لم يعد محمد خان يرغب في العودة إلى دياره بعد أن اضطر لمغادرة مرجة ومقاتليها وقنابلها ولجأ إلى لشكركاه في جنوب أفغانستان، وجل ما يرغب به هذا الميكانيكي الذي حرص على إبراز يديه المتشحتين بسواد الشحم، هو العمل. محمد فر مع أسرته من مرجة التي شكلت مركز حملة واسعة للحلف الأطلسي والجيش الأفغاني منذ شهر. كان أولاده يلعبون في حين توارت زوجته مع أصغر الأبناء سنا. وهم لا يملكون ماء أو كهرباء ولا مكانا للطبخ أو للاغتسال. إنهم متسخون ومعدمون وحزانى. ويؤكد محمد خان أنه لم يتلق أي مساعدة من الحكومة أو من منظمة غير حكومية أجنبية. وقال “أريد عملا فأنا ميكانيكي جيد وأريد إعالة أسرتي”. ومحمد والكثير من الأسر الأخرى التي تعيش حياة البؤس في لشكركاه كبرى مدن ولاية هلمند، منسيون من البيروقراطية الأفغانية وحلف شمال الأطلسي. وبحسب داود أحمدي المتحدث باسم سلطات هلمند فإن 3835 أسرة من مرجة ونواحيها لجأت إلى لشكركاه ومنطقتها. وأضاف “عادت معظم الأسر إلى ديارها بمحض إرادتها”. غير أن جولة عشوائية في شوارع لشكركاه تكفي لاكتشاف أسر تهيم على وجهها غير مسجلة في أي دفتر. ولم تتلق هذه الأسر أدنى مساعدة وليس لديها أقارب تلجأ إليها أو أي فكرة عن كيفية العودة الى الديار. وكان محمد غادر مرجه بعد بداية المعارك في 13 فبراير. وقال “طلب منا طالبان البقاء في القرية لانهم يستفيدون من وجودنا”. وأضاف “اختبأوا في منزلنا ما أن بدأت عمليات القصف واستخدمونا غطاء لمحاربة الجنود الأميركيين انطلاقا من منزلنا”. وأكد أن “الكثير من السكان غادروا مرجه معنا بعضهم قدم إلى هنا والبعض الآخر ذهب الى ولاية نمروز ومناطق اخرى”. وقال بأسف “لا نملك ما يكفي من المال لإطعام الأطفال هنا أو في مرجه وبالتالي لا فرق أن بقينا أو عدنا. نحن لا نملك شيئا هنا أو هناك”. وكان تم تقديم “مشترك” على أنها اكبر عملية للحلف الأطلسي في أفغانستان منذ الإطاحة بنظام طالبان نهاية 2001 وتمت بمشاركة 15 ألف جندي من الحلف الأطلسي ومن الجيش الأفغاني. ومثلت نقطة انطلاق عمليات عسكرية تتراوح مدتها من 12 الى 18 شهرا هدفها القضاء على التمرد المتنامي في البلاد، بحسب كبار ضباط الحلف الأطلسي. كما أن حملة مشترك مثلت أول اختبار للاستراتيجية الجديدة لمكافحة التمرد التي وضعتها إدارة الرئيس باراك أوباما. ويقول العسكريون إنه تم أخذ كل شيء في الاعتبار. بيد أن نورين ماكدونالد رئيسة المجلس الدولي للأمن والتنمية ومقره لشكركاه ترى أن ذلك صحيح باستثناء ما يخص المدنيين. وأوضحت “بذل جهد كبير في مستوى التخطيط وصرف الكثير من المال على الجانب العسكري من العملية لكن للأسف لم نر الجهد ذاته يبذل تخطيطا وتمويلا لإدارة الأثر السلبي للعملية على السكان”. ويؤكد عاملون إنسانيون في لشكركاه أنه لم يتم تفعيل اجراءات استقبال المدنيين إلا في الأيام الأخيرة من الهجوم. وقال ناشط إنساني غربي فضل عدم كشف هويته “كان هناك الكثير من التوتر كانوا يتقابلون عدة مرات يوميا ويتبادلون الاتهامات ويتهمون الأمم المتحدة بعدم التعاون”.