التواصل الاجتماعي، وأوضحت أن كمية الأعداد الهائلة للمتابعين ليست بالأهمية الكبيرة إذا لم يكن هناك تأثير على المتلقي، مشيرة إلى أن كل شخص يستخدم وسائل التواصل الاجتماعي يمكنه أن يصنع تغييراً إذا ما نجح في اختيار الرسائل والأفكار التي ينقلها للمتابعين باحترافية ووعي.
وأشارت إلى أن هوية المؤثر وبصمته تؤثر بشكل كبير على المتلقي وعلى مدى استمرارية متابعته له، إذ تعتبر العلاقة «الإنسانية» مهمة جداً في تكوين ربط المؤثر بالمتلقي، فمعظم المتابعين يفضلون التعرف على الجانب الإنساني للمؤثر لما يحتويه هذا الجانب من مصداقية وشفافية. وقالت: قد يتعرض المؤثر في بداية مشواره إلى بعض العقبات التي تحول بينه وبين المتلقي، ولكن يجب أن يتحلى المؤثر بالشجاعة الكافية ليستمع إلى التعليقات التي تصله وأن يخوض التجربة عدة مرات حتى يصل إلى اتفاق بينه وبين المتابعين، داعية المؤسسات الحكومية إلى احتواء هؤلاء المؤثرين وهو أحد أهم الإجراءات اللازمة لوقف السلبية في مواقع التواصل الاجتماعي، مؤكدة أن وسائل التواصل الاجتماعي ليست جيدة أو سيئة، وإنما هي أداة قوية للغاية تتميز بالسرعة والكفاءة والفعالية، وعلى المستخدمين اتخاذ القرار في كيفية استخدامها.