لم أفكر يوماً أن أكتب مقالاً أسبوعياً أو يومياً، وكان ظني بنفسي أنني لا أستطيع ذلك لكوني مزاجية الطبع رغم ما لم تثبته علاقتي بالعمل الدائم لسنوات عديدة، لكنني كنت أبرر ذلك لعلمي أن المقال الأسبوعي ربما يجعلني كل مرة أفكر فيما سأكتب عنه، أي أنني أجير ذاتي وكتابتي لصالح ما أود الكتابة عنه وهو التزام ومقدرة فائقة أحسد من يستطيعها، وأنا ممن يخافون أن تفضحهم هذه الكتابة فلا تكون شعراً خالصاً أخلص له ذائقتي وأصفيها، ولا مقالاً جاداً وجميلاً، خاصة أنني لايعجبني إلا قلة من كتاب المقالات أغلبها ذات طراز رفيع في الثقافة العامة أو السياسية· اليوم وأنا أجرب كتابتي وأطرحها عليكم ترتجف يدي وأحاول التملص من كتابة يرهقني التعامل معها، لكن ما باليد حيلة وقد وعدت وحاولت أن أخلف دون جدوى· فكرت فيما سأكتب، كانت حال المثقفين العام وتدهور أوضاعهم بعد أن كانوا رواد التقدم والحرية وكل ماهو حقيقي وجاد فإذا بهم اليوم تتراجع أدوارهم ويؤخذون بجريرة ما يكتبون، وكأنهم مساقون إلى الدفاع عن أنفسهم دائماً، وكأنهم زمرة لاتؤثر في المجتمع الذي آل مصيره إلى الاستهلاك والسوق دون الانتباه ولو للحظة أن الحضارات نشأت حتماً بالفكر، والفكر لا يتأتى دون أن تهيأ له سبل الحرية والمساحة من التجريب والخطأ والصواب ومن ثم حرية التعبير والقول· إن القول أول مبدأ للتحدث والمعرفة، معرفة الأنا والآخر، كيف لاتعرف الآخرين ونفسك دون أن تسميها وتعرفها وتشرحها؟ كيف نبدأ التقييم والتعبير والنقد دون أن نتهجأ الكلام ونخطئ ونصيب؟ وكيف نفعل ذلك وعلى رقابنا سيوف مسلطة تحاسبنا على مانحاول أن نجربه لأننا لم نعتد أن نفعله من قبل؟ لهذا ظلت أمتنا دائماً أمة ناقلة لا مؤثرة، مقلدة لا مستحدثة، عاجزة عن الابتكار والتقييم· يقول ابن كثير مفسراً: ''إن خزائن الله هي الكلام فإذا أراد شيئاً قال له كن فكان''· إذن القول يسبق الفعل والفعل لاحق للكلام والكلام أول سلالمه، وأقيمها الأدب الذي يجرب ويؤرخ وتُقيم من خلاله البلاد وأهلها· لذا أبدأ أول مقال لي بتحية للأدباء الذين مايزالون يحاولون ويجربون وربما يتطاولون قليلاً لقلة حيلتهم إلا في الكتابة، هم ليسوا آلهة كما كانوا يتشدقون بدورهم وليسوا سوى بشر ثروتهم الكلمة وهي منزلة ومقدرة· أتمنى أن يكون حالهم بخير ووضعهم العام أيضاً بخير· هذا أول الكلام· حَلاَوَةُ الحَدِيثِ حَلاَوةُ المَرْءِ في حَدِيثه حديثُ المَرْءِ ليسَ سَهْلاً يُفْهَمُ المَرْءُ مِنْ لِسَانِهِ يُوزَنُ المَرْءُ بكِلامِهِ يُحِبُّ وَيَكْرَهُ وَيَقْتَرِبُ وَيَغِيبُ في الكَلاَمِ·