وفقاً لمسؤولين في سلطات إنفاذ القوانين، فقد عمد كل من لويس سافيدرا وكارلوس روكا في ليلة الخامس عشر من مارس 2006 إلى التجول من بنك إلى آخر في مدينة نيويورك وهما يودعان الأموال النقدية في داخل ماكينات الصرف الآلي في حسابات تخص شبكة من الأشخاص· وفي جميع الأموال ظلت قيمة كل ايداع تتراوح ما بين مبلغ 500 و1500 دولار ولم تتجاوز سقف الألفي دولار على الاطلاق، وفي اليوم التالي عند وقت الظهيرة تمكن هذان الشخصان من زيارة أكثر من 10 بنوك في ماديسون افينيو قبل أن يتمكنوا من ايداع مبلغ يزيد على 111 ألف دولار في داخل 112 حساب مصرفي، كما ذكر المسؤولون الذين تمكنوا لاحقاً من تتبع أثر هذه التحركات من أوراق بيانات الايداع المصادرة· وفي نفس تلك الأثناء كان الأعضاء في عصابات كولومبيا الاجرامية يستخدمون بطاقات ماكينات الصرف الآلي لسحب هذه الأموال بعملة البيزو وهم ينتقلون بسرعة من ماكينة لأخرى، حيث يقدر بريدجيت بيرنان المدعي الخاص في أنشطة المخدرات في مدينة نيويورك أن هذه المنظمة الاجرامية استطاعت تحويل مبلغ بحوالي مليوني دولار في شهر واحد فقط· لقد تم القاء القبض على سافيدرا وروكا في يونيو من ذلك العام بعد أن وجهت إليهم تهم بموجب قوانين مكافحة غسل الأموال في الولاية، وكما ورد في صحيفة الوول ستريت جورنال مؤخراً، فقد ذكر المسؤولون أن هذين الشخصين درجوا على تحويل الأموال إلى منظمة كولومبية تتاجر في المخدرات· كما أشار المحققون إلى أن الرجلين تورطا في ممارسة تبييض للأموال باتت تعرف باسم ''مايكروستركشرينج'' أو ما يمكن ترجمته إلى ''البناء بكميات متناهية في الصغر'' عبر ايداع كميات قليلة من المال بهدف تجنب وتفادي الاشتباه من قبل البنوك، أما في كولومبيا فإن الحصول على هذه الأموال لا يحتاج إلى جهد أكثر من الضغط على الأزرار في ماكينة الصرف الآلي، ولكن هذه الطريقة الجديدة برزت مؤخراً لتمثل تحديا بالغ الصعوبة للمسؤولين عن انفاذ القوانين المعنيين بمكافحة تحويلات الأموال غير المشروعة من قبل مروجي المخدرات والجماعات الارهابية وعصابات الجريمة المنظمة والمتمثلة في تقسيم التحويلات المالية الكبيرة الحجم إلى قطع صغيرة من أجل تفادي اكتشافها من قبل الجهات المالية المنظمة· ويذكر أن هذه الممارسة تحديداً قد تم تجريمها من قبل الكونجرس الأميركي منذ العام ،1986 وبمجرد أن تم سحب الأموال في كولومبيا فإنها أصبحت أموال ''جرى غسلها'' في حقيقة الأمر طالما تم استلامها بالعملة المحلية وأصبح من المستحيل متابعة اثرها أو التعرف إلى أصلها أو جذورها· وفيما يبدو، فإن الشبكات المرتبطة ببعضها البعض لماكينات الصرف الآلي قد جعلت من السهولة بمكان وأكثر من أي وقت مضى تحويل ونقل الأموال من مكان إلى آخر في جميع أنحاء العالم· فعدد هذه الماكينات في كولومبيا على سبيل المثال بلغ أكثر من ضعفه في الفترة ما بين عامي 1995 و2000 إذ ارتفع من 2238 إلى 5520 ماكينة وفقاً لاحصائيات جمعية المصارف الكولومبية· ويقدر صندوق النقد الدولي أن نسبة تتراوح ما بين 2 و5 في المئة من اجمالي الناتج المحلي العالمي - أي ما بين 962 مليار و2,4 تريليون دولار - يتم تبييضها في كل عام، بينما يشير الخبراء إلى أن معظم هذه الأموال ظلت تتدفق عبر قنوات الأنظمة المالية الأميركية· وعلى الرغم من أن الجهات المسؤولة عن انفاذ القوانين ظلت تواجه ضغوطاً عاتية من أجل الاستمرار في مكافحة عمليات غسل الأموال التي يستخدمها المجرمون من أجل جعل عائدات الأنشطة غير المشروعة لكي تبدو قانونية فإن مجمل هذه الضغوط استمرت تمارس على البنوك التي أصبحت مطالبة بالابلاغ عن أي تحويل نقدي يزيد على 10 آلاف دولار حتى يسهل الكشف عن عمليات غسل الأموال والأنشطة غير المشروعة الأخرى· بيد أن مروجي المخدرات على وجه الخصوص لديهم أموال هائلة يرغبون بشدة في ضخها داخل النظام المصرفي، بينما يرغب هؤلاء التجار في كولومبيا في الحصول على أكبر قدر من هذه الأموال التي حصلوا عليها في أميركا وأوروبا بعملة البيزو حتى ينمحي اثرها بالكامل ويبدأوا مجدها في استثمارها في العمليات القذرة· ولقد تمكنت البنوك من احراز بعض التقدم بالخصوص بسبب أن عملية تقسيم الأموال إلى أجزاء صغيرة عادة ما تنطوي على تحويلات من الولايات المتحدة مقابل سحوبات لهذه الأموال في دول ما وراء البحار· لذا فليس من الصعب على البنوك برمجة برامج معلوماتها الخاصة بمكافحة غسل الأموال بحيث تتمكن من كشف هذه الأنشطة، فعمليات السحب تتبع نظاماً معيناً مثل حدوثها قبل أو بعد منتصف الليل وعادة ما تتم بعيد ساعات قليلة أو يوم واحد من موعد الايداع· ولكن وحتى ولو تمكن بنك واحد من التنبه إلى تعاملات مشتبه بها في داخل نظامه، فمن العسير عليه أن يكشف النقاب عن مشاريع تنطوي على العديد من الحسابات المصرفية في العديد من البنوك الأخرى في وقت واحد· وليس أدل على ذلك من أن العملية التي أدت إلى إلقاء القبض على سافيدرا وروكا لم تكن نتاجا للبيانات التكنولوجية التي يزخر بها النظام المصرفي، وانما بسبب المجهود الذي بذلته الأجهزة الشرطية التقليدية عندما لاحظت وتحرت عن التحركات المشبوهة للشخصين قبل أن تتمكن من الاستحواذ على أوراق بيانات الايداع المتعددة· وقد لاحظ المحققون أن عصابات غسل الأموال توفر في بعض الأحيان عطلات مجانية لأفرادها إلى الولايات المتحدة الأميركية حتى يتمكنوا من فتح العديد من الحسابات المصرفية أثناء هذه العطلات المطولة· لذا فإن ماكينات الصرف الآلي أصبحت مرشحة لأن تصبح أحد أهم الوسائل المساعدة على تبييض الأموال حتى إشعار آخر·