دينا محمود (لندن)

في ضربة جديدة لمحاولات قطر المستميتة للإبقاء على النسخة المقبلة من بطولة كأس العالم لكرة القدم في أراضيها والحيلولة دون نقلها إلى دولة أخرى، كشفت دراسة موسعة النقاب عن حجم الكارثة الإنسانية التي تهدد العمال المهاجرين الموجودين هناك، بسبب مشاركتهم في عمليات تشييد المرافق اللازمة لتنظيم المونديال بعد أقل من أربع سنوات من الآن.
وأشارت الدراسة إلى أن عدد العمال الذين لقوا حتفهم خلال المشروعات الإنشائية الجارية في هذا الشأن منذ أعوام هو الأعلى من نوعه على مر التاريخ، وذلك بعدما استعرضت حصيلة ضحايا الإنشاءات التي شهدتها دولٌ أخرى سبق أن نظمت بطولات رياضيةً كبيرةً من قبل بحجم كأس العالم، ومن بينها دورة الألعاب الأولمبية الصيفية التي أقيمت في بكين عام 2008، ونظيرتها الشتوية التي احتضنتها مدينة فانكوفر الكندية بعد ذلك بعامين، وأولمبياد لندن 2012، والأولمبياد الشتوي في منتجع سوتشي الروسي عام 2014، بجانب بطولتيْ كأس العالم لكرة القدم عاميْ 2010 و2014، في جنوب أفريقيا والبرازيل.
وأشارت الدراسة التي نشرت في موقع «ذا سبورتس رَش» الإلكتروني المتخصص في متابعة الملفات الساخنة على الساحة الرياضية إلى أن البيانات كشفت عن أن عدد الضحايا الأكبر بين العمال سقط في سوتشي، بحصيلة بلغت نحو 60 شخصاً، وهو ما يجسد حجم المأساة الإنسانية الفادحة التي تشهدها قطر في الوقت الحاضر، في ضوء أن من أُزْهِقَت أرواحهم فيها من العمال الأجانب يزيد حتى الآن على هذا العدد بـ 26 مرةً كاملة. فبحسب الأرقام المتاحة، بلغ عدد قتلى آلة الموت القطرية التي لا تكف عن الدوران عتبة الـ 1200 عامل، وسط تقارير تفيد بأن العدد ربما يكون أكبر من ذلك بكثير، وهو ما بدا تشكيكاً واضحاً من جانب واضعي الدراسة في صحة الأرقام الرسمية التي يعلنها النظام القطري في هذا الشأن، واتهاماً مباشراً للسلطات في الدوحة، بإخفاء الحجم الكامل للانتهاكات الصارخة التي يتعرض لها مئات الآلاف من الوافدين، الذين جاءت الغالبية العظمى منهم من دول آسيوية فقيرة.
وفي السنوات الماضية، أحجم المسؤولون عن قطاع الصحة في قطر عن الاستجابة لطلبات الحصول على معلوماتٍ تخص أسباب وفاة مئات المهاجرين العاملين في قطاع البناء وربما أكثر، وتكتفي السلطات الصحية في الدوحة بذكر أسبابٍ غامضةٍ للكثير من حالات الوفاة، وهو ما حدث مع آلاف العمال من الهند وبنجلاديش ونيبال، وقالت السفارة الهندية في الدوحة، إن السلطات القطرية أرجعت أكثر من 80% من وفيات العمال الهنود لديها إلى «أسبابٍ طبيعية» بإجمالي 1354 حالةً، ولم تقر بوقوع حوادث أفضت إلى وفاة هؤلاء الضحايا سوى في 14% فقط من الوقائع المُسجلة، ما يثير مزيداً من الشكوك في هذا الصدد.
وقالت الدراسة، إن حجم المعاناة التي يكابدها هؤلاء العمال، خلال مواصلة النظام القطري استعداداته بلا هوادة لتنظيم المونديال، هائلة إذ يكدحون في ظل درجات حرارةٍ شديدة الارتفاع، ووسط ظروف عملٍ لا يتم فيها الالتزام بأي معايير سلامة أو أمان. وأشارت إلى أن الانتهاكات التي يقاسيها العمال المنكوبون في قطر تشمل كذلك تأخير صرف رواتبهم أو عدم دفعها لهم بالكامل، وتقييد قدرتهم على تغيير وظائفهم، وسوء حالة أماكن الإقامة، التي يتم إجبارهم على السكن فيها. وقال نشطاء حقوقيون، إن أولئك العمال يرغمون على الإقامة في مخيمات قذرة ومكتظة، قد تأنف منها الحيوانات في بعض الأحيان.
وفي نوفمبر الماضي، كُشِف النقاب عن حرمان مئات العمال القادمين من بنجلاديش لشهورٍ طويلةٍ من رواتبهم وتقطع السبل بهم في مخيمٍ قريبٍ من الدوحة، بلا خدماتٍ أساسيةٍ مثل المياه النقية والكهرباء، لتفترسهم الأمراض المختلفة التي أفضت ببعضهم إلى الوفاة، وأفادت تقارير منظمات مستقلة بأن هؤلاء العمال «تركوا كي يتعفنوا» في مخيمهم، واضطروا إلى الاعتماد على تبرعات المنظمات الخيرية، التي كانت تمدهم بوجبات الطعام اللازمة لإبقائهم على قيد الحياة، بعد توقف صرف مستحقاتهم لستة أشهر أو أكثر.
ونقل موقع «ذا سبورتس رَش» عن منظمات حقوقية قولها إن القصص المأساوية التي يرويها العمال المهاجرون الموجودون في قطر ليست بالفريدة من نوعها، في تأكيدٍ على اتساع نطاق المحنة التي يمر بها هؤلاء، ممن يعانون من «عبوديةٍ حديثةٍ» ترقى لـ «العمل القسري»، بحسب معايير الجمعيات الدولية المعنية بحقوق العمالة. وأشار الموقع إلى التقارير الموثوقة التي حذرت من أن عدد ضحايا تنظيم كأس العالم في قطر قد يصل إلى أربعة آلاف عامل بحلول موعد انطلاق البطولة في 21 نوفمبر 2022، لافتاً إلى أن هناك جنسياتٍ تعاني أكثر من غيرها في هذا الشأن، مثل النيباليين، الذين تفيد تقديراتٌ بأنهم يموتون بمعدل عاملٍ واحدٍ كل يومين.