الشمس تأتلق رابعة النهار في كبد السماء، جدائلها الوهاجة ترسم على وجه الثَرى ألواناً ذهبيّة في أُلفة الزمان والمكان. البحر يُوحي هاهُنا بألقِ زُرقته النَدِيّة وبأمواجه الهادئة في عزّ الظهيرة من شهر أبريل. انثيالات تترى في الذاكرة وأنتَ تحثّ الخُطى صوب المكان، وجوهٌ تتطلع صوبَ الصَرح المَشِيْد الأليفِ إلى النفس بطابعه التراثيّ الأصيل من وحيّ بيوت الإمارات الأُوَل... الظلّ والضوء، الزمان والمكان عناصر تستحضرها في هذا الوقت قبل الشروع بالدخول.. وأيّ موقف أعزّ من صاحب الذكرى والذاكرة العزيزة. «مركز زايد العدل» فكرة شَرَع بتنفيذها سمو الشيخ سلطان بن زايد آل نهيان نائب رئيس مجلس الوزراء رئيس المركز الثقافي الإعلامي، رئيس نادي تراث الإمارات، الذي افتتحه سموه ظهر الأربعاء 22 أبريل 2009م، ليصبح أحد مرافق نادي تراث الإمارات، وليكون مَعْلَماً شاهداً من معالِم العاصمة أبوظبي. 22 أبريل 2009 سيبقى يوماً محفوراً في ذاكرة الإمارات والناس والأيام كونه يوما أصبحت فيه الذاكرة مُتقدّة ووقعها وئيد، لأنّ المبنى/ المركز يضمّ في أروقته صوراً وشواهد نفيسة عزيزة حَبيبة إلى كلّ الأفئدة، ويشاهدها وتلامس أعين كلّ الناظرين الزائرين إليه... أجل فالصور والمُقتنيات المعروضة في أروقة المركز تحكي للأجيال قصّة رجل هو أكرم الرجال، وسيرة قائد يُعدّ من أنبل القادة وأحكمهم وأرحمهم لشعبه وأمته... كيف لا وأنّ عطاء المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «طيّب الله ثراه»، لا يعرف حدود دولته العامرة، بل تجاوزتها لأشقائه العرب والمسلمين وإلى أصقاع الدنيا كُلها. مساحات وفضاءات وما أن تصل أرض مارينا البطين في أبوظبي لتجُوسَ بقدميك أروقة المباني التراثيّة لنادي تراث الإمارات حتى تطالع ناظريك المباني المُنجزة المُستوحاة من نمطّ البيوتات القديمة لأبناء الإمارات، تلك المساحات والفضاءات بينها مّا توحي للمُشاهد والزائر بغبطة المكان والألفة وعودة الذكريات للزمن الجميل للفريج والبَرَاحة وحياة النّاس من المحبة الأخويّة. وإثر اجتيازك البوابة الشاهقة التي تحمل اسم «مركز زايد العدل» بطرازها التراثيّ الأصيل وأشجار النخيل الباسقات، التي تشرئب على جانبيّ البوابة لتستقبل الزائرين بأغصانها الخُضُر المتطاولة والموزعة على طول السور الخارجيّ للمبنى، وبعد أن تدلف من تلك البوابة وتسير في الشارع المُوصِل إلى البيوتات المُزدانة بالبارجيل التراثي الإماراتيّ الطابع السامق، وعلى طرفيّ الشارع حتى يتشكل أمامك المكان بمحتواه ليوحي لك بصورة حبيبة وبجوّ البيئة الجميل، كونك قد وصلت إلى حضرة التراث المُؤثّل بالفَخَار. تسير نحو مدخل المركز لتشاهد سيارات عسكريّة قديمة تصطف قِبَالته الذي ازدانَ بأحلى حُلّة قشيبة... وتشاهد صورة كبيرة للمغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان «طيب الله ثراه» تُزيِّن مدخل المعرض، وحوالى مائتي صورة نادرة لسموّه رحمه الله توزعت في أروقة المركز، بينما يُشاهد على جانبيّ المدخل المكتبات العامرة التي ضمّت كتباً وإصدارات ومؤلفات خاصة عن المغفور له الشيخ زايد «رحمه الله». القاعة الكبيرة ارتفع في منتصف القاعة التي شهدت حفل الافتتاح الرسميّ «لمركز زايد العدل» مجسّم كبير دوّار يحمل على جوانبه الهندسيّة صوراً مختلفة لمراحل من حياة الشيخ زايد بن سلطان «رحمه الله»، وعلى جدرانها ثمة صور مختلفة، بينما تدلّت من السقف لوحات تحمل كلّ واحدة منها أقوالاً مأثورة من كلمات سموّه رحمه الله، وعلى جانبيّ القاعة سيارتان وأسدان، في حين عُرِضَت في الطرف الشماليّ من القاعة لوحة مُزججة تحمل اسم «أبو الإمارات»، لتضمّ قصيدة كتبها سمو الشيخ سلطان بن زايد، عن المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «رحمه الله». كما توزعت في رحاب القاعة الكبيرة الصور الفوتوغرافية المتحركة التي التقطها المصور خالد موسى الخالدي، للمغفور له طوال الـ 30 سنة الماضية، أثناء جولاته وزياراته ورحلات الصيد والقنصّ التي كان يقوم بها «رحمه الله». سمو الشيخ سلطان بن زايد ألقى كلمة أمام المحتفلين قال فيها: «إنّ المركز يحمل اسم زايد الذي وحدّ بلدنا ورفع شأنها وساوى بين الجميع ومدّ يدّ العون للقريب والبعيد وأعطى الإمارات مكانة مرموقة بين الدول وجاهد في سبيل تحقيق وحدة العرب والمسلمين ولم يبخل في المحاولة عربياً ودولياً، جاء ليكون مدرسة لكلّ من يريد الارتقاء والعلا. وشدد سموه على أن المركز: ليس معرضاً فحسب بل مركز سيشمل شجرة آل نهيان وسيستمر طوال العام وسيتمّ تحديثه تِبَاعاً على مراحل مُشدداً على أنّ المعرض الذي يضمّ صوراً ومُقتنيات المغفور له الشيخ زايد يتحدث عن نفسه. في أروقة المعرض وشاهد الجميع في مدخل القاعة الكبيرة على شجرة نسب آل نهيان الكرام، ثم تعرفوا في غرفة «جناح القيادة العامة للقوات المسلحة ـ شعبة المتحف والتاريخ العسكريّ» على صور لزيارات المغفور له الشيخ زايد بن سلطان رحمه الله إلى القوات المسلحة، والطوابع البريدية الخاصة التي وُضِعت على الجدران وقسم أُودِعَ في مُجسمات على هيئة المندوس المُزجج، مع عدد من الأوسمة والنياشين، التي منحت تكريماً للمغفور له من الدول والمنظمات والهيئات العربية والعالمية لما قدمه من عطاء هائل واهتمام خاصّ بالبيئة والتنمية المُستدامة والإغاثة والمساعدات الإنسانيّة ونماذج لأزياء عسكريّة قديمة. كذلك ضمّ المركز في أجنحته العديدة مجموعة من المُقتنيات الخاصة وسيارات مدنية وعسكرية قديمة استخدمها الشيخ زايد رحمه الله. وهناك جناح آخر في المركز خاص بالرياضات التراثية كالصيد بالصقور وسباقات الخيل والهجن، وذلك اعترافاً بالفضل الكبير للمغفور له الشيخ زايد بن سلطان الذي جسدّ بلا منازع الصورة المثالية للصقّار العربيّ ورؤيته المتفردة التي توصلت مبكراً لِمَا عرفه حُماة الطبيعة المعاصرون لاحقاً بالصيد المُستدام وحرصه الكبير على توريث هذه الرياضات التراثية العريقة للأجيال القادمة من أبناء الإمارات. وازدانت أروقة «مركز زايد العدل» بإصدارات نادي تراث الإمارات من كتب عن المغفور له الشيخ زايد بن سلطان رحمه الله، وأخرى تراثية مختلفة، توزع مجاناً على الزائرين هدية من النادي لنشر الثقافة والمعرفة التراثية بين الجميع في هذا العُرس التراثيّ الأصيل لصاحب الذكرى والذاكرة طيب الله ثراه.