انطلاقاً من إيمانها بأسلوب الحوار لحل المشكلات والنزاعات بين الدول تقوم الإمارات بمعالجة حكيمة لقضية جزرها الثلاث ''طنب الكبرى، وطنب الصغرى، وأبوموسى'' التي تحتلها إيران منذ عام ·1971 فقد اتبعت ولا تزال نهجاً سلمياً ودبلوماسياً مرناً لإنهاء احتلال الإيراني للجزر بالوسائل السلمية عن طريق المفاوضات الجادة والمباشرة أو إحالة النزاع إلى محكمة العدل الدولية· وحظي هذا النهج بقبول ودعم من دول مجلس التعاون الخليجي وجامعة الدول العربية والمجتمع الدولي والدول الشقيقة والصديقة· واستمراراً للنهج الذي سارت عليه الدولة في عهد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان ''طيب الله ثراه''، أكد صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة ''حفظه الله'' أن النهج الذي اتخذته الإمارات لاسترداد جزرها الثلاث المحتلة لا يخضع لأي أجندة سياسية إقليمية أو دولية وإنما يستند على موقف قانوني وحقوقي ووطني سابق لوجود البرنامج النووي الإيراني وأن الأساليب التي اقترحتها الإمارات لحل النزاع لم تتغير وهي قائمة على أساس الاحتكام للشرعية الدولية والقانون الدولي والتفاهم الأخوي· وجدد سموه دائماً دعوة إيران إلى حل قضية احتلالها للجزر الثلاث عن طريق اللقاءات والحوار المباشر ضمن جدول أعمال واضح أو وفقاً لمبادئ القانون الدولي وقواعده بما في ذلك القبول بإحالة القضية إلى محكمة العدل الدولية إذا تطلب الأمر ذلك· وقال سموه: ''نحن نعتقد أن أفضل علاج للمشكلات القائمة بين الدول هو ما قام على بناء علاقات الاحترام المتبادل وحسن الجوار والمصالح المشتركة مما يفتح آفاقاً رحبة للتعاون المثمر بين الدول في المنطقة الواحدة من جهة وبين دول العالم كافة من جهة أخرى''· وتعود قضية الجزر المحتلة إلى سنة 1971 التي شهدت انسحاب بريطانيا من الخليج، مما نتج عنه كثير من المشكلات الأمنية والسياسية، لعل أهمها احتلال إيران الجزر الثلاث باعتبارها نقاطاً مهمة للتحكم في الخليج· وعندما قامت الثورة الإيرانية عام 1979 توسمت الإمارات ودول المنطقة خيراً، وساد انطباع بأن الجمهورية الجديدة ستساعد في حل مشكلة الجزر المحتلة، لكن إيران أعربت أن مواقفها ثابتة تجاه الجزر باعتبارها قضية تنطوي على مصالح إيرانية وطنية حيوية· وحرص المسؤولون الإيرانيون على إطلاق تصريحات مطاطة وغير مفهومة ومتناقضة أيضاً بالنسبة لموضوع الجزر، كما أنها أرسلت قواتها المسلحة لتحتل جزيرتي طنب الكبرى وطنب الصغرى، فضلاً عن تعزيز وجودها العسكري في جزيرة أبو موسى وإخلائها من الوجود الإماراتي بعد حرب تحرير الكويت· ورأت الإمارات أن الأساليب الدبلوماسية تبقى الطريقة الأفضل لمواجهة الاحتلال وحل هذه الأزمة· وعزمت على انتهاج سبيلين متوازيين في تناولها لقضية الجزر، فبدأت بإظهار ما تقوم به إيران في الجزر مع تأكيد عدم قانونية وشرعية ذلك، ثم عملت على تدويل القضية على المستويات المتاحة والممكنة كافة، الخليجية والعربية والإسلامية والدولية· مواقف عربية ودولية فشلت المحاولات العديدة لحل هذه الأزمة الشائكة بين الإمارات وإيران منذ اندلاعها في سنة ،1971 فعقد مجلس الأمن جلسة خاصة في 9 ديسمبر ،1971 للنظر في قضية الاحتلال الإيراني للجزر الثلاث، باعتباره ''عدواناً منافياً لميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي وحق الجوار''، وكان الفشل حليف تلك الجلسة، وفي الدورتين الـ47 والـ48 للجمعية العامة للأمم المتحدة عامي 1992 و1993 تطرقت كلمات بعض الوفود العربية والأجنبية إلى احتلال إيران للجزر الثلاث· وبالمثل، فإن المفاوضات المباشرة بين الإمارات وإيران في أواخر سبتمبر ،1992 لم توصل الطرفين إلى حل ينزع فتيل الأزمة، أمام الرفض الإيراني المتعنت لإنهاء الاحتلال أو حتى مجرد مناقشته· وقد أكدت التجارب العديدة بين 1971 - 2006 انكسار كل المحاولات التي قامت بها الإمارات والمنظمات الإقليمية والدولية لحل الأزمة على صخرة العناد الإيراني· لقد سعت الإمارات لحل هذه الأزمة بكل الطرق السياسية والدبلوماسية السليمة، كما حاولت إقناع إيران بإنهاء احتلالها للجزر والتفاوض حولها أو عرضها على التحكيم الدولي، لكن إيران لم تستجب حتى لهذه الدعوات الصادقة لإنهاء هذا الاحتلال الذي يتسبب في عدم استقرار منطقة الخليج العربي ويعكر صفو العلاقات بين إيران وبقية الدول العربية· ونجح الموقف العربي الواحد إلى جانب الإمارات والمساعي التي بذلتها سوريا وسلطنة عُمان في الدفع باتجاه المباشرة بعملية التفاوض للوصول إلى تسوية للنزاع، وعقدت في أبوظبي جولة أولى من المفاوضات تقدم كل طرف فيها بمطالعته· وقد انطلق موقف الإمارات خلال هذه المفاوضات من حقها الثابت في السيادة على الجزر، والمدعوم بالوثائق التاريخية التي تثبت ملكيتها لجزيرتي طنب الكبرى وطنب الصغرى وأعلنت إنها بالنسبة إلى جزيرة أبوموسى تلتزم اتفاق 1971 الموقع بين الشارقة وإيران· واقترحت الإمارات ثلاث صيغ للتفاوض، تقضي الأولى بالتفاوض على مسألة الجزر الثلاث دفعة واحدة والتوصل إلى تسوية للنزاع حولها مرة واحدة، فيما تقضي الثانية بالتفاوض حول قضية أبوموسى وحدها ورفع النزاع على الجزيرتين الأخريين إلى محكمة العدل الدولية، أو اعتماد الصيغة الثالثة بالبدء بقضية أبوموسى وبعد الاتفاق حولها مباشرة التفاوض حول تسوية للنزاع على الجزيرتين الأخريين، لكن إيران تمسكت بموقف واحد، وهو رفضها التفاوض حول جزيرتي طنب الكبرى وطنب الصغرى وحصر الموضوع بجزيرة أبوموسى وحدها، انطلاقاً من ادعائها بالسيادة الكاملة على الجزيرتين الأخريين، مع أن الوثائق الإماراتية تؤكد العكس· وعلقت المفاوضات والمساعي عند هذا الحد، مما حمل الإمارات على التلويح برفع القضية كلها إلى الأمم المتحدة التي وضعتها أبوظبي في صورة القضية بكاملها· وفي 11/9/1993 أعلنت الإمارات عزمها رفع موضوع خلافها مع إيران حول الجزر الثلاث إلى الأمم المتحدة، بالرغم من أن القضية معروضة من الناحية الرسمية على المنظمة الدولية منذ مدة، لكن الإمارات كانت بانتظار مبعوث للأمين العام للأمم المتحدة بهدف تقصي الحقائق بخصوص النزاع مع إيران، كما أنها أعطت فرصة للحوار المباشر مع إيران والذي لم يؤد إلى أي نتيجة حتى الآن· القضية في التعاون والجامعة شكل الاحتلال الإيراني للجزر الثلاث عامل قلق عميق أعاق إلى حد كبير إمكانية توسيع العلاقات بين دول مجلس التعاون الخليجي وإيران وعملت دول المجلس على وضع إطار جماعي للعلاقات، حيث تبنى مجلس التعاون أسساً ثابتة ومشتركة للتعامل مع إيران، ترتكز على مبادئ حسن الجوار، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، وحل النزاعات بالوسائل السلمية، ورفض سياسة فرض الأمر الواقع بالقوة· كما حث المجلس على تفعيل الحوار الودي والاتصالات الثنائية والزيارات المتبادلة مع إيران على مختلف المستويات، مما أسفر عن توقيع العديد من الاتفاقات الثنائية ومذكرات وبروتوكولات التفاهم التي شملت الجوانب الاقتصادية والأمنية· وناشدت دول المجلس إيران، عبر البيانات الختامية والصحفية المتعاقبة الصادرة عن المجلس الأعلى والمجلس الوزاري، الاستجابة لمبادرة دول مجلس التعاون ودولة الإمارات العربية المتحدة لحل قضية احتلالها للجزر الثلاث بالوسائل السلمية· ومنذ عام 1992 أصبح موضوع الجزر بنداً ثابتاً على جدول أعمال المجلسين الأعلى والوزاري لمجلس التعاون الخليجي، وقد ساندت دول الخليج موقف الإمارات من قضية الجزر، وطالبت إيران بإنهاء احتلالها للجزر الإماراتية، والدخول في مفاوضات مباشرة معها أو إحالة القضية إلى محكمة العدل الدولية· ومن الخطوات المهمة في هذا الإطار، قرار المجلس الوزاري في دورته الحادية والسبعين التي عقدت في مدينة جدة بتاريخ 3 يوليو ،1999 الخاص بإنشاء لجنة وزارية من كل من المملكة العربية السعودية، وسلطنة عُمان، ودولة قطر، والأمين العام للمجلس، بهدف وضع آلية لبدء المفاوضات المباشرة لحل قضية احتلال إيران للجزر الثلاث· وكانت دول المجلس تتطلع لأن يكون استقبال إيران لهذه اللجنة والتعامل معها مدخلاً مهماً يمهد لحل قضية الجزر، لكن إيران رفضت استقبال هذه اللجنة· وعلى الصعيد العربي، ظلت الجامعة العربية تؤكد عروبة الجزر الثلاث، وتؤكد وقوفها إلى جانب الإمارات، لرد حقها المغتصب· وتناول مجلس جامعة الدول العربية بحث الموضوع منذ لحظة إطلاق إيران لتهديداتها باحتلال الجزر الثلاث فعرضت التهديدات على وزراء الخارجية العرب في 20/11/،1971 ثم على مجلس الجامعة في دورته ''''56 في 6/12/،1971 وابتداء من الدورة ''''99 لمجلس الجامعة اعتبر المجلس موضوع ''احتلال إيران للجزر العربية التابعة لدولة الإمارات بنداً دائماً على جدول الأعمال· وفي القمة العربية التي عقدت في مدينة عمان ''الأردن'' في مارس 2001 تدارست الدول العربية الموضوع وأصدرت القرار رقم 208 الذي أكد: - سيادة دولة الإمارات العربية المتحدة على جزرها الثلاث، وتأييد الإجراءات والوسائل السلمية كافة التي تتخذها لاستعادة سيادتها على جزرها المحتلة· - استنكار استمرار الحكومة الإيرانية في تكريس احتلالها للجزر الثلاث وانتهاك سيادة دولة الإمارات العربية المتحدة· - إدانة قيام الحكومة الإيرانية ببناء منشآت سكنية لتوطين الإيرانيين في الجزر العربية الثلاث المحتلة· - إدانة المناورات العسكرية الإيرانية التي تشمل جزر دولة الإمارات الثلاث المحتلة، ومياهها الإقليمية، ومطالبة إيران بالكف عن إجراء مثل هذه الانتهاكات والأعمال الاستفزازية التي تعد تدخلاً في الشؤون الداخلية لدولة مستقلة ذات سيادة ولا تساعد على بناء الثقة وتهدد الأمن والاستقرار في المنطقة· - دعوة الحكومة الإيرانية مجدداً إلى إنهاء احتلالها للجزر الإماراتية الثلاث، والكف عن فرض الأمر الواقع بالقوة، والتوقف عن إقامة أي منشآت فيها، وإلغاء الإجراءات كافة وإزالة المنشآت كافة التي سبق أن نفذتها إيران من طرف واحد في الجزر الثلاث باعتبارها أعمالاً مخالفة لأحكام القانون الدولي واتفاقية جنيف الرابعة لعام ،1949 واتباع الوسائل السلمية لحل النزاع القائم عليها وفقاً لمبادئ وقواعد القانون الدولي، بما في ذلك القبول بإحالة القضية إلى محكمة العدل الدولية· - مطالبة إيران بترجمة ما تعلنه عن رغبتها في تحسين العلاقات مع الدول العربية، إلى خطوات عملية وملموسة، بالاستجابة للدعوات الجادة والمخلصة الداعية إلى حل النزاع بالطرق السلمية وفق الأعراف والمواثيق وقواعد القانون الدولي من خلال المفاوضات الجادة أو اللجوء إلى محكمة العدل الدولية· - التزام جميع الدول العربية في اتصالاتها مع إيران بإثارة قضية احتلال إيران للجزر العربية الثلاث لتأكيد ضرورة إنهائه انطلاقاً من أن الجزر الثلاث هي أراض عربية محتلة· وتعاملت الدول العربية وجامعتها مع استمرار احتلال إيران للجزر الإماراتية منذ عام 1971 على أنه يشكل عقبة أمام إرساء قواعد متينة لبناء علاقات عربية - إيرانية تستند إلى الميراث الحضاري والتاريخي المشترك، وتحقق المصالح المتبادلة للطرفين، ودعمت كل الجهود التي كانت ترمي إلى إحياء المفاوضات، عدا عن التحرك العربي الجماعي المساند للموقف العادل لدولة الإمارات والذي يمكنها من استعادة سيادتها على جزرها المحتلة· وأبلغت جامعة الدول العربية الأمم المتحدة ومجلس الأمن موقفها هذا والرافض للتشدد الإيراني تجاه تسوية موضوع الجزر الإماراتية المحتلة· ووجهت بعثتها لدى الأمم المتحدة بتنسيق الجهود واتخاذ ما يلزم من إجراءات لاستمرار عرض ملف القضية على مجلس الأمن، إلى أن تنهي إيران احتلالها للجزر، وتسترد الإمارات سيادتها الكاملة عليها· واستمرت الجامعة برفض سياسة الأمر الواقع التي تفرضها إيران على القضية بالقوة، كما استمرت بمطالبة إيران بالتوقف عن إقامة منشآت في الجزر بهدف تغيير تركيبتها السكانية، وإلغاء الإجراءات والمنشآت كافة التي سبق تنفيذها من طرف واحد في هذه الجزر·