مع تنامي الوعي المحلي بقيمة السينماء كوعاء بصري يحتضن الفنون الأخرى كافة ويستفيد من طاقاتها لتقديم فيلم إماراتي خالص وناضج فنياً وموضوعياً، ومع ظهور جيل متعطش من السينمائيين الإماراتيين لإنتاج أفلام تعبر عن خصوصية المكان، والباحثين عن القصص والمرويات الشعبية التي يمكن أن تسد جانباً من النقص في الكتابة السينمائية، والتي تشكل عصب الفيلم، ومرتكزه الأساس الذي لا يمكن الاستغناء عنه· ومع ظهور مهرجانات وأحداث سينمائية كبرى تولي جانباً كبيراً من اهتمامها للسينما المحلية وتشجيعها، فإن هذا الاهتمام لابد أن يقترن بالدعائم الأولية لصناعة الفيلم، ولعل الكتابة السينمائية أو ''السيناريو'' هي احدى أهم هذه الدعائم وأكثرها ارتباطاً بهذا الحقل البصري الجديد في المكان· ومن الإشكالات التي تؤثر في المنتوج الكتابي السينمائي ضعف التواصل بين الأدباء وكتاب القصة والرواية المخضرمين في الإمارات وبين منتجي الأفلام أنفسهم، وكأن ما هو حاصل بين الطرفين حالة طلاق سابقة على الزواج نفسه· ولتسليط الضوء على هذه الإشكالية ومسبباتها رصدنا ردود أفعال الكتاب والقصاصين والروائيين الذين يبدون بعيدين عن المشهد السينمائي ولكنهم يتمنون الدخول فيه من أجل تحقيق التكامل الثقافي المنشود بين الأطياف الفنية المختلفة في الساحة المحلية· جبران: مبادرات ذاتية القاص والروائي المبدع ناصر جبران الذي يشتغل على الثيمة المحلية بعمق ووعي وتمكن سردي وشعري واضح، والذي أصدر عدة مجموعات قصصية منها المجموعة المهمة ''نافورة الشظايا'' ومجموعة ''ميادير'' ويحضر لإصدار روايته الأولى قريباً بعنوان ''سيح المهبّ''، يرى أن إشكالية الانقطاع بين الكتاب والسينمائيين تعود إلى غياب السينمائيين عن الإرث القصصي والروائي الذي ازدهر في فترة الثمانينات والتسعينات من خلال المجموعات التي صدرت لكتاب مهمين أمثال: علي أبو الريش، وسلمى مطر سيف، وجمعة فرج، وناصر الظاهري، وعبدالحميد أحمد وغيرهم، وعلى السينمائيين أن يلتفتوا لهذا الرصيد الأدبي الثري الذي يمكن أن يعزز عطاءاتهم السينمائية ويمنحها صبغة محلية أصيلة، وبعيدة عن الأفكار والاقتباسات الجاهزة والمكررة· وعن سبل التواصل بين الكتاب والسينمائيين يرى جبران أنها يجب أن تتم من خلال مبادرات ذاتية من المخرجين والباحثين عن قصص ونصوص قوية ومؤثرة، كما أن كتاب القصة عليهم أن يجربوا الكتابة السينمائية وتقديم سيناريوهات للمخرجين المتعطشين لنص سينمائي محبوك جيداً ومتماسك، فالسيناريو لا يخلو من جانب السرد والتخيل وخلق الشخصيات، وهي عناصر يستطيع كاتب القصة والرواية أن يشتغل عليها بحرفية وتمكن· ويرى جبران أن زيادة الاهتمام بفن السينما في الإمارات وظهور مهرجانات عدة ومنها مهرجان الشرق الأوسط بأبوظبي سوف تدفع وتغري كتاب القصة والرواية في اقتحام هذا العالم بمساهمات كتابية سينمائية في المستقبل القريب· وعن إمكانية تحويل روايته القادمة ''سيح المهب'' إلى عمل بصري وسينمائي، يقول جبران: ''إن هذا يعتمد على إمكانات المخرج وعلى النقاشات التي يمكن أن تثمر عن ورشة إعداد للسيناريو، فالمخرج الذي يستطيع أن يخلق خطاً بصرياً موازياً لأحداث الرواية، سيفلح دون شك في الترجمة الأمينة لأجواء وروح النص الأصلي''· مبارك: كسل السينمائيين أما القاص الإماراتي إبراهيم مبارك الذي أصدر مجاميع قصصية حاضرة ومؤثرة في المشهد الأدبي المحلي، منها مجموعة ''الطحلب'' و''عصفور الثلج'' و''خان'' و''ضجر طائر الليل''، فيرى أن عدم التواصل بين الكتاب والسينمائيين يعود إلى كسل السينمائيين أنفسهم وعدم بحثهم في المنتوج القصصي والروائي في الإمارات، بالرغم من أن هذه القصص تحوز على ثيمات شعبية تتمتع بكثير من المناخات والصور والفضاءات السينمائية، فعلى السينمائي الإماراتي البحث والقراءة للوصول إلى هذه الكنوز القصصية المخبأة في الكتب، وأقترح في هذا السياق عقد ندوة شاملة تجمع المخرجين وكتاب السيناريو، بالإضافة لكتاب القصة والرواية وحتى القصيدة والمنتجين والقائمين على المهرجانات المحلية للتشاور والتباحث ووضع الاقتراحات المناسبة لتحقيق نوع من التواصل الحميمي والمشترك بين هذه الأضلاع المهمة لإنشاء حركة سينمائية محلية ناضجة ومتكاملة العناصر· ويعقب مبارك: ''إن السينمائيين في الخارج وفي دولة مثل مصر يتابعون كل ما ينتج من إصدارات أدبية قديمة وحديثة على السواء، ويجتهدون للبحث عن مواضيع وأفكار من خلال المنتوج الثقافي، وهو للأسف ما نفتقر إليه في الإمارات، فهناك تباعد وانقطاع في الحوار والقراءة بين السينمائيين والكتاب في المشهد الثقافي المحلي''· الحليان: جزر معزولة أما الكاتب مرعي الحليان صاحب المساهمات المسرحية والدرامية العديدة في الساحة الفنية المحلية فيقول: ''إن الانقطاع بين المبدعين في الإمارات، خصوصاً في مجال السينما والأدب، هو نتاج لتراكم قديم أدى إلى عيش المبدعين في جزر منعزلة، فالكتاب في واد والسينمائيون في واد آخر، وهناك غياب كبير لخطاب إبداعي محلي منفتح على كل أشكال الفنون الأخرى كالمسرح والتشكيل والموسيقا وغيرها، وغياب هذا الخطاب الجمعي، أدى لضمور النتاجات المستقلة وضعف تأثيرها في الوعي المحلي، وينطبق هذا الأمر بقوة على النتاج السينمائي الذي لم يغرف من الإرث القصصي والروائي في الإمارات حتى الآن، بالرغم من توافره في الإصدارات العديدة التي قرأناها لمبدعين من الإمارات''· ويضيف الحليان: ''يجب علينا في هذا السياق تفعيل التذوق الفني لدى المتلقي من خلال الانشغال بجماليات الفنون البصرية التي تتصدرها السينما والفنون التشكيلية الرديفة، وغياب هذا التذوق الفني أدى لغياب ملامح النقد والقراءة التحليلية والمتابعات النظرية للمنتوج السينمائي المحلي، فليس هناك نقد فني متفاعل ومواكب للحركة السينمائية الناهضة والمتشكلة في الوسط الفني الإماراتي، وداخل منظومة البيئة والصراعات الذهنية والنفسية التي أفرزتها الطفرة الحياتية والاقتصادية في المكان''· ويرى الحليان أن التواصل بين السينمائيين والكتاب يجب أن يتم من خلال ورش وندوات تخصصية يدعى إليها المهتومون كافة بالحركة السينمائية والقائمون على التظاهرات والمهرجانات المحلية المحيطة بها مثل مهرجان الشرق الأوسط وأفلام من الإمارات ومهرجان دبي السينمائي والهيئات والدوائر الثقافية العامة والخاصة·