تحول المسرح الوطني الجزائري ''محيي الدين باشطارزي'' إلى لوحة فنية تاريخية جميلة وهو يعرض، على مدار ساعة ونصف الساعة من الزمن، مسرحية بعنوان ''يوغرطة'' التي تحتل المرتبة التاسعة والثلاثين في تظاهرة ''الجزائر عاصمة الثقافة العربية''· ولفتت المسرحية التي قدمتها فرقة باتنة الجهوية (427 كلم شرق الجزائر) انتباه العشرات من المتفرجين بديكورها الجميل، حيث نجح السينوغرافي عبد الرحمان زعبوبي في رسم لوحات فنية سينوغرافية عالية اعتمد فيها تغيير الديكور كل مرة ليواكب تطور الأحداث التاريخية عبر 12 لوحة تاريخية قسمت الى ثلاثة فصول، وامتزج الديكور وملابس الممثلين وملامحهم بشكل بديع حوّل مسرح باشطارزي إلى لوحة تاريخية مسروقة من الزمن· شجاعة أسطورية وتتناول قصة المسرحية التي أخرجتها الفنانة صونيا وأداها 31 ممثلاً، قصة مملكة نوميديا -التسمية القديمة للجزائر- في عهد يوغرطة حفيد ماسينيسا الذي لفت انتباه الملك ميسيبسا بفنونه القتالية وحنكته القيادية وصيده الوحوش في شبابه، فأرسله إلى نجدة الرومان ضد الإيبيريين -الإسبان- سنة 134 قبل الميلاد، وخاض حروباً ناجحة عاد منها مكللاً بالنصر، فعظمت مكانته عند الملك الذي تبناه في صغره، فأسند إليه الملك وهو على فراش الموت وآثره على ولديه من صلبه، فتمرد الأخوان على يوغرطة وطالباه بتقسيم نوميديا، ووقعت حروب بين الطرفين أخمدها يوغرطة برغم أن أحد أخويه بالتبني تحالف مع الرومان ضده، وخاض يوغرطة بعدها حروباً ضارية ضد الرومان لتحرير المدن النوميدية التي احتلوها وتمكن من كسب معارك كثيرة ضدهم بفضل شجاعته وبسالته وحنكته في إدارة القتال، وعجز الرومان عن الانتصار على يوغرطة على ضخامة آلتهم الحربية فدبروا العديد من المكائد ضده، وتمكنوا من شراء ذمة صهره باخوس ملك موريطانيا الذي تعمد يوغرطة الزواج بابنته أملاً في أن يشد ذلك من أزره ويقوي صفوفه، لكن باخوس لم يكتف بخذلان صهره وعدم إمداده بالجند للدفاع عن الوطن فحسب، بل تآمر مع أعدائه الرومان ضده، ودعاه الى زيارته في قصره، وحينما لبى يوغرطة الدعوة، قام باخوس باعتقاله وتسليمه إلى الرومان مقيدا سنة 105 قبل الميلاد لينهي بذلك أسطورة يوغرطة التي دامت 28 سنة كاملة، وفعل بالغدر والخيانة ما لم يتمكن الرومان من فعله بالحرب والمواجهة· لعنة التاريخ انتهت المسرحية بأسر يوغرطة الذي أبى إلا توجيه كلمة لصهره قال فيها إنه سيموت بطلاً مرفوع الرأس وسيذكره التاريخ والأحفاد بفخر واعتزاز، بينما سيموت باخوس نذلاً خسيساً، وستلعنه الأجيال ولن تغفر له جريمته وخيانته لوطنه· ولعل البطل علي جبارة الذي أدى دور يوغرطة يخاطب بذلك بعض العرب الراهنين الذين تحالفوا مع العدو ضد الأوطان خوفاً منه ورغبة في الحفاظ على مصالحهم؛ فحيثما يكون هناك أبطال يدافعون عن أوطانهم بشجاعة وبسالة ضد عدو يفوقهم عدة وعتاداً، يكون هناك أيضا خونة أنذال يتحالفون مع الاحتلال ضد بلدانهم، وكثيراً ما يجهض هؤلاء الخونة ثورات شعوبهم بالتآمر مع العدو وضربها في الظهر·